- مدونة الرسائل الجامعية العربية

الأربعاء، 23 يناير 2013

                        الامويون في الاندلس 

يقسم الحكم الأموي في الأندلس إلى ثلاثة عهود: الولاية – الإمارة- الخلافة، أما الولاية الأموية فقد بدأت بالفتح سنة 92-93 هـ / 711-712 م وانتهت بإمارة عبد الرحمن الداخل سنة 138 هـ- 755م، وأما عهد الإمارة فبدأت سنة 138 هـ وانتهت سنة 315هـ- 927م، وأما الخلافة الأموية فقد بدأت سنة 315 هـ- 927م وانتهت سنة 422 هـ- 1031م.

وأول وال على الأندلس عبد العزيز، وليها لأبيه موسى بن نصير، فثار به العسكر وقتلوه لسنتين من ولايته، وتتابعت ولاة الأمويين عليها تارةً من قبل الخليفة بدمشق، وطوراً من قبل عامله على القيروان، وكأن مقتل الوالي الأول فتح باب اللدد على مصراعيه فظلت هذه الولاية مضطرباً للنزاع والصدام، قل أن استقام فيها لوال أمر أو طال له حكم، حتى نيف عدد الولاة في هذه الفترة من الزمن على بضعة وعشرين والياً.

والسبب في ذلك مطامع الرؤساء وتضارب الأهواء، ونزعة العرب إلى العصبية الجاهلية الأولى، فقامت القيسية واليمنية تتنازعان السلطان، والقيسية واليمنية حزبان كان لهما في تاريخ الإسلام إلى أجل غير بعيد شأن خطير.

كان عامل الأندلس منقطعاً به في أقصى ثغور المسلمين، بعيداً عن قلب الدولة ومادتها، فكان لابد له من عصبة تؤيده في ولايته، ففزع كل وال من ولاة هذا العهد إلى عصبية، القيسي إلى القيسية، واليماني إلى اليمنية، والعصبية تقتضي الرجل أن ينصر أخاه ظالماً أو مظلوماً، فخرج الوالي عن أن يكون حاكماً عاماً وأصبح زعيم عصبية يتصحب لذويه ويتحامل على أعدائهم، فكان من جراء ذلك أن انشقت الجماعة وهاجت الأحقاد وتقدمت الناس بأحزابها.

ومن طبيعة السياسة الحزبية أن تشتد معها العداوة وتستحكم البغضاء، وأن يتربص كل فريق بصاحبه وثبة يهتبلها منه فيدال له عليه، القيسي من اليمني، واليمني من القيسي، وكان الأمر بينهما دواليك، وهُزل الأمر حتى بلغ أن لا يكون للوالي حكم نافذ إلا على قومه، الوالي القيسي يطيعه القيسيون وينحاز عنه اليمانيون، واليماني يخضع له اليمنيون ويعصيه القيسيون.

وزاد هذا الخلاف أمر أمية بالمشرق وتضعضع أحوالهم فشغلوا عن قاصية الثغور بكثرة الخوارج، فبقي أهل الأندلس فوضى، فتن دائمة وولاية متداولة وحال لا تستقر من القلق.

واتفق جند الأندلس آخر الأمر أن يجعلوا الولاية في القيسية واليمانية مداولة بين الجندين، سنة لكل دولة، فقدم المضريون على أنفسهم سنة 129 هـ- 747م يوسف بن عبد الرحمن الفهري فاستتم ولايته بقرطبة، ثم وافته اليمانية لميعاد ادالتهم واثقين بمكان عهدهم وتراضيهم واتفاقهم، فبيتهم يوسف في قرى قرطبة بممالأة القيسية وسائر المضرية، فاستلحموهم وتمت الغلبة للقيسية في معظم أنحاء الجزيرة.

شغلت الفتن ولاة الأمويين عن الفتح فلم تنهض بهم همة إليه، إلا ما كان من فتوح عبد العزيز بن موسى، وعقبة الذي جاهد حتى بلغ سكنى المسلمين في أيامه اربونة وصار رباطهم على نهر ردونة، والهيثم بن عبيد الكلابي غزا مقوشة فافتتحها، والسمح بن مالك الخولاني نهض بالفتح إلى جنوبي فرنسا، وعنبسة بن سحيم مات وقيل قتل وهو على حصار تولوسة (تولوز)، وعبد الرحمن بن عبد الله الغافقي فتح قرقشونة وغيرها من جنوبي فرنسا، واستولى على آرل وليون وبزانسون وانتهى إلى تور، وعبد الملك بن قطن الفهري غزا البشنكش (البسكة)، وأكثر هؤلاء كان جهادهم في العدو أقرب بنتيجته إلى الغزو منه إلى الفتح.

وأما موقف الاسبان إزاء العرب فقد كان لفتح الأندلس أمر خطير كان له دوي كبير، فأصبح اسم العرب ملء الأسماع والأبصار، فانصدعت من جراء ذلك قلوب الاسبان وصغرت نفوسهم عن مقاومة العرب أول الأمر فلم يشجعهم هذا الخلاف الذي نجم بين العرب على منازلتهم وعهدهم بالفتح وببأس العرب قريب، وأخرى وهي أن العرب كانوا في حكمهم أعدل من الاسبان، فلم يكن ينال الاسبان الذين تفيأوا ظل الحكم الإسلامي وبقوا على نصرانيتهم شيء من الظلم الذي كان ينالهم أيام حكم أمرائهم المسيحيين، وللعدل روعة في النفوس وجلال حمل أولئك الاسبان الجبليين الذين اعتصموا بتلك الولايات الجبلية أن يتربصوا إلى حين.

ولما كثر بين العرب الخلاف واستحكم أمره، وكان قد مضى على الفتح ردح من الزمن أخذ الاسبان يتحيفون أطراف الملك العربي فتغلبوا على جزء من بلاد برشلونة، ثم على برشلونة، وهذا الذي استخلصوه من العرب إن لم يكن شيئاً مذكوراً بالنسبة إلى الجزيرة، فهو شيء كبير بنفسه.

وأما عهد الإمارة الأموية فكان خير العهود التي عرفتها الأندلس العربية، فقد كان فاتحته عبد الرحمن الداخل وواسطته عبد الرحمن الأوسط وخاتمته عبد الرحمن الناصر: ثلاثة لا ندري أيهم أفضل من صاحبيه، فكانوا رجال أمية في الغرب غير منازعين ولا مدافعين، ومن رجالات الدهاء والحزم والسياسة في العرب.

وأخذت الأمور بعد عبد الرحمن الأوسط بالضعف، فاضطرب الأمن ونجمت قرون الفتن في ثغور الأندلس، واشتعلت الثورات في جوانبها حتى كادت تعمها لولا أن قيض الله لهذه الجزيرة عبد الرحمن الناصر ففقأ عين الثورة ونظم عقد الدولة وأعاد للجزيرة سيرتها الأولى.

وأما موقف الاسبان أمام هذه الفتن الأخيرة فقد قوت هذه الفتن من عزائم الاسبان وزاد في الأمر نصرة الإفرنج لهم، واستنصار بعض الأمراء بهم، فكثر اعتداؤهم على الأندلس العربية وعملوا على التدخل في سياستها الداخلية، ينصرون الأمير الأموي على أخيه الأموي، والعامل على أميره، فاسترجعوا من جراء ذلك قسماً كبيراً من ولاية قطالونية.

وأما الخلافة فقام في عهد المقتدر العباسي رجل الدولة الأموية عبد الرحمن الناصر وتسمى باسم أمير المؤمنين لأنه لم يعد هناك ما يراعيه رجال الدولة الأموية من أمر الخلافة الإسلامية ببغداد لانحطاط شأنها ولعب الفساد بها.

كان عبد الرحمن الناصر أعظم خلفاء بني أمية في الأندلس، حارب الفرنجة مراراً وردهم على أعقابهم، واجتث جذور الفتن حتى استقامت له الأندلس في سائر جهاتها.

قال المقري: ووجد (الناصر) الأندلس مضطربة بالمخالفين مضطرمة بنيران المتغلبين فأطفأ تلك النيران واستنزل أهل العصيان واستقامت له الأندلس في سائر جهاتها بعد نيف وعشرين سنة من أيامه، ودامت أيامه نحو خمسين سنة استفحل فيها ملك بني أمية بتلك الناحية، وهو أول من تسمى منهم بالأندلس بأمير المؤمنين عندما التاث أمر الخلافة بالمشرق واستبد موالي الترك على بني العباس _ فتلقب بألقاب الخلافة _ فقعد عن الغزو بنفسه وصار يردد الصوائف في كل سنة فأوطأ عساكر المسلمين من بلاد الإفرنج ما لم يطؤه قبل في أيام سلفه، ومدت إليه أمم النصرانية من وراء الدورب يد الإذعان، وأوفدوا عليه رسلهم وهداياهم من روما والقسطنيطينية في سبيل المهادنة والسلم الخ.

وبهشام الثالث انقرضت دولة بني أمية في الأندلس وصار الحكم لملوك الطوائف بها.



    بنو أمية: سلالة من الأمراء ثم الخلفاء حكمت في الأندلس 756-1031 م

أسس السلالة عبد الرحمن الداخل بن معاوية بن هشام (756-708 م) من أحفاد الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك، وأحد القلائل الناجين من المذابح التي أقامها العباسيين للأمويين (750 م) لقبة الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور بصقر قريش لشجاعتة وذكائة. فر إلي الأندلس ثم استولى على الحكم. عمل عبد الرحمن ثم ابنه هشام (788-796 م) ثم حفيده الحكم (796-822 م) على إرساء و تقوية دعائم الدولة الجديدة، قاموا بتوحيد أراضي الأندلس الإسلامية و حاربوا الممالك النصرانية في الشمال. عاشت الدولة مجدها الأول في عهد عبد الرحمن الأوسط (822-852 م)، عرفت البلاد ازدهار حركتي الآداب والعلوم وبلغت حالة متقدمة من التمدن، كما عرف عن الأندلسيين أثناء ذلك العهد تمتعهم بثقافة وطبائع راقية. أصبحت دولة الأندلس مركزا حضاريا كبيرا في غرب العالم الاسلامي.

تلت هذه المرحلة مرحلة انقسمت فيها دولة الأمويين إلى أجزاء تولى كل منها حاكم مستقل. شجع حال الدولة حينذاك الممالك النصرانية في الشمال على القيام ومحاولة استعادة الأراضي التي دخلت تحت حكم الاسلام (بداية حركة الاسترداد). مع تولى عبد الرحمن الثالث (912-916 م) استعادت البلاد وحدتها السياسية وقوتها العسكرية. منذ 929 م ومع بلوغ الدولة أوج قوتها وضعف الخلافة العباسية في المشرق اختار عبد الرحمن أن يتلقب بالخلافة، كما قام بشن حملات عسكرية على أطراف مملكته ليؤمن حدودها ويضعف الممالك النصرانية. واجه الفاطميين في شمال إفريقية واستطاع عن طريق أعوانه أن يضم المغرب (فاس: 923 م) وبلاد موريتانيا إلى دولته. كما قضى على دولة الأدارسة. عرفت البلاد أوجها الثقافي في عهد ابنه الحكم (961-976 م) الذي استطاع أن يواصل سياسات أبيه.

بعد وفاته تولى الحكم ابنه هشام (976-1013 م) والذي كان دون السن التي تؤهله القيام بأمور الحكم. وضع الأخير تحت وصاية الحاجب المنصور (978-1002 م). بعد سنة 1009 م دخلت الأندلس مرحلة الحروب الاهلية، كثر أدعياء السلطة مع دخول بني حمود العلويين السباق. سقط آخر الخلفاء الأمويين هشام (1027-1031م ) سنة 1031 م. دخلت الأندس بعدها عهد ملوك الطوائف.


أولا:سلسلة أمراء بنو أمية

عبد الرحمن الداخل


بن معاوية بن هشام بن عبد الملك (توفي 788) الملقب بصقر قريش. كان أحد الأمراء الأمويين المرشحين للخلافة في عاصمة الدولة الاموية في دمشق ، جده الخليفة هشام بن عبد الملك عاشر الخلفاء الأمويين . هرب من العباسيين عند قيام دولتهم، إلى الأندلس حيث دخلها، وسمي بذلك عبد الرحمن الداخل، وأكمل فترة الخلافة الأموية هناك في الأندلس ، حكم بين عامي 756-788.

نشأته
عبد الرحمن بن معاوية هو حفيدهشام بن عبد الملك الذي حكم من سنة 105 هـ= 723 إلى سنة 125 هـ= 743. نشأ عبد الرحمن في بيت الخلافة الأموي ب دمشق ، وكان الفاتح الكبير مسلمة بن عبد الملك عم أبيه يرى فيه أهلا للولاية والحكم وموضعًا للنجابة والذكاء، وسمع عبد الرحمن ذلك منه مشافهة، مما أثّر في نفسه أثرًا إيجابياً.

عندما أقام العباسيون دولتهم على أنقاض الدولة الأموية ، كان هدفهم تعقب الأمويين والقضاء على أفراد البيت الأموي، فقتلوا الأمراء وأبناء الأمراء بل وأحفادهم، وكل من توقعوا أن يكون أهلا للإمارة خشية محاوله أحدهم استرداد مجدهم لاسيما في الشام ، لهذا بذلوا الجهود المضنيه لتحقيق هذا الهدف.

نجح عبدالرحمن بن معاويه بن هشام الذي اختبأ في قريه منعزله قريبة من الفرات في سوريا ، وكان معه ابنه الطفل سليمان وكان عمره وقتها أربع سنوات، وأخ أصغر مع أختين. وعندما اكتشفت الشرطة مكانهم هرب عبدالرحمن مع أخيه الوليد بن معاوية عبر بعض البساتين فلما تعقبتها الشرطة، حاولا عبور النهر فأغراهما الشرطة أن يرجعا ولهما الأمان فرجع أخوه وغرر به وقتله العباسيون، وكان عمرة ثلاث عشر سنة، بينما نجح عبدالرحمن بالوصول إلى الضفة الاخرى بسلام ولم تنطلِ عليه مكيدتهم ولحق به مولاه بدر طبقا لخطة سابقة.

الفرار
بعد ان فر عبد الرحمن بن معاوية من الشام وصل إلى القيروان وعمره تسع عشرة سنة ، وهناك وجد ثورة كبيرة للخوارج في الشمال الأفريقي كلّه وعلى رأسها عبد الرحمن بن حبيب، وكان قد استقلّ بالشمال الإفريقي عن الدولة العباسية، وكان هناالخوارج الخارجين عن الاسلام والدولة الأمويين والدولة العباسية من بعدها فقد كان عبد الرحمن بن حبيب يسعى هو الآخر للقضاء على عبد الرحمن بن معاوية حين علم بأمره، فحين قدم عبد الرحمن بن معاوية إلى القيروان اجتمع عليه الخوارج وكادوا أن يقتلوه ، فسافر إلى برقة ومكث فيها أربع سنوات حتى سنة 136 هـ= 754 وكان قد بلغ من العمر ثلاث وعشرين سنة كوّن عبدالرحمن بن معاوية فيها الحلفاء والأنصار وانضم اليه الكثيرون.

أصبح لعبدالرحمن بن معاوية الكثير من الحلفاء ومحبي الأمويين وانضم اليه من الشام ومن الوجهاء والقادة ورجال الدولة من كل مكان، وكانت لفطنة وذكاء عبدالرحمن وخاصة أنه سليل الأسرة الأموية العريقة الفضل في هذا الحشد الكبير حوله، فكانت الأندلس بعد ذلك وجهته وإعادة الحكم للبيت الأموي والمجد للأمويين ، وكان الوضع في الأندلس ملتهب حيث انقسمت الأندلس إلى فرق عديدة متناحرة، وثورات لا نهائية، كلٌّ يريد التملك والتقسيم وفق عنصره وقبيلته، وكانت شهرة وقوة عبدالرحمن بن معاوية وبالتعاون مع مؤيديه واصراره وعزمه على استعادة مجد الامويين هي المفتاح لدخول عبدالرحمن إلى الأندلس.

الوصول إلى إفريقية
وصل "عبد الرحمن الداخل" إلى إفريقية بعد عناء شديد، وما لبث أن لحق به مولاه "بدر" الرومي ومولاه "سالم"، ومعهما كثير من أمواله التي تركها هناك.

ولم تكن الأمور في "إفريقية" بأقل سوءًا مما تركها في المشرق، فقد صار "عبد الرحمن بن حبيب الفهري" –والي إفريقية- يسوم الأمويين الفارين إلى بلاده قتلاً وذبحًا، يستحل دماءهم وينهب أموالهم، بعد أن كان حليفًا لهم بالأمس القريب.

عبد الرحمن عند أخواله من البربر
ونزل "عبد الرحمن الداخل" على أخواله "بني نقرة" –من بربر طرابلس- وعندما علم "عبد الرحمن بن حبيب ذلك أخذ يتحين الفرصة لقتله، ويحتال لاستدراجه، كما فعل بغيره من أبناء عمومته.

وأدرك "عبد الرحمن الداخل" ما يدبره له؛ فخرج إلى مكناسة، ونزل على قوم من قبيلة زناته البربرية؛ فأحسنوا استقباله وناصروه، ولكن "عبد الرحمن بن حبيب" لم يكف عن طلبه وتتبعه، فهرب إلى "برقة"، وظل مستخفيًا بها مدة طويلة، استطاع خلالها الاتصال بعدد كبير من قبائل البربر، واستجار ببني رستم ملوك تيهرت، وراح يجمع حوله أشتات الأمويين الذين فروا من اضطهاد العباسيين، وأمراء البيت المرواني الذين نجوا من الذبح.

الطريق إلى الأندلس
وكان "عبد الرحمن الداخل" طوال تلك المدة يراقب الأمور من حوله بوعي وحذر، ويدرس أحوال الأندلس بعناية ليتحين الفرصة المناسبة للعبور إليها.

واستطاع "عبد الرحمن" بمساعدة مولاه "بدر" الاتصال بعدد كبير من الموالين للأسرة المروانية وأنصار الأمويين في الأندلس، وراح يوثق علاقاته بكل خصوم العباسيين في تلك البلاد؛ فالتف حوله عدد كبير من المؤيدين، واستطاع كسب المزيد من الأنصار خاصة من جماعات البربر، الذين وجدوا فيه الأمل لاستعادة نفوذهم، وعقدوا عليه الرجاء في التخلص من الأوضاع المتردية التي صاروا إليها.

وتجمع حول "عبد الرحمن الداخل" أكثر من ثلاثة آلاف فارس، كلهم يدين له بالولاء، ويوطن نفسه على أن يقتل دونه.

وتقدم "عبد الرحمن" نحو "قرطبة" حاضرة الأندلس وعاصمتها، واستعد له واليها "يوسف بن عبد الرحمن الفهري"، فيمن تمكن من حشده من قوات.

ودقت طبول الحرب

وكان "يوسف الفهري" كبير السن ضعيف البنية، فكان جل اعتماده على "الصُّمَيل" الذي قرر أن يستعين بأهل السوق للاشتراك في القتال، فخرجوا يحملون العصي والسيوف، وخرج الجزارون بسكاكينهم وأرباب الحرف بآلاتهم.

وأصبح "الصُّمَيل" هو القائد الأعلى لقوات "يوسف الفهري" وموضع ثقته، ومحل مشورته. وسعي "الصُّمَيل" إلى المكر والخداع، ورأى في صغر سن "عبد الرحمن الداخل" وقرب عهده بزوال ملك آبائه ما يغريه بالرضا بالأمان والقناعة بالنعمة ورغد العيش بدلاً من حياة الأخطار والصعاب التي يواجهها، فأشار على "يوسف الفهري" أن يغري "عبد الرحمن" بالزواج من ابنته ويجعله واحدًا من قواده ليأمن جانبه ويتقي خطره، ولكن فشلت تلك الحيلة، ولم يعد هناك من سبيل غير الحرب.

دخوله الأندلس 
بدأ عبد الرحمن بن معاوية يعدّ العدة لدخول الأندلس بعد ان كون جيشا قويا والتف حولة مؤيدوه ، فعمل على الآتي:

أولًا: أرسل بدر - أحد رجاله والقادم معه من دمشق - أرسله إلى الأندلس لدراسة الموقف، ومعرفة القوى المؤثرة في الحكم فيهاوالوضع في الداخل الاندلسي.

ثانيًا: راسل كل محبي الدولة الأموية في أرض الأندلس.

ثالثًا:راسل عبد الرحمن بن معاوية البربر في الأندلس، وأعلمهم خطته ورحبوا بذلك لمعرفتهم بعدل الامويين وإنصافهم لهم، وكانوا في ذلك الوقت على خلاف شديدٍ جدًا مع يوسف بن عبد الرحمن الفهري؛ لأنه فرّق بينهم وبين العرب في شمال افريقيا، فهم يريدون أن يتخلّصوا من حكم يوسف بن عبد الرحمن الفهري الذي عاملهم بهذه العنصرية.

رابعًا: راسل كل الأمويين في كل الأماكن وأنه يعزم على دخول الأندلس وإقامة الدولة الأموية فالتحق به كافة الأمويين من الشام وغيرها من البلاد .

وفي ربيع الثاني سنة (138هـ ، 755) عبر عبدالرحمن بن معاوية بجيشه القوي ومن معه من القادة مضيق جبل طارق إلى داخل الاندلس بهيبة وعظمة الفاتحين المنتصرين وانضم إليه أنصاره وأخضع كافة البلاد في طريقه وزحف إلى إشبيلية واستولى عليها وبايعه اهلها، ثم نجح في دخول قرطبة العاصمة، بعد أن هزم جيش يوسف بن عبد الرحمن الفهري في موقعة المصارة في العاشر من ذي الحجة سنة 138هـ ليسيطر على كافة ارجاء الأندلس.

الانتصار العظيم معركة المصارة وميلاد دولة الأمويين في الأندلس
والتقى الفريقان بالقرب من "قرطبة" في منطقة تعرف بالمصارة، وبالرغم من صغر سن "عبد الرحمن الداخل" الذي لم يتجاوز السادسة والعشرين من عمره، فإنه أبدى من صنوف المهارة والفروسية والقيادة ما جعله يتمكن من إحراز انتصار حاسم والتغلب على قوات "عبد الرحمن الفهري" وإلحاق هزيمة منكرة بجيشه.

ودخل "عبد الرحمن" قرطبة فصلّى بالناس، وخطب فيهم، فكان ذلك بمثابة إعلان ميلاد الدولة الأموية في الأندلس، وبويع له بالخلافة في (10 من ذي الحجة 138هـ= 18 من مايو 756م)، ليصبح أول أموي يدخل الأندلس حاكمًا، ويطلق عليه ذلك اللقب الذي عُرف به "عبد الرحمن الداخل"، ومؤسس تلك الدولة الفتية التي أصبحت حضارتها منبعًا لحضارة أوروبا الحديثة، وظلت منارًا للعلم والمدنية عبر قرون طويلة من الزمان.

توليه الحكم
بعد دخوله منطقةقرطبة ومناطق الاندلس ومدنها، لُقّب عبد الرحمن بن معاوية بعبدالرحمن الداخل الأموي لأنه أول من دخل من بني أمية قرطبة حاكمًا.

بويع عبدالرحمن بالإمارة في قرطبة، وأعلن أميراً على الأندلس كلها فوق منبر مسجد قرطبة الجامع مكملا مجد بني امية من الدولة الأموية في دمشق وفاتحا بلادا في أقصى غرب أوروبا ليعلن الدولة الأموية في الأندلس ولتصبح قرطبة عاصمة لها، ولم يكن عبدالرحمن قد تجاوز وقتها السادسة والعشرين من عمره. ولم يشأ عبدالرحمن أن يعلن نفسة خليفة لأن فكرة الخلافة عند فقهاء السنة في ذلك الوقت تقتضي بأن يكون خليفة المسلمين هو حامي الحرميين الشريفين المسيطر على الحجاز، لذلك اكتفى عبدالرحمن بأن لقّب نفسه بابن الخلافاء على اعتبار ان اجداده من الامويين كانوا خلفاء أكبر دولة اسلامية في الشرق الدولة الأموية.

ومنذ أن تولّى عبد الرحمن الداخل الأمور في بلاد الأندلس عُرفت هذه الفترة بفترة الإمارة الأموية، وتبدأ من سنة 138هـ= 755 وتنتهي سنة 316 هـ= 928.

صقر قريش
انتصر عبد الرحمن الداخل على العباسيين، وقف لهم وحاربهم وانتصر عليهم وهزمهم شر هزيمة وعرفوا بقوته وأنهم أمام قوة لايمكن الوقوف في وجهها، فلقبه العباسيون بعد ان انتصر عليهم بـصقر قريش وهو اللقب الذي اشتهر به بعد ذلك، فقد كان أبو جعفر المنصور جالسًا مع أصحابه مرةً فسألهم: أتدرون من هو صقر قريش؟ فقالوا له : هو أنت. فقال لهم: لا.فعدّدوا له أسماء حتى ذكروا له معاوية وعبد الملك بن مروان من بني أمية. فقال أيضا: لا. ثم أجابهم قائلا:" بل هو عبد الرحمن بن معاوية، دخل الأندلس منفردًا بنفسه، مؤيّدًا برأيه، مستصحبًا لعزمه، يعبر القفر ويركب البحر حتى دخل بلدًا أعجميًا فمصّر الأمصار وجنّد الأجناد، وأقام ملكًا بعد انقطاعه بحسن تدبيره وشدة عزمه". فحقق عبدالرحمن بن معاوية غايته من إعادة أمجاد أجداده الامويين والانتصار على العباسيين وتكوين دولة قوية وهي الدولة الأموية بالأندلس.

حكمه للأندلس
استمرت مدة حكمة 33 سنة في الأندلس، اهتم فيها بالأمور الداخلية للبلاد اهتمامًا كبيرًا، فعمل على ما يلي:

الجانب العسكري
اهتم عبد الرحمن الداخل بإنشاء جيش قوي، ومنذ قدوم عَبْد الرَّحْمَن الدَّاخِل إلى الأندلس وهو يعمل على تقوية وزيادة جيشه، وقد وصل تعداد الجيش الاموي في عهده إلى مائة ألف فارس غير الرجّالة والمشاه والجنود ونظم الجيش أحسن تنظيم.

كما أنشأ دُورًا للأسلحة، فأنشأ مصانع السيوف الذي نقل صناعتها من دمشق ومصانع المنجنيق، وكان من أشهر هذه المصانع مصانع طليطلة ومصانع برديل.

أنشأ أيضًا أسطولًا بحريًا قويًا، بالإضافة إلى إنشاء أكثر من ميناء كان منها ميناء طرطوشة وألمرية وإشبيلية وبرشلونة وغيرها من الموانئ.

كان يقسّم ميزانية الدولة السنوية إلى ثلاثة أقسام: قسم ينفقه بكامله على الجيش، والقسم الثاني لأمور الدولة العامة من مؤنٍ ومعمارٍ ومرتباتٍ ومشاريعَ والعلم وإحياء للثقافة والفن وغير ذلك، والقسم الثالث كان يدّخره لنوائب الزمان غير المتوقعة.

الجانب العلمي


أعطى عَبْد الرَّحْمَن الدَّاخِل العلم والجانب الديني المكانة اللائقة بهما، فعمل على نشْر العلم وتوقير العلماء والمفكريين والفقهاء، اهتمّ بالقضاء وبالحسبة، اهتمّ بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكان عادلا، من أعظم أعماله في الناحية الدينية بناء مسجد قرطبة الكبير . والمدارس والمكتبات ودور القضاء ومجالس العلماء وغيرها.

الجانب الحضاري
ويبرز ذلك في الجوانب التالية: - اهتمامه الكبير بالإنشاء والتعمير، وتشييد الحصون والقلاع والقناطر والمباني والمساجد وأماكن العلم والمصانع، وربطه كافة أنحاء بلاد الأندلس ببعضها. - إنشائه أول دار لسك النقود الإسلامية في الأندلس. - إنشائه الرصافة، وهي من أكبر الحدائق في الإسلام، وقد أنشأها على غرار الرصافة التي كانت بالشام بالقرب من الفرات في سوريا، والتي أسسها جده هشام بن عبد الملك وكانت مصيفا ومنتجعا له ،وقد أتى عبدالرحمن لها يالبنائين وبالنباتات العجيبة من الشام ومن كل بلاد العالم. - أسس أسطولا بحريا كبيرا ونشأ وجهز الموانيء في الأندلس الاموية. - جعل من الأندلس ومدنها منارة للحضارة لتصبح قرطبة وإشبيلية وغيرها من أهم المدن الاسلامية الأموية في عهده.

صفاته
 قد كان عبد الرحمن كريماً و متواضعًا، ويخالط العامه ويصلى بالناس ، ويحضر الجنائز ويعود المرضى، ويزور الناس ويخاطبهم، وكان منقوشاً على خاتمه عبد الرحمن بقضاء الله راض و بالله يثق عبد الرحمن به يعتصم، وكان شاعرًا بليغًا عالمًا بأحكام الشريعة.



هشام بن عبد الرحمن الداخل

هشام الرضا هو أبو الوليد هشام بن عبد الرحمن الداخل بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان، المعروف بهشام الرَّضا (139 هـ - 796/180 هـ) ثاني أمراء الدولة الأموية بالأندلس.

ولد هشام الرضا فى قرطبة سنة (139 هـ) وكان أول أبناء عبد الرحمن الداخل من زوجته حلول. وكان أبوه واليا على ماردة، وبعد وفاة أبيه سنة (172هـ) بُويع هشام على ولاية ماردة وحَسُنت سياسته. وكان حازمًا شجاعًا شديدًا على الأعداء راغبًا فى الفتح، حيث أرسل عدة حملات لقتال النصارى فى الشمال كما أرسل جيوشًا إلى جنوب فرنسا. ففي عام 793، سير حملة ضد مملكة أستورياس و طولوشة; وفي حملته الثانية لاقى هزيمة في اورانج على يد وليام من جلون, الكونت الفرنكي لتولوز وابن عم شارل الأكبر.

وقد بنى هشام عدة مساجد، وأتم بناء مسجد قرطبة، وكان يبعث إلى الولايات من يسأل عن سيرة عماله فيها فأحبه الناس لعدله وشبهوه بعمر بن عبد العزيز. وتوفي هشام الرضا فى قرطبة عام (180 هـ).


الحكم بن هشام بن عبد الرحمن

ولد عام 154 هـ/771 في قرطبة، وتولى الحكم وهو في السادسة والعشرين من عمره، وكان "الحكم" أول من أظهر فخامة الملك في الأندلس، وأول من أنشأ بلاطا إسلاميا ملكيا، ورتب نظمه ورسومه.
حياته
ورث الحكم عن والده الٌذي كان, لأسباب مجهولة, يفضله عن أخيه الأكبر عبد المالك. كانت بداية حكمه صعبة حيث أنٌه في سنة 796م طلب ملك أستورياس ألفونس الثاني مساعدة شارلمان و احتلٌ مدينة لشبونة في سنة 798م. أحد أعمام الحكم كان قد طلب مساعدة شرلمان أيضا, حتى قرر هذا الأخير مهاجمة الأندلس سنة 798م. وفي سنة 800م أسقط الأمير لويس الأول مدينتي وشقة و لاردة و حاصر مدينة برشلونة التي سقطت سنة 803م.

إغتنم الولاة, ومن بينهم بنو قاسي هذه الخسائر في الحرب كعلة للثورة عليه, مما جعله يصبح شديد البطش في حكمه لينهي هذه الثورة. في تلك الأثناء حاز عبيد الله على السلطة في مدينة طليطلة وأعلن إستقلالها فلم يتردد الحكم في إعدام جميع أعيان المدينة.

التحديات الداخلية
ثورة العمين
ثورتي الربض
أثناء حكمه قضى على ثورتين قادهما الفقهاء في ضاحية "الربض" على الضفة الجنوبية من نهر الوادي الكبير. وقد عاقب سكان الضاحية بنفيهم بسفينة. وقد وصلوا الإسكندرية وسيطروا على المدينة حتى عام 827, بعد ذلك طـُردوا منها. فأبحروا إلى كريت, حيث أسسوا إمارة مستقلة استمرت حتى استولت عليها الامبراطورية البيزنطية في 961.
لم يستطع الحكم مقاومة تقدم غزو الفرنكيين ، بيد أنٌ النتائج التي حققها هؤلاء لم تكن في حجم العتاد الٌذي إستغلٌوه في الحرب. عزٌز الحكم نفوذ و مكانة الأمراء في المنطقة, وترك لإبنه الٌذي خلفه عبد الرحمن الثاني إمارة في حالة سلم و إستقرار, ممٌا سمح لهذا الأخير بالعمل على إزدهار الحضارة الأندلسية. ولم يكن الحكم غريبا عن ميدان الفنون, فقد كان هو من دعى زرياب إلى قرطبة, كما أنٌه كان من أدخل إلى الأندلس العادات الشرقية في ميادين الفنٌ, العلوم و الثقافة.


عبد الرحمن الثاني والعصر الذهبي للأمويين في الأندلس

(في ذكرى وفاته: 3 ربيع الآخر 238هـ)

شهدت الخلافة الأموية في الأندلس في عهد عبد الرحمن الثاني ازدهارا كبيرا لم تشهده من قبل، وعاشت قرطبة أزهى عصورها في ظل الخليفة الأموي الشاب الذي أحب حياة الأبّهة والثراء، وعشق العلوم والفنون والآداب، واهتم كثيرا بنواحي العمران والزراعة، وكان له دور بارز في إنشاء أول أسطول حربي كبير في الأندلس.

ميلاد عبد الرحمن الثاني ونشأته

ولد عبد الرحمن بن الحكم بن هشام بن عبد الرحمن الداخل بن معاوية بن هشام الأموي بطليطلة سنة (176هـ=792م).

وكان منذ حداثة سنه شغوفا بالعلم، فدرس الأدب والحديث والفقه، وعُرف منذ حداثة سنه بالذكاء والنبوغ، وكان يتسم بشخصية قوية وعقل راجح، وفكر مستنير، وخلق حسن، وميل إلى الهدوء في حزم وقوة، وكان أديبا وشاعرا، خبيرا بشئون الحرب والسياسة، وهو ما جعله موضع ثقة أبيه، فكان يرسله في المهام العظيمة، ويندبه للأمور الجليلة، ويوليه قيادة الجند في حرب الفرنج.

الخليفة والرعية

وعندما توفي الحكم بن هشام في (27 من ذي الحجة 206هـ=14 من مايو 822م) خلفه ابنه عبد الرحمن على الملك، وهو في نحو الثلاثين من عمره، وقبل أن يتسلم الخليفة الشاب مقاليد الحكم فوجئ بخروج عم أبيه "عبد الله البلنسي" إليه لينتزع الملك منه، فتجهز له عبد الرحمن واستعد لمواجهته، وعندما بلغ ذلك عبد الله خاف وضعفت عزيمته، وانسحب إلى بلنسية ثم ما لبث أن مات، فخلصت الإمارة لعبد الرحمن.

واتجه عبد الرحمن منذ اللحظة الأولى لتوليه الخلافة إلى محاولة مد جسور الثقة بينه وبين الرعية، والعمل على إزالة الآثار المؤلمة التي تركها أبوه في نفوس الناس بعد المذابح الذي تمت في عهده.

وكان عبد الرحمن مؤهلا بطبعه الهادئ ولين جانبه لاكتساب ثقة الناس فيه، والتفاهم حوله، واستعادة شعورهم الضائع بالأمان.

واستطاع عبد الرحمن أن يكتسب حب الناس له وثقتهم فيه بحكمته وذكائه في معالجة الأمور؛ فقد تغاضى عن كثير من الأخطاء، وأبدى قدرا كبيرا من السماحة واللين، وكان بعيدا عن الغدر والقسوة، لا يتسرع في اتخاذ القرار، ولا يلجأ إلى الشدة إلا بمقدار ما تقتضي الحاجة.

في مواجهة الفتن والتهديدات

لم تكن الفتن الداخلية التي تواجه عبد الرحمن تؤثر فيه كثيرا، ولم تكن مصدر قلق أو إزعاج حقيقي بالنسبة له، ومن ثم فلم يكن يتعجل إخمادها والقضاء عليها، وفي الوقت نفسه لم يكن يهملها حتى تزداد خطرا ويستفحل أمرها، وإنما كان يراقب تلك الفتنة والقلاقل وينتظر حتى تهدأ فيتمكن من إخمادها والقضاء عليها بأقل مجهود، كما فعل مع فتنة المضريين واليمنيين، والتي استمرت نحو سبع سنوات.

وكان عبد الرحمن شديد الاهتمام بتأمين حدود البلاد الشمالية، بعد أن تزايد عدوان الفرنجة عليها، فأرسل حملة عسكرية كبيرة بقيادة "عبد الكريم بن عبد الواحد بن مغيث" سنة (208هـ=823م) وقد نجحت تلك الحملة في إلحاق الهزيمة بالنصارى المتربصين، وألحقت بهم خسائر كبيرة بعد أن أحرقت حصونهم، وقتلت منهم عددا كبيرا، وعادت الحملة إلى قرطبة محمّلة بالغنائم، وهي تسوق الأسرى والأسلاب.

وكان لهذه الحملة أثرها الكبير في ردع الفرنج، واستشعارهم قوة المسلمين، ووقوع هيبتهم في قلوب ملوك الفرنج.

القضاء على فتنة ماردة

وما لبثت البلاد أن تعرضت لعدد من الفتن والثورات والقلاقل الداخلية التي شملت ماردة وطليطلة ومدنًا أخرى.

وكانت فتنة ماردة من أكبر تلك الفتن وأشدها خطرا؛ فقد دامت سنوات عديدة، واستنفدت الكثير من الجهد والمال والدماء لإخمادها والقضاء عليها، وترجع بداية تلك الفتنة إلى عام (213هـ=828م) حينما ثار أهل ماردة على واليهم فقتلوه؛ فأرسل إليهم عبد الرحمن جيشا فحاصرها حتى أعلنوا طاعتهم له وأظهروا الطاعة والولاء، وأعطوا له الرهائن من أهلها، فعاد الجيش أدراجه بعد أن هدم أسوار المدينة، وأمر عبد الرحمن بإلقاء حجارة السور في النهر، حتى لا يعيد أهل ماردة بناء السور مرة أخرى.

ولكنهم سرعان ما عادوا إلى العصيان، وأسرو عامل عبد الرحمن عليهم، وجددوا بناء السور مرة أخرى؛ فسار إليهم بعد الرحمن في جيش كبير وجعل معه رهائن أهل ماردة، فلما حاصرهم أرسلوا إليه فبادلوا رهائنهم بالعامل الذي أسروه ومن كانوا معه.

وطال حصار عبد الرحمن لهم دون أن يتمكن من فتحها، فرجع بجيوشه، ثم أرسل إليهم جيشا آخر بعد ذلك عام (218هـ=833م) ففتحها.

عدوان النورمان على الأندلس

وظل عبد الرحمن يواصل الجهاد ضد الفرنج، فكان يرسل الجيوش إلى الشمال فتشتبك مع الفرنج في أطراف الثغر الأعلى، واستطاع في سنة (228هـ=842م) أن يلحق الهزيمة بملك بلاد البشكنس حتى اضطره إلى طلب الأمان، وكان عبد الرحمن يسعى من وراء تلك الحروب إلى تأمين بلاده، وفرض هيبته وقوته على البشكنس؛ حتى لا يفكروا في مهاجمة بلاده مرة أخرى.

وابتداء من سنة (229هـ=843م) تعرضت الشواطئ الغربية للأندلس لغارات النورمان، وهم أهل الشمال من سكان "إسكنديناوة" و"دانيماركة" الذين كانوا في أوج قوتهم، فكانوا يغيرون على شواطئ أوروبا الغربية بأساطيل من سفن صغيرة ذات أشرعة سوداء، وكانت تدخل مصبات الأنهار وترسو داخل البلاد، وتغير على المدن، فتعمل فيها نهبًا وتخريبًا ثم تحرقها قبل أن تولّي هاربة.

وكان أول ظهورها قرب شواطئ "أشبونة" فكتب واليها "وهب الله بن حزم" إلى عبد الرحمن يخبره بذلك فأرسل إلى عماله يطلب منهم الاستعداد واليقظة.

وتقدم أسطول النورمان فأغار على "قادس"، وتقدمت قواتهم داخل البلاد، ونهبوا وأحرقوا الكثير من ديارها، كما أحرقوا المسجد الجامع، فتصدى لهم عبد الرحمن بجيوشه في عدة معارك عنيفة، حتى استطاع المسلمون أن يوقعوا بالنورمان هزيمة كبيرة عند طليطلة شمال إشبيلية سنة (230هـ=844م).

إنشاء الأسطول الإسلامي

كان من نتيجة العدوان النورماني على المسلمين، وعدم وجود قوة حربية بحرية للمسلمين للتصدي لهم ومواجهتهم، والرد على عدوانهم؛ أن تنبّه عبد الرحمن إلى أهمية إنشاء أسطول بحري للمسلمين.

بدأ عبد الرحمن خطوات سريعة نحو إنشاء دور لصناعة السفن، واتخاذ عدد من القواعد البحرية الإسلامية، ولم تكد تمضي عدة سنوات حتى كان للأندلس أسطولان قويان: أحدهما يعمل في المحيط الأطلسي ومركزه أشبونة، والثاني في البحر المتوسط وقاعدته مالقة.

ومع انتصاف القرن التاسع الميلادي بدأت الأندلس تظهر كقوة بحرية كبرى في المنطقة، وكانت أولى ثمار إنشاء ذلك الأسطول فتح جزر البليار الكبرى الثلاث: ميورقة، ومنورقة، ويابسة التي ضُمّت إلى الأندلس، وأصبحت منذ عام (235هـ=849م) ولاية أندلسية تُعرف باسم ولاية الجزائر الشرقية.

فتنة الرهبان المسيحيين

وفي نهاية عهد عبد الرحمن الثاني ظهرت فتنة كبرى، أثارها نفر من الرهبان المتعصبين، الذين أثارهم الحقد وأعماهم التعصب، فراحوا يسخرون من الإسلام، ويستهزئون به ويجاهرون بالعداوة له، وإهانة مقدساته علنًا أمام الناس، فكان رجال الشرطة يقبضون عليهم ويقتادونهم إلى القضاة الذين يحاولون استتابتهم دون جدوى، فيحكمون عليهم بالإعدام، وكان هذا ما يسعى إليه هؤلاء حتى يثيروا عواطف الناس، ويصيروا في صورة الشهداء، وكثر خروجهم على هذا النحو منذ سنة (237هـ=851م).

وقد أظهر عبد الرحمن الثاني من الحكمة والروية وبُعد النظر في الأمور ما مكّنه من معالجة تلك المشكلة بقدر كبير من الصبر والأناة وحسن التصرف، فطلب من زعماء النصارى أن يعقدوا مجمعًا دينيًا في قرطبة للنظر في أمر هذه المحنة بالحكمة والعقل.

وبالفعل انعقد المجمع، وأصدر قرارا يستنكر فيه هذه الحركة الحمقاء، وما لبثت الأمور أن هدأت، وعاد الوئام بين المسلمين والنصارى.

حضارة وعمران مع عبد الرحمن

وبعد ذلك بنحو عام توفي "عبد الرحمن الثاني" في (3 من ربيع الآخر 238هـ=23 من سبتمبر 852م) بعد حكم دام إحدى وثلاثين سنة.

وكانت تلك الفترة تعد من أزهى فترات التاريخ الأندلسي التي اتسمت بالعديد من مظاهر العمران والتحضر، وتمتعت البلاد خلالها بالرفاهية والرخاء؛ فقد اهتم عبد الرحمن بالنواحي الحضارية والعمرانية، وكان له اهتمام خاص بالمنشآت والمباني، فبنى مسجد إشبيلية الجامع، وزاد في مسجد قرطبة قدر بهوين من ناحية القبلة، ونقل المحراب إلى الجزء الجديد، وأقام أقواسا فوق الأعمدة الأصلية، فكانت الأقواس المزدوجة من روائع العمارة الإسلامية، وكان صحن المسجد مكشوفا، تُزرع فيه أشجار النارنج، حتى يتنسم المصلون في المسجد رائحته الطيبة، ولا يزال المسجد قائما حتى اليوم بكل عقوده وأروقته، ومحاريبه، ولكن لحقت به يد التعصّب فحولته إلى كاتدرائية في القرن السادس عشر الميلادي.

كما ظهر في هذه الفترة عدد كبير من العلماء والفقهاء والأدباء، والمبدعين، ومن أبرزهم: عباس بن فرناس الفيلسوف والرياضي والشاعر المعروف وصاحب أول محاولة للطيران، ويحيى بن يحيى الليثي الفقيه والقاضي الشهير، وزرياب الموسيقي المعروف الذي ابتكر طريقة لكتابة الموسيقى، ويحيى بن حكم الجياني المعروف بالغزال الشاعر الفيلسوف.


محمد بن عبد الرحمن الأوسط.. جهاد حتى الممات

(في ذكرى توليه: 4 ربيع الآخر 234 هـ)

عُدّت الفترة التي تولاها الأمير عبد الرحمن الأوسط من أزهى سنوات الحكم الإسلامي في الأندلس؛ حيث ساد الأمن والاستقرار ربوع البلاد، ونعم الناس بالرخاء والرفاهية، وازدهرت الصناعة والتجارة، وزادت الموارد المالية للدولة، فأنفقت في البناء والتشييد، وما يزال مسجد قرطبة العامر شاهدا على ما بلغته الدولة من رقي وتمدّن، وازدادت قرطبة بأعلام الفكر، ونجوم الأدب ورجال الحكم والسياسة. 


ولاية محمد بن عبد الرحمن

توفي عبد الرحمن الأوسط في (3 من ربيع الآخر 238هـ = 23 من سبتمبر 852م) بعد حكم دام ثلاثة وثلاثين عاما، وخلفه ابنه محمد على الحكم في اليوم التالي، ولم يكن أكبر إخوته، ولكن رشحته أعماله وكفاءته، فآثره أبوه بولاية عهده دون إخوته.

تمرّس محمد بن عبد الرحمن بأعباء الملك وإدارة الدولة في عهد أبيه؛ فتولى حكم سرقسطة، الإقليم الشمالي في الأندلس فضبطه وأحسن إدارته، وشارك أباه في حملاته العسكرية، وانتُدب للقيام ببعض الأعمال الدبلوماسية وحضور توقيع المعاهدات.

وكان المأمول في حكم محمد أن تمضي الدولة في طريقها الميسور كما كانت في عهد أبيه عبد الرحمن الأوسط، وأن يحكم بلاده دون قلاقل وفتن، فالدولة كانت مستقرة، والناس ينعمون بالرخاء، ولكن ما كل ما يتمنّاه المرء يلقاه، وشاء القدر أن يكون عهد الأمير محمد بداية الثورات الجارفة وطلائع الفتن المهلكة، وأن يقضي فترة حكمه في مكافحتها والقضاء عليها، ولم تكن فترة قليلة، بل امتدت 35 سنة.

ثورة طليطلة

بعد أيام قلائل من ولاية الأمير محمد، تحركت ثورة في "طليطلة"، واضطرمت الفتنة فيها، وعجز حاكم المدينة في القضاء عليها، وفشلت الحملة التي بعثها الأمير محمد في السيطرة على أوضاع المدينة، فازدادت الثورة اشتعالا؛ فلم يجد بدًا من الخروج بنفسه لإخماد تلك الثورة التي يشعلها المولّدون والنصارى، فسار في المحرم سنة (240 هـ = يونيو 854م) على رأس جيشه إلى طليطلة، ونجح في الانتصار على الثائرين في موقعة هائلة، قُتل فيها 3 آلاف من الثائرين، وأُسر عدد من القساوسة الذين كانوا يشعلون الفتنة فيها، وأمر الأمير محمد بإعدامهم.

على أن الفتنة في "طليطلة" لم تهدأ، واستمر تحريض النصارى فيها على أشده، ارتفعت دعواهم بأنهم يتعرضون للاضطهاد الديني والاجتماعي، فاضطر الأمير محمد إلى الخروج من طليطلة مرة ثانية في عام (244هـ = 858م)، وكان قد سبق أن أرسل حملتين لم ينجحا في إخماد الفتنة، وما إن وصل إليها حتى ضرب حولها حصارا شديدا، وخرّب حصونها فاستسلمت المدينة، وطلب أهلها الأمن والصلح، وأذعنوا للخضوع والطاعة وهم ينوون الثورة والخروج متى حانت الفرصة.

خطر النورمانيين

ولم يكد ينتهي الأمير محمد من إخضاع طليطلة حتى دهم الأندلسَ في سنة (245هـ = 859م) خطر النورمانيين سكان الدول الإسكندنافية، ويطلق عليهم المؤرخون والجغرافيون المسلمون لقب "المجوس"، واشتهر هؤلاء بنشاطهم الحربي واعتداءاتهم على سواحل الدول الأوربية في القرن الرابع الهجري.

ولم تكن تلك هي المرة الأولى التي يهاجمون فيه الأندلس؛ فقد سبق أن تعرضت لهجماتهم وغاراتهم المخرّبة، وكان على الأمير محمد أن يواجه أسطولهم الذي قدم في 62 سفينة عاثت فسادًا في الشاطئ الغربي للأندلس، وكانت السفن الأندلسية متأهبة لهم؛ فلم تفاجأ بتلك الغارة لأنها كانت تجوس المياه الغربية بصفة مستمرة استعدادا لرد أولئك الغزاة منذ أن فاجئوا الأندلس بغاراتهم المخربة منذ أيام عبد الرحمن الأوسط.

وحين وصلت بعض سفن النورمان جنوبا إلى مدينة "باجة" التي تقع الآن في دولة البرتغال؛ اشتبكت معها السفن الأندلسية، واستطاعت أن تقضي على طلائع الغزاة، وأن تنتزع سفينتين من سفنهم المحملة بالغنائم والسبي، ولكن ذلك لم يكن كافيا لردع النورمان، فاتجهت سفنهم نحو الشواطئ الجنوبية عند مصبّ نهر الوادي الكبير، ثم انحدرت جنوبا حتى مياه الجزيرة الخضراء، وهناك حدثت معركة بحرية لم ينجح المسلمون في حسمها لصالحهم، فواصل النورمان سيرهم إلى الجزيرة الخضراء، وأحرقوا مسجدها الجامع، وأفسدوا ونهبوا، ثم سارت بعض سفنهم إلى شواطئ "عدوة المغرب" وعاثت فيها فسادا، ثم نزلوا بشاطئ الأندلس الجنوبي حيث جرت هناك معارك برية وبحرية استمرت عدة أشهر، فَقَد النورمان فيها كثيرا من سفنهم، فاتجهوا إلى الشمال على طول شواطئ الأندلس الشرقية، ولم يعودا مرة أخرى إلى هجماتهم المدمّرة على شواطئ الأندلس.

ثورة ماردة وبطليوس

بعدما نجح الأمير محمد في إحكام قبضته على "طليطلة" وإقرار الأمن بها، قامت ثورات أخرى في شمال غربي الأندلس في المناطق الجبلية، وكأنما كُتب على الأمير محمد ألا يقرّ ويهنأ، ويفرغ لاستكمال ما بدأه أبوه من أعمال البناء والتشييد، ونشر الحضارة والتمدن في ربوع البلاد، وكانت "ماردة" التي تقع في غرب الأندلس -بالبرتغال الآن- هي مركز الثورة ومعقل المتمردين على سلطة الدولة المركزية في قرطبة، وكان يقود تلك الثورة الجامحة رجل يدعى "عبد الرحمن بن مروان الجليقي" فخرج الأمير محمد إلى الثائرين على رأس جيشه في سنة (254هـ = 868م) وهاجم قواعد المتمردين في "ماردة" وهدم أسوارها وخرب حصونها؛ فاضطر الثائرون إلى طلب الصلح والأمان، وقبض الأمير محمد على زعيم الثائرين ونقله إلى قرطبة.

ثم لم يلبث أن فرّ "عبد الرحمن بن مروان" من قرطبة، ونجح في إشعال ثورة بعد ذلك بسنوات في "ماردة" و"بطليوس" التي حصنها ودعم أسوارها، ولم تفلح حملات الأمير محمد في إخماد الفتنة والقضاء على الثورة المشتعلة سنة (262هـ= 876م) ودام الحال على هذا النحو أعواما دون عمل حاسم يقضي على الفتنة.

وكان عبد الرحمن بن مروان يلقى دعمًا من النصارى، حتى إذا أقبلت سنة (271هـ= 885م) عزم الأمير محمد على القضاء على الفتنة قضاءً تاما؛ فأعد جيشا كبيرا، وجعل ابنه "المنذر" على قيادته، فزحف إلى بطليوس في سنة (271هـ = 885م) ففر منها عبد الرحمن بن مروان، وتحصّن بأحد الحصون، وفي العام التالي قامت حملة أخرى لتقاتل ابن مروان، لكنها عجزت عن اقتحام حصنه. ولما أعيا الأمير أمرُهُ اضطر إلى قبول شروطه في الاستقلال بحكم بطليوس وما حولها، والإعفاء من المغانم والفروض، وأن يكون من حلفاء الإمارة.

فتنة عمر بن حفصون

وفي أثناء ذلك شبّت فتنة عارمة في ولاية "رية" وتقع الآن بمحافظة مالقة. قادها رجل من أصل أسباني قوطي يدعى "عمر بن حفصون"، التفّ حوله جماعة من المفسدين، وكانت فتنة عارمة عاصرت ثلاثة من الأمراء الأمويين، لم يستطع أحد منهم القضاء عليها، وأنفقت الحكومات المتعاقبة أموالا طائلة في تجهيز الحملات للقضاء على ثورته، لكنها لم تفلح؛ إذ كان لمناعة موقعه وكثرة أتباعه ما جعله يتمكن من الصمود وتحدي حكومة قرطبة، إلى أن توفي في ربيع الأول (306هـ = أغسطس 918م) في عهد الخليفة عبد الرحمن الناصر.

وكان من نتيجة تلك الثورات أن كادت الدولة الأموية في الأندلس تنقسم وتتمزق؛ فقد استقلت سرقسطة في الشمال الشرقي للأندلس، وكذا بطليوس، وانفرد ابن حفصون بالمناطق الجبلية الوعرة في الجنوب بين مالقة ورندة، وثارت إشبيلية، وبدا كأن البلاد مقبلة على انهيار، أو هي في طريقها إليه؛ ومن ثم كان على الأمير محمد أن يعالج تلك القضايا ويدفع تلك الأخطار، وهو ما استغرق وقته، واستنفد مال الدولة وجهده؛ في محاولة لجمع الشمل وإعادة الصف.

حب الأمير للجهاد


كان الأمير محمد يحب الجهاد في سبيل الله، ويقود جيشه بنفسه إذا سنحت له الفرصة، ولم تشغله الثورات المتتابعة عن متابعة النصارى في الشمال، فتتابعت حملاته العسكرية، إلى "ألبة والتلاع" وأحرز عدة انتصارات، واتجه إلى "نبرة" سنة (246هـ= 860م) وقام بتخريب "بنبلونة" وحصونها وقراها لمدة أسابيع، وأسر خلالها ابن ملك "نبرة" وظل في الأسر زهاء 20 عاما، وكان من شأن الحملات أنها هدّت من قوى النصارى ومزقت شملهم، فركنوا إلى السكينة والمهادنة.

وفرضت الظروف العصيبة التي مرت بها البلاد في عهده أن يُعْنى بأمر الجيش والأسطول وإعداد الفرسان وتنظيم الجنود وتدريبهم، وكان حريصا على حشد أعداد من الفرسان في مختلف المدن للقيام بالحملات إذا استدعى الأمر ذلك، وهؤلاء يسمون الفرسان المستقرّين، يضاف إليهم حشود المشاة المستنفَرَة للجهاد والمتطوعة للحرب.

واهتم الأمير محمد بتحصين أطراف الثغور، وإقامة القلاع المبنية لحماية بعض المدن التي يستدعي الأمر حمايتها وتحصينها، فابتنى حصن "شنت أشتيبن" لحماية مدينة سالم، وشيد حصني: طلمنكة، ومجريط بمنطقة وادي الحجارة في شمال الأندلس للدفاع عن طليطلة.

سياسة الأمير محمد

وعلى الرغم مما كان يقتضيه الجهاد المتواصل من النفقات الضخمة، فإن الأمير لم يلجأ إلى فرض ضرائب على الناس أو جبي أموال للإنفاق على الحملات العسكرية، بل بذل ما في وسعه لتخفيف الضرائب عن الناس في قرطبة، واكتفى بدعوتهم إلى التطوع والجهاد في سبيل الله.

وكان لبراعة الأمير محمد في الشئون المالية، وبعده عن الترف والبذخ أثره في ضبط شئون الخزانة العامة لدولته؛ فلم تتأثر بلاده بالقحط الذي أصاب الأندلس في عهده مرتين، وصمدت للمحنة وتغلبت عليها.

النظام الإداري

استمر النظام الإداري الذي كان قائما في عهد الأمير عبد الرحمن الأوسط، وانتظمت أعمال الوزراء، وتحددت اختصاصاتهم على نحو يشبه ما هو قائم الآن في عصرنا؛ حيث اختص كل وزير بإدارة عمل معين، ومن هؤلاء "عيسى بن شهيد" حاجب الأمير، و"عيسى بن أبي عبده"، و"هاشم بن عبد العزيز" وهو من كبار رجال الحرب والسياسة في عصره، وتولى قيادة كثير من الغزوات والحملات، و"تمام بن عامر" وكان أديبا شاعرا، ومؤرخا مجيدًا، كتب أرجوزة طويلة في فتح الأندلس، واشتهر ببراعته في لعبة الشطرنج، وكانت قد ذاعت في أيامه ذيوعا عظيما.

المظاهر الحضارية

عني الأمير بالبناء والتشييد، على الرغم من الظروف العصيبة التي أحاطت بولايته وصرفت النشاط الأكبر منه لمعالجتها واستقطعت وقتا طويلا لو استُثمر في دفع الحضارة وحركة التمدن التي دارت عجلاتها في عهد أبيه -لبلغ بالأندلس آفاقا كبيرة من الرقي والكمال.

وقد نجح في استغلال ما أتيح له من وقت في استكمال بعض المنشآت؛ فأتم الزيادة التي بدأها أبوه في المسجد الجامع بقرطبة، وأقام فيها المقصورة، وأصلح الجناح القديم في المسجد الذي أنشأه جده عبد الرحمن الداخل، وأصلح جامع "أستجة"، وجامع "شذونة"، وعني بتجديد "منية الرصافة" التي أنشأها عبد الرحمن الداخل، وجدد حدائقها ومتنزهاتها.

وكان الأمير محمد محبًا للعلم مكرما لأعلامه، يؤثر مجالستهم، ويكثر من رعايتهم؛ فاجتمع حوله عدد من صفوة العلماء والفقهاء والشعراء من أمثال "ابن حبيب" أعظم علماء الأندلس في عصره، "وعباس بن فرناس"، و"ابن عبد ربه" الكاتب الأديب صاحب "العقد الفريد"، واشتهر في عصره الفقيه "بقي بن مخلد" وهو من أعاظم العلماء الأندلسيين.

وفاته

يُعدّ الأمير محمد بن عبد الرحمن الخامس في سلسلة الأمراء الأمويين الذين حكموا الأندلس، ودامت فترة ولايته خمسة وثلاثين عاما، قضاها في عمل دائب وجهاد متصل، وجهد في نشر الإسلام، وشهدت فترة حكمه اعتناق كثير من الأندلسيين للإسلام، وظل يجاهد حتى لقي ربه في (29 من صفر 273هـ= 5 من أغسطس 886م) وجيوشه بقيادة ابنه "المنذر" تحاصر عمر بن حفصون.


المنذر بن محمد

المنذر بن محمد بن عبد الرحمن الأوسط أكبر أخوته و الرجل الثاني في القيادة الأموية ، مات أبوه الأمير محمد كان عهد قد تميز فيه الثورات و الاضطرابات داخل الدولة الأموية الأندلسية ، و عندما توفي تولها المنذر هذا فأحسن الأدارة فكان رجل المواقف الصعبة و المحن ، فضرب الثوار بيد من حديد ، لكنه لم يستمر سوى سنتين و مات و تقول الروايات بأنه مات مسموماً على يد أخيه عبد الله الذي تولى الحكم بعده ، و كان عمر الأمير المنذر بن محمد ما يقارب الثامنة و الأربعين عاماً.


عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن

عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن الأموي قال عنه السيوطي في تاريخ الخلفاء (وهو أصلح خلفاء الأندلس علماً وديناً مات في ربيع الأول سنة ثلاثمائة).


سلسلة خلفاء بني أمية:
                                                        عبدالرحمن الناصر لدين الله
عبد الرحمن الناصر لدين الله أو عبد الرحمن الثالث ثامن أمراء أمويي الأندلس ولد في 22 رمضان 277 هـ/2 يناير 891 م، هو أول من تسمى بأمير المؤمنين وخليفة المسلمين في الأندلس ويعتبر أقوى الأمراء، ويعتبر عصره من العصورالذهبية للأندلس واشتهرت قرطبة وجامعتها الشهيرة في زمانه بمنارة العلم والعلماء وأمتد حكمه مدة خمسين عاماً. وأسمه الكامل هو عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن الحكم الربضي، بن هشام بن عبد الرحمن (الداخل) أبو المطرف، الناصر لدين الله الأمير الثامن من أمراء الدولة الأموية بالأندلس. أمه أم ولد اسمها (ماريا) أو (مزنة) كما تسميها الروايات العربية. أول من تلقب بالخلافة من رجال الدولة الأموية بالاندلس، وتسمى بها لما رأى ما آلت إليه الخلافة العباسية من ضعف وفساد ووهن. وخلف جده عبد الله بعهد منه، وكان عمه المطرف قد قتل أباه ظلما، لأن أباه كان المرشح لولاية العهد، فأراد أن يزيحه ليظفر بها ولما علم جده عبد الله بما لحق أباه من ظلم جعل ولاية العهد إليه، وتولى تربيته ونال نصيبا كبيرا من رعايته، وكان جزاء عمه القتل، قصاصا لما قتل أخيه، وقتله أبوه عبد الله، بعد أن تأكد من براءة أخيه مما عزاه إليه. وبويع عبد الرحمن بالخلافة بعد وفاة جده عبد الله سنة 300هـ ولم يكن قد تجاوز الثالثة والعشرين من عمره، فكان أول من بايعه بالإمارة أعمامه لحب جده له ولزهدهم بها، ولما كان يحيط بها من أخطار. فقد كانت الأندلس مضطربة بالمخالفين ونيران المتغلبين، وقد تمكّن عبد الرحمن من إخماد تلك النيران، وخاض غمار حروب طويلة، فأخضع العصاة وصفا له الملك، وجدّد دولة الأندلس وأخضع حكامها لسلطانه. تلقّب بلقب الخلافة سنة 316هـ ، فجمع الناس وخطب فيهم وبين حق بني أمية بالخلافة وأنهم أسبق إليها من بني العباس، فبايعوه وتلقب (الناصر لدين الله) وتسمى بأمير المؤمنين، وجرى هذا اللقب من بعده، وكان أسلافه يخطب لهم بالإمارة فقط. وأنشأ مدينة (الزهراء) سنة 325هـ وبنى فيها (قصر الزهراء). وحمل إلى المدينة الرخام من أقطار الغرب، وأقام فيها أربعة آلاف وثلاثمائة سارية، وأهدى له ملك الفرنجة أربعين سارية من رخام.

أهم أعماله
قضى على الفتن وثورات في ولايات الأندلس وأعادها إلى حكم الدولة الأموية.
تمكن من هزيمة الجلادقة الإسبان القشتاليين والنفاريين والليونيين وردهم إلى ثغورهم.
بنى مدينة الزهراء المدينة الملكية التي تعتبر رمز الحضارة الأندلسية.


                                                               الحكم المستنصر بالله

الحكم المستنصر بالله تسلم المستنصر الحكم بعد وفاة أبيه عبدالرحمن الناصر عام 350هـ وقد تابع مسيرة والده في محاولاته للسيطرة على الشمال النصراني ومد نفوذ الاسلام له، إلى أنه غلب عليه عدد من رجالات الدولة من الصقالبة وجعفر المصحفي وكان نمو دور المنصور بن أبي عامر وكذلك زوجته صبح البشكنسية، وقد امتاز المستنصر بحبه للعلم والمعرفة حيث حوث مكتبته العديد من المؤلفات التي كانت معروفه في عهده حتى أن كتاب الأغاني لأبي فرج الأصفهاني أهدي إليه من بغداد من مؤلفه قبل أن يتم تداوله في بغداد ذاتها، وكان يطالع الكتب بنفسه وكان الفارابي المعروف أحد الذين اعتمد عليهم المستنصر للحصول على المؤلفات من العراق، وقد توفاه الله عام 362هـ وحكم وراءه ولده من صبح البشكنسية المعروف بهشام المؤيد بضغط من المنصور بن أبي عامر وجعفر المصحفي وغالب الفتى.


                                                                   هشام المؤيد بالله


الوليد هشام المؤيد بالله أو هشام الثاني (11 يونيو 965 - 18 مايو 1013) كَانَ الخليفةَ الثالثَ لقرطبةِ، مِنْ الأمويون. حَكمَ 976-1009، و1010-1013 في الأندلس.

خَلفَ هشام الثّاني أبّاه الحكم المستنصر بالله الحكم الثاني في 976 وهو صبي لا يتجاوز عُمرهِ عشر سنوات، بمساندة من أمِّه صبح البشكنجية وحاجبه ووزيره الأول جعفر المصحفي ومعهم غالب الناصري قائد جيوش الخلافة ومحمد بن أبي عامر المنصور الذي استحوذ وحده فيما بعد على سلطة الخليفة وحجر عليه. وقد عملوا مجتمعين على منع الخصيان الصقالبة من نقض بيعة هشام وتوليه أخي الحكم الثاني على العرش. صـُبح رقـَّت المنصور ليصبح القائم على خزينة الخلافة. وقد اُبقـِيَ هشام الثاني بعيداً عن الحكم ولم يمارس أي نفوذ سياسي. وفي العام 997 اُجبر على تسليم مقاليد الحكم رسمياً للمنصور وتسمى بالملك المنصور وإن ظل الخليفة رمزاً. وطد المنصور ملكه ودولته وقد بلغت الخلافة في عهده أقصى اتساع لها ولاقت أعظم انتصاراتها على الممالك المسيحية بالشمال وبلغ تعداد المسلمين بدولة الخلافة 4% 1000.

وبعد موتِ المنصور في 1002م ولي إبنه عبد الملك (1002-1008) وَصلَ إلى السلطة وضَمنَ موقعَه في الخلافةِ بالحملاتِ الناجحةِ ضدّ ناڤار وبرشلونة قبل أن يقتله شقيقه عبد الرحمن شنجول (1008-1009). وفي عام 1009 عصفت بالبلاد إنتفاضة شعبية بقيادة محمد الثاني المهدي وهو من أمراء دولة بني أمية الناقمين على الدولة العامرية، وقد أطاحت بكل من شنجول وهشام الثاني، الذي سـُجـِن في قرطبة.

شهدت السنون التالية تغيرات سريعة في القيادة نتيجة الحروب بين الجيوش البربرية والعربية, وكذلك المرتزقة السلاڤ, وفيها خسر المهدي أمام سليمان المستعين بالله في 1009 قبل أن يستعيد السلطة في 1010. وأخيراً استعادت قوات الخلافة من الصقالبة (السلاڤ) تحت الواحديين al-Wahdid هشام الثاني خليفةً (23 يونيو 1010-1013).

وبذلك أصبح هشام الثاني تحت نفوذ الواحديين, الذين بدورهم لم يستطيعوا السيطرة على الجيوش البربرية - التي استمرت في تأييدها لسليمان, وبذلك استمرت الحرب الأهلية. وفي 1013 استولى البربر على قرطبة وعاثوا فيها نهباً وتدميراً. ما حدث لهشام الثاني بعد ذلك هو محض تكهنات - فمن المفترض أنه البربر قتلوه في 19 أبريل 1013. على أي حال, أصبح سليمان المستعين بالله (1013-1016) خليفة.

مهدت الحرب الأهلية والتصارع على السلطة بعد ذلك إلى ما عرف بعصر ملوك الطوائف.


                                                                      هشام الرشيد
هشام الرشيد أو هشام الثّاني كَانَ الخليفةَ الثالثَ للقرطبةِ، مِنْ سلالةِ Umayyad. حَكمَ 976-1009، و1010-1013 في الأندلس (إيبريا مغاربية).

هشام الثّاني خَلفَ أبّاه الHakam الثّاني كخليفة القرطبةِ في 976 في عُمرِ 10، مَع أمِّه Subh ووزير الأول Jafar الMushafi يَفْعلُ كالأوصياء. الجنرال غالب والمنصور ابن Abi Aamir (المنصور) إستطاعَ مَنْع الخصيّ من الوَضْع أَخّ الHakam الثّاني على العرشِ. تَقدّمَ Subh المنصور وعَيّنَه إلى خزانةِ الخلافةِ. هشام الثّاني نفسه أبقىَ مِنْ حكوميِ ومُمَارَسِ لا تأثيرَ سياسيَ، وفي 997 هو كَانَ إجباريَ حتى لتَسليم السيطرةِ الوحيدةِ رسمياً الحكومةِ إلى المنصور، تحت مَنْ الخلافةِ وَصلتْ مداها الأعظمَ وأُنجزتْ نجاحَها الأعظمَ على الولاياتِ المسيحيةِ. يجب ملاحظة الذي إرتفعَ السكانَ المسلمَ العالميَ إلى حوالي 4 بالمائة كضدّ السكانِ المسيحيِ مِنْ 10 بالمائة بحلول الـ1000.

بعد موتِ المنصور في 1002 إبنِه عبد المالك (1002-1008) وَصلَ إلى السلطة وضَمنَ موقعَه في الخلافةِ بالحملاتِ الناجحةِ ضدّ نافار وبرشلونة قبل أن تُقْتَلَ مِن قِبل عبد ur رحمن Sangul (1008-1009). في 1009 a إنتفاضة شعبية تحت قيادة محمد الثّانية المهدي خَلعتْ كلا Sangul وهشام الثّاني، الأخيرة أَنْ تُبْقَى مَسْجُونة في القرطبةِ تحت النظامِ الجديدِ.

السَنَوات القليلة القادمة رَأى تغييراتَ سريعةَ مِنْ القيادةِ كنتيجة للحروبَ بين الجيوشِ البربريةِ والعربيةِ، بالإضافة إلى مِنْ المرتزقةِ السلافيينِ، مَع المهدي يَخْسرُ إلى سليمان الMustain في 1009 قبل إسْتِعْاَدة السلطة في 1010. أخيراً القوَّات السلافية للخلافةِ تحت الWahdid أعادتْ هشام الثّانية كخليفة (1010-1013).

هشام الثّاني كَانَ الآن تحت تأثير الWahdid، الذي كَانَ على الرغم من هذا غير قادر على السَيْطَرَة على القوَّاتِ البربريةِ - هذه ما زالَ سليمان مدعوم، والحرب الأهلية إستمرّتْ. في 1013 البربري أَخذوا قرطبةً بسَلْب والدمارِ الكثيرِ. الذي حَدثَ إلى هشام بعد ذلك مضطربُ - بإفتراض هو قُتِلَ في التاسع عشرِ مِنْ أبريل/نيسانِ 1013 مِن قِبل البربر. في أيّ حالٍ منَ الأحوالِ، سليمان الMustain (1013-1016) أصبحَ خليفةً.


                                                              محمد المهدي الأموي

محمد المهدي أو محمد بن هشام بن عبد الجبار بن عبد الرحمن الناصر أو محمد الثاني المهدي أو محمد الثاني من قرطبة ( - ) هو خليفة المسلمين الأموي بقرطبة من أول رجب 399 هـ حتى 17 ربيع الأول سنة 400 هـ أي لمدة أقل من تسعة أشهر، ألحق فيها ضرراً بالغاً بالخلافة.
وصوله الخلافة
 اتبع عبد الرحمن شنجول، آخر بني عامر، سياسة خرقاء قوامها الاستهتار بالرعية والانصراف إلى الملذات ومعاشرة سوقة الناس والرعاع، وإذلال الأشراف، وانتهاك الحرمات وتشجيع الدعارة والزنا (ثم تجاوز ذلك كله إلى أن حمل بعض أصحابه على بعض بحضرته، وفي مجلس شرابه وخلوته). وأحاط نفسه بحاشية من أصحاب السوء السوء حتى أنه اصطحب معه في غزوته إلى جليقية رجلاً (من سفال أهل قرطبة يقال له ابن الرسان جعله صاحب شرطته وأدناه منه).

 وقد رفض هذا السلوك أمراء بني أمية ورجالات قرطبة وكافة أهاليها. لذلك فقد قرر الباقون من بني أمية انتهاز فرصة ابتعاد شنجول عن قرطبة لخروجه في غزوة إلى جليقية للثورة عليه. وكان في مقدمة الأمويين الثوار محمد بن هشام بن عبد الجبار بن عبد الرحمن الناصر. وقد ساعدتهم الذلفاء، أم عبد الله شقيق شنجول والذي اتهمته بقتل ولدها بالسم، فحقدت عليه وسعت إلى اغتياله وسخرت للمهمة رجلاً من الصقالبة كان موالياً للأمويين، فاتصل بالأمويين ودعاهم لاسترجاع دولتهم بسماعدة الذلفاء التي تشترط القضاء على شنجول والثأر لولدها عبد الملك. وفعلاً أرشدوا الصقلبي إلى محمد بن هشام بن عبد الجبار الذي كان عبد الملك المظفر قد قتل أباه. وقالوا للصقلبي أن هذا الرجل (حران ثائر جسور مخاطر، وقد بلغنا أنه تطلّب هذا الأمر منذ قتلتم أباه، وتآلف من شرار الناس كثيراً، وشيعتنا تلقاه وتؤمله، فليس لكم غيره). واتصل به الرجل ونقل إليه رسالة الذلفاء فوافق على الأمر. وكان الأمويون في هذه الفترة (كلمتهم يومئذ في بغضاء العامريين متفقة، ونفوسهم من مخافتهم مختلسة، فلاذوا بمحمد بن هشام وبايعوه سراً).

 عهد الفتنة
ومن حماقات محمد المهدي التي مارسها بحق البربر، وهم القوة الضاربة في الجيش الأندلسي، أن أهان شيخهم زاوي بن زيري الصنهاجي ومنعه من دخول القصر وأهانه.


                                                              سليمان المستعين بالله

سليمان المستعين بالله أو سليمان الثّاني ‎ (d 1016) كَانَ خليفةً الخامسَ Umayyad للقرطبةِ وحَكمَ مِنْ 1009 إلى 1010، ومِنْ 1013 إلى 1016 في الأندلس (إيبريا مغاربية). سليمان، ابن حفيد عبد ar رحمن الثّالث، رُكّبَ كخليفة مِن قِبل الجنود البربريِ بَعْدَ أَنْ خَلعوا محمد الثّاني المهدي.

لأن محمد هَربَ إلى Toledo، سليمان حاولَ أَنْ يَفْتحَ هذه المدينةِ، بدون نجاحِ. بالرغم من أن البربر كَانوا قادرون على الصُمُود في القرطبةِ ضدّ قواتِ محمد وحلفائه الكاتالانيون، تَخلّى سليمان عن المعركةَ قبل الأوان لمفقودةِ، لذا القرطبة سُلِبتْ مِن قِبل Catalans.

بَعْدَ أَنْ إنسحبَ إلى Algeciras، سليمان إستطاعَ إعادة إحتلال القرطبةِ في 1013 بالمساعدةِ البربريةِ ويَخْلعُ هشام الثّاني، لَكنَّه كَانَ غير قادر على دَعْم قاعدتِه، Zirids الغرناطية يُشكّلُ سلالةَ مستقلةَ. في 1016 سليمان خِينَ إلى أيدي Hammudids ونفّذَ، والخلافة مَرّتْ من Umayyads إلى Hammudids تحت الناصر علي ابن حمّود (1016-1018).

كما ارتكب حماقة كبرى بحق الخليفة المعزول هشام، السجين في قصره، إذ قرر التخلص منه فأخرجه من القصر (وأسكنه في دار الحسن بن حييّ وشخص بمثله رجلاً نصرانياً وقيل يهودياً ميتاً كان يشبه المؤيد، وأدخل الوزراء والخدم عليه، فعاينوه ميتاً ولم يشكوا أنه المؤيد)[3]. وقد كان ذلك في سنة 399 هـ/1009 م. ودُفِن هذا الرجل بحضور القاضي أبي العباس بن ذكوان. ولقد سخر الناس في قرطبة من هذه الحماقة لأنهم كانوا يعرفون الحقيقة التي لم يستطيعوا ذكرها أمام المهدي، وهي أن هشاماً لم يمت وأن هذا مكيدة.


                                                            علي الناصر لدين الله(بنو حمود)

أبو الحسن علي بن حمود الناصر لدين الله ( - 1018) هو الخليفة الحادي عشر في قرطبة ولم يكن من الأمويين. تولى الحكم في الفترة من (1016 - 1018).

 اشتد طموح البربر إلى الزعامة المطلقة على الأندلس، فتشير المصادر التاريخية إلى تحرك بعض العامريين والموالي والصنائع الهاشميين إلى أمير سبتة علي بن حمود وسلموه وثيقة منسوبة إلى هشام المؤيد وبخطة عهد فيها بالأمر بعده إلى علي بن حمود. ومهما يكن من صحة هذه الوثيقة من عدمه، فإن الأمر يدل على تحالف مسستتر ظهر للسطح للإطاحة بالمستعين، ولا سيما وأن حبوس الصنهاجي حاكم البيرة، وخيران العامري حاكم المرية قد طمأنا علي بن حمود على سهولة الإستيلاء على مركز الخلافة في قرطبة، فسار إلى الأندلس تحت ذريعة الإفراج عن الخليفة هشام المؤيد بالله، ثم اتجه إلى المرية والتقى بأنصاره العامريين وعلى رأسهم خيران العامري، ومن هناك سار بالجيوش صوب قرطبة وكان أخوه القاسم قد جهز نفسه لتقديم المساعدة عند الضرورة.

 وصلت أنباء هذا التحالف إلى المستعين، ووصلت أنباء الحشود الزاحفة إلى قرطبة كذلك، فخرج بما تبقى له من أنصار لملاقاة جيوش تحالف البربر بقيادة علي بن حمود، وكانت نتيجة المعركة هزيمة المستعين في سنة 407 هـ، ودخول علي بن حمود وأنصاره إلى قرطبة، بعد أن قبضوا على المستعين. ولقد قام بن حمود بالبحث عن الخليفة المؤيد متظاهراً بعدم معرفته بموته حتى يؤكد شرعية ثورته على المستعين، ولكن الشهود في قرطبة أكدوا له موت الخليفة وأرشدوه إلى قبره، فأخرجه وتعرف على جثته، ثم أعاد دفنه، وقرر على الفور قتل المستعين وقتله بيده، ثم قتل شقيقه عبد الرحمن، ثم قتل أبيهما الشيخ، وجعل رؤوس الثلاثة في طست وأخرجت من القصر إلى المحلة ينادى عليهم: "هذا جزاء من قتل هشاماً المؤيد".

 وقد كان سبب قوة الخلافة الأموية في الأندلس هو استحواذها على السلطتين الشرعية والواقعية. وقد تبددت هذه القوة وخصوصاً في زمن الحاجب منصور والدولة العامرية. وأصبحت الخلافة فيما بعد خرقة بالية منذ خلافة هشام المؤيد. وجاء بنو حمود ليكملوا مشوار التدهور والانحطاط والصراعات والفتن بين البربر والصقالبة والعرب وأهل قرطبة.

وبويع علي بن حمود بالخلافة بعد قتل المستعين في باب السدة من قصر قرطبة سنة 407 هـ/1016 م.

علي بن حمود ملكاً على الأندلس
 بعد مبايعته بالخلافة تلقب بالناصر لدين الله ، ويكنى بأبي الحسن، ولقد شهدت فترة حكمه الأولى محاولات لتوحيد البلاد نحت قيادة الخلائف من البيت الأموي الذي قاد الأندلس أكثر من قرنين ونصف، وصلت فيها إلى قمة الإزدهار الحضاري. غير أن هؤلاء الأمويين كانوا على درجة من الضعف، بات التعويل عليهم أمراً غير منطقي. ويذهب الدكتور سيد سالم إلى أن علياً كان موفقاً في بداية عهده، إذ كان حكمه يقوم على إرهاب البربر وتشدده في معاملتهم، حتى أطاعه كل عاصي، ويستشهد بقول ابن حيان: "وكان يجلس - علي بن حمود - بنفسه لمظالم الناس وهو مفتوح الباب، مرفوع الحجاب للوارد والصادر، يقيم الحدود مباشرةً بنفسه، لا يحاشي أحداً من أكابر قومه، فانتشر أهل قرطبة في الأرض ذات الطول والعرض، وسلكت السبل، ورخا السعر). وهذا يعني أن بداية عهد علي بن حمود قامت على العدل ةإنصاف المظلومين لذلك فـُتن به أهل قرطبة وأحبوه.


                                                           عبد الرحمن المرتضى

الرحمن بن عبد الملك بن الناصر أو عبد الرحمن الرابع زعيم أموي ظهر في شرق الأندلس سنة 407 هـ، وأصبح خليفة المسلمين بقرطبة لمدة عام واحد. أحضره إلى الخلافة خيران العامري الذي ما لبث أن انقلب عليه وقتله.

 وكان ظهوره بإيعاز ومساندة من خيران العامري بعد أن تنصل العامري عن بيعة علي بن حمود وخرج من طاعته، وذلك لسببين: أولهما (أنه كان طامعاً أن يجد المؤيد هشام حياً فلم يجده ...) والثاني (نـُقـِل إليه أن علياً الناصر يريد قتله). وكان أهل قرطبة قد أظهروا التأييد للأموي المرتضى الذي بايعه خيران وعدد كبير من أنصاره. وأصبح خيران العامري من أشد المؤيدين للمرتضى، إذ قام بإرسال الوفود إلى أمير سرقسطة والثغر الأعلى منذر بن يحيى التجيبي، كما راسل أهل شاطبة وبلنسية وطرطوشة والبونت لحملهم على مبايعة الأموي المرتضى. وقد أجابوه بالموافقة والخروج على طاعة علي بن حمود، وصار لهذا الأموي أتباع من خارج قرطبة وداخلها إذ أن وجهاء قرطبة كانوا قد اجتمعوا في مكان يعرف بالرياحين وأقر الفقهاء والشيوخ بيعتهم للأموي في عيد الأضحى من سنة 408 هـ (1017 م). وبذلك تهيأ للمرتضى جيشاً سار به إلى غرناطة للاستيلاء عليها من أميرها زاوي بن زيري، فوقعت بينهما معركة أدت إلى هزيمة المرتضى. وكانت الهزيمة على إثر خلافات بينه وبين منذر بن يحيى وخيران العامري. وكانت نهاية عبد الرحمن المرتضى على يد خيران الذي جعل عليه عيوناً (لئلا يخفي أثره، فلحقوه بقرب وادي آش، وقد أمن على نفسه، فهجموا عليه، وقتلوه، وجاءوا برأسه إلى خيران في سنة 408 هـ/ 1017 م).


                                                             عبد الرحمن المستظهر بالله

أبو المطرف عبد الرحمن بن هشام بن عبد الجبار بن عبد الرحمن الناصر الأموي أو عبد الرحمن الخامس، الملقب بالمستظهر بالله (ت. 414 هـ) هو أحد خلفاء الدولة الأموية في الأندلس لأقل من ثلاثة شهور في سنة 414 هـ حتى قـُتـِل.

ولد عام 392 هـ. لما انهزم البربر من أهل قرطبة مع القاسم بن حمود، اتفق رأى أهل قرطبة على رد الأمر إلى بني أمية، فبايعوا عبد الرحمن بن هشام بالخلافة في رمضان سنة 414 هـ، وتلقب بالمستظهر بالله، وتولى وزارته بعض القدامى من وزراء بنى أمية، وقرب البربر منه، وعامل زعماء وكبراء قرطبة معاملة سيئة فهاجت العامة، وامتلأوا غيظًا منه. ثم قام عليه أبو عبد الرحمن محمد بن عبد الرحمن بن عبيد الله بن عبدالرحمن الناصر. مع طائفة من أراذل العوام، فقتل عبدالرحمن بن هشام، وذلك لثلاث بقين من ذى القعدة سنة 414 هـ. وكان عبد الرحمن بن هشام المستظهر أديبا بليغًا شاعرًا، ومات ولا عقب له.


                                                محمد بن عبد الرحمن المستكفي بالله 

                                     محمد بن عبد الرحمن بن عبيد الله المستكفي بالله أو محمد الثالث

 بويع بالخلافة وتلقب بالمستكفي بالله، ويكنى بأبي عبد الرحمن، بدأ عهده بقتل الخليفة السابق وواصل بداية عهده بقتل ابن عمه محمد بن العراقي خنقاً سنة 415 هـ، فكان هذا الخليفة سيء الخلق، عاهراً، عاطلاً من الخصال والفضائل، منصرفاً إلى اللهو والعبث. تشبهه المصادر التاريخية بالخليفة العباسي المستكفي بالله لاشتراكهما في صفات مشتركة (واستظهارهما الفسق، واعتداء كل منهما على ابن عمه. ومن العجب أنهما اتفقا في الأخلاق والعهر واللعب، وأن كل منهما عاش 52 سنة، وكل منهما ملك سنة ونحو خمسة أشهر، وكل منهما تركه أبوه صغيراً، وتوافقا في اللقب، وبالجملة فهما رذلى قومهما). وكان المستكفي بالله (همه لا يعدو فرجه وبطنه، وليس له هم ولا فكر سواهما). وإنه (لم يكن محمد هذا من الأمر في ورد ولا صدر إنما أرسله الله تعالى إلى أهل قرطبة الخاسرين بلية، وكان منذ عـُرف عطلاً منقطعاً إلى البطالة، محمولاً على الجهالة، عاطلاً من طل ظلة تدل فضيلة). كما شهد عهد المستكفي دماراً امتد إلى قصور عبد الرحمن الناصر في قرطبة وقصور الزاهرة. ولكن المستكفي قد خلّف ابنته الأديبة الشهيرة ولادة بنت المستكفي، والتي هي أبرز مآثره الحسنة كما نرى.

روايات نزوله عن الخلافة
 ولقد ظل المستكفي في خلافته (أسير الشهوة عاهر الخلوة) وهو أمر لم يتحمله أهل قرطبة كثيراً، فبعد ستة عشر شهراً ثاروا عليه وخلعوه. وأخرجوه من قرطبة بعد أن اقام ثلاثة أيام مسجوناً لا يصل إليه طعام ولا شراب، ثم نفوه. وتذهب رواية ابن عذارى إلى أنه لبس ثياب الغانيات متنقباً بين امرأتين، لم يميز منهما. وبعد سبعة عشر يوماً وُجد مقتولاً، وقيل مسموماً في قرية من أعمال مدينة سالم، في ربيع الآخر سنة 416 هـ/1025 م.

وفي رواية أخرى أنه في 25 من ربيع الأول سنة 416 هـ، دخل عليه وزراؤه وأمروه أن يخرج معهم لقتال يحيى بن علي بن حمود الذي زحف إلى مالقة بقصد الاستيلاء على قرطبة. فتظاهر بالقبول وهو يضمر في قرارة نفسه النجاة بحياته، فتسلل من قصره بقرطبة في زي غانية بين امرأتين لم يميز منهما، وخرج من قرطبة مع بعض رجاله، واختلف معهم في الطريق، فقتلوه في بلدة أقليج. ومن خلال سير الأحداث في قرطبة كان يحيى بن على المعتلي بالله، يراقب الموقف ويوثق من منزلته وشأنه في مالقة، إذ كان لا يزال يخطب لنفسه فيها بالخلافة، مما كان من أهل قرطبة أن (كتبوا إليه، وخاطبوه بالخلافة، وكتبوا له في رمضان سنة 416 هـ فأجابهم إلى ذلك). ودخل قرطبة في 16 رمضان سنة 416 هـ، مستعيداً خلافته على الأندلس للمرة الثانية.


                                                                         هشام المعتد بالله

محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن الناصر أو هشام الثالث (ت. 1036) آخر الحكام الأمويين في الأندلس (1026 - 1031) وآخر من حمل لقب خليفة قرطبة.

 خليفة

 بعد مقتل يحيى بن علي بن حمود خارج أبواب قرمونة من أعمال مالقة في محرم من سنة 427 هـ، على أيدي رجال إسماعيل بن عباد، انتهت خلافة المعتلي الثانية والتي قاربت الثلاثة أشهر واثنتين وعشرين يوماً.، فاختاروا هشام بن محمد بن عبد الملك، أخا المرتضي، الذي غدر به العامريون وقتلوه في وادي آش.

أما خيران ومجاهد العامريان، فأقاما لمدة شهر في قرطبة بعدها حدث بينهما خلاف، أثار بينهما الريبة والشك والخوف، فخرجا من قرطبة، إذ انسحب خيران منها في أواخر ربيع الآخر سنة 427 هـ، بينما بقي مجاهد فترة من الوقت بعدها غادر قرطبة إلى دانية.

 وبذلك شهدت قرطبة فراغاً سياسياً آخر إلى أن "أجمع أهلها على خلع العلويين لميلهم إلى البربر، وإعادة الخلافة بالأندلس إلى بني أمية".

البيعة
 بايع أهل قرطبة هشام بن محمد وهو في منطقة البنت، وتلقب بالمعتد بالله، ويكنى بأبي بكر، إذ أن هشاماً قد فر بعد هزيمة أخيه المرتضى بالقرب من غرناطة والتجأ إلى صاحبه عبد الله بن قاسم الفهري في حصن البنت (البونت) في شرقي الأندلس، وقيل كان مقيماً بالثغر في لاردة عند ابن هود. ولم يستطع هشام الثالث دخول قرطبة حتى سنة 1029، إذ أن المدينة كانت تحتلها الجيوش البربرية للحموديين. وظل يحكم لمدة عامين وسبعة أشهر وقرطبة تخطب باسمه خليفة، وهي فترة حكم جيدة قياساً إلى ما سبقه من خلفاء عصر الفتنة.

وبالرغم من محاولته السيطرة على مقاليد الخلافة، إلا أن رفعه الضرائب (لبناء المساجد وغيرها) أدى إلى معارضة شديدة من فقهاء المسلمين.

 وفي عام 420 هـ استوزر رجلاً يـُعرف بحكم بن سعيد القزاز. وكان هذا الوزير نذير شؤم على المعتد بالله، إذ كان مكروهاً من أهل قرطبة لاستبداده برأيه وتعسفه بأحكامه، ومخالفته لآراء الوزراء السابقين، كما أنه كان ميالاً إلى البربر، فقد أكرمهم وأجزل لهم العطاء، فقام كبار رجال قرطبة بقتله.

منافس أموي
 انتهز أمية بن عبد الرحمن بن هشام بن سليمان، أحد أمراء بني مروان، فرصة قتل الوزير، ليحرض العامة على المعتد بالله سعياً لإسقاطه، وتولي الخلافة. وثار وراءه بنو أمية، وحاصروا قصر الخلافة في 12 ذو الحجة سنة 422 هـ. واُخرج هشام من قصره هو ونساؤه وأبناؤه، واُنزل إلى ساباط المسجد الجامع المؤدي إلى المقصورة، وظل هناك أسيراً ذليلاً، يترقب الموت في كل لحظة. ولكن أمية بن عبد الرحمن لم يبلغ غايته في الوصول إلى الخلافة فقرر أهل قرطبة إخراج أمية مع المعتد بالله عن قرطبة مع أن أمية كان حريصاً على الظفر بالخلافة ولم يخطر بباله أن تنتهي الأمور إلى هذا الحال. إذ أن أحداً من أهل قرطبة قال له: إن السعادة قد ولت عنكم، فقال أمية: بايعوني اليوم، واقتلوني غداً.

 وهكذا انتهت الخلافة الأموية في قرطبة، بل نادى البعض بضرورة طرد جميع بني أمية من قرطبة، محذراً من يبقى منهم، ومتوعداً من يتواطأ معهم. وفي ذلك يقول ابن الخطيب (ومشى البريد في الأسواق والأرباض بأن لا يبقى أحد بقرطبة من بني أمية، ولا يكنفنهم أحد)، وفي منتصف ذي الحجة سنة 422 هـ، اجتمع شيوخ قرطبة والوزراء برئاسة ابن حزم بن جهور، واتفقوا على خلع المعتد بالله، وإبطال مرسوم الخلافة جملةً. وابن حزم كان من وزراء الدولة العامرية، قديم الرياسة، موصوفاً بالدهاء والعقل، ولم يدخل في شيء من الفتن، بل كان يتصاون عنها. وأسلموا الحكم إلى ابن حزم بن جهور وكان جديراً بهذه المهمة، وقبل أن يتسلم مقاليد الأمر على أن يجعلها شورى.

 وهكذا تحول الحكم في قرطبة إلى نظام شبيه بالحكم الجمهوري، عـُرِف في كتب التاريخ بحكم الجماعة.

مات هشام الثالث في المنفى عام 1036 في لاردة.

المصادر التاريخية في نهاية الخلافة الأموية في الأندلس

بعد سقوط الخلافة بالإطاحة بهشام الثالث في 1031، تشظت أراضي دولة الخلافة - التي انكمشت كثيراً في قرنها الأخير، إلى العديد من ممالك الطوائف الضعيفة عسكرياً، ولكن اليانعة ثقافياً (مثل الحال في المشرق العربي).

وبذلك انتهت دولة الأندلس الأموية التي دامت 200 سنة تقريباً، أسسها عبد الرحمن الداخل وكانت عهد قوة في بدايتها، ثم جاء عهد المجد والعز أيام الأمراء والخلفاء في وسطها، ثم تمزقت إلى دويلات خلال 50 عاماً، فوصلت إلى 22 دويلة أو أكثر.







ساحة بلاثا مايور 














ساحة مدريد 

مشاركة مع اصدقاء