- مدونة الرسائل الجامعية العربية

الخميس، 24 يناير 2013

             من معارك الاسلام


          - معركة عين جالوت - 

مقدمات معركة عين جالوت وسير أحداثها

 كان من نتائج سقوط بلاد الشام في ايدي المغول وحلفائهم ان عم الرعب والخوف سائر أرجائها، فهرب الناس باتجاه الاراضي المصرية، وقد انغرس داخل نفوسهم نتيجة ما شاهدوه من الاهوال وبسبب ما حل بهم وببلادهم من الدمار والخراب والهلاك وأن الشيء الذي سينقذ المسلمين وممتلكاتهم من الزحف المغولي المدمر هو البحث عن قيادة حكيمة قوية تترجم نواياهم تلك بإنهاء خلافاتهم وتوحيد كلمتهم، وإعادة تنظيم جموعهم ومن ثم بعث روح الجهاد الإسلامي في نفوسهم لدرء ذلك العدوان الذي استشرى خطره وبات يهدد ما تبقى من العالم الإسلامي بالدمار والهلاك والواقع أن مصر في ذلك الوقت كان كل شيء فيها ينبيء بظهور قوة جديدة.
أولاً: احتلال مصر هدف استراتيجي للمغول:إن المتتبع لخط سير التتار سيدرك على وجه اليقين أن مصر هدفاً استراتيجياً للمغول وذلك لعدة اسباب منها:
1 ـ سياسة التتار التوسعية الواضحة وهم لا ينتهون من بلد إلا ويبحثون عن الذي يليه، ومصر هي التي تلي فلسطين مباشرة.
2 ـ لم يبق في العالم الإسلامي بأسره قوة تستطيع أن تهدد أمن التتار إلا مصر،فقد سقطت معظم الممالك والحصون والمدن الإسلامية تقريباً وبقيت هذه القلعة الصامدة.
3 ـ الموقع الاستراتيجي لمصر في غاية الاهمية، فهي في قلب العالم القديم، ومتحكم في خطوط التجارة العالمية.
4 ـ احتلال مصر بوابة لشمال افريقيا وفي ذلك الوقت كان المغرب الكبير، قد تمزق إلى دويلات صغيرة بعد سقوط دولة الموحدين، ولم تكن لها القدرة على الوقوف أمام الإمبراطورية المغولية.
5 ـ القوة البشرية في مصر، والطاقات الكامنة بها، واستيعابها لفلول المسلمين الهاربين من المغول كان مصدر قلق بالنسبة للمغول.
6 ـ مقومات حركة الجهاد الناجحة كانت متوفرة في مصر من قيادة واعية، وحمية دينية، وتجمع للعلماء والفقهاء الفارين من هول المغول، فكان المغول يخشون أن تتحول تلك المقومات إلى مشروع إسلامي لتحرير ديار المسلمين من الاحتلال المغولي[1].
6 ـ رغبة المغول في الهيمنة على العالم كله تستدعي منهم القضاء على دولة المماليك، ثم أن القرار باحتلال مصر أخذه امبراطور المغول في عاصمتهم بحضور كبار مستشاري الإمبراطورية المغولية.
ثانياً: خطوات سيف الدين قطز لتوحيد الصف الإسلامي:بات سيف الدين قطز يدرك ادراكاً تاماً أن بقاء دولته الفتية يتوقف على اجتياز ذلك الامتحان الصعب المتمثل في الغزوالمغولي .
للممالك الإسلاميةالذي استشرى خطره، وأن يثبت انه بحق أهل للثقةالتي أولاها إياه الأمراء في مصر ورجل الساعة بالفعل بعد اجماعهم على عزل الملك المنصور علي ابن المعز أيبك وتنصيبه على دولة المماليك[1]، ولكي تتوحد الصفوف أمام الازمة اتخذ سيف الدين قطز الخطوات التالية:
الخطوة الأولى:جمع الأمراء وكبار القادة وكبار العلماء وأصحاب الرأي في مصر وتناقشوا في أمر القيادة التي تتصدى للمغول وأجمع الحاضرون على أن الملك المنصور علي بن المعز أيبك الذي كان صغير السن ضعيف الشخصية لم يكن لديه من الطاقة والقدرة ما يستطيع به مواجهة الاخطار والتحديات التي باتت تهدد دولة المماليك في مصر، لذا قرروا عزل السلطان الصغير. ومع أن قطز ـ رحمه الله ـ قد استخدم الاخلاق الرفيعة، والاهداف النبيلة في تجميع القادة والعلماء حوله، إلا أنه لم يتخل عن حزمه في الادارة وعن أخذه بأسباب النصر واختيار الفريق المساعد له وابعاد من يراه مناسباً . ، لقد ساهمت هذه الخطوة في تقوية الوضع الداخلي، وإنشغل الناس بالجهاد، وقام السلطان بإقامة الشرع والدفاع عن البلاد، والقيام بشئون الرعية وحماية مصالح الناس، فاستقرت الأحوال المحلية، وتوحد الصف الداخلي، وهذه خطوة في تحقيق النصر .
الخطوة الثانية: العفو الحقيقي: أصدر السلطان قطز قراراً بالعفو العام (الحقيقي) عن كل المماليك البحرية .
وإستطاع قطز أن يقنع خصومه من أمراء المماليك البحرية الذين كانوا قد هربوا إلى بلاد الشام، وعلى رأسهم بيبرس البندقداري بالعودة إلى الأراضي المصرية والانضواء تحت لوائه متناسين ما بينهم من الخلافات، بعد أن ثبت لهم عجز أمراء الشام من البيت الأيوبي عن مقاومة المغول[1]، وكان سيف الدين قطز قد أدرك أهمية كسب ركن الدين بيبرس لصف المقاومة لأمور منها:
أ ـ الكفاءة القتالية العالية جداً، والمهارة القيادية رفيعة المستوى لركن الدين بيبرس، والحمية الإسلامية لهذا القاد الفذ.
ب ـ الذكاء الحاد الذي يتميز به بيبرس، والذي سيحاول قطز أن يوظفه لصالح معركة التتار بدلاً من أن يوظف في معارك داخلية ضد المماليك المعزية.
جـ ـ ولاء المماليك البحرية لركن الدين بيبرس.
لذلك لما قدم بيبرس إلى مصر بعد إستقدام قطز له، عظم قطز من شأنه جداً وأنزله دار الوزارة وعرف له قدره وقيمته وأقطعه (قليوب) وما حولها من القرى، وعامله كأمير من الأمراء المقدمين وجعله على مقدمة جيوشه فيما بعد، فنلاحظ من صفات قطز القيادية، العفو عند المقدرة وإنزال الناس منازلهم، والفقه السياسي الحكيم، والحرص على الوحدة، وقد إستطاع سيف الدين قطز أن يستفيد من طاقات المماليك البحرية وإمكانياتهم وتقوية الجيش بهم[1]. وفتح أبواب مصر أمام فلول المماليك الإسلامية في الشرق الإسلامي التي تعرضت للغزو المغولي، فدخل جموع الخوارزمية الفارة من وجه المغول لمصر، ورحب بهم سيف الدين قطز، وكذلك جموع الشام، ومعه الملك المنصور صاحب حماه[2] وغيرهم.
الخطوة الثالثة: حرص على التواصل مع الدولة الأيوبية، فقد كانت العلاقة بين المماليك والأيوبية متوترة إلى حد كبير، بل أن الناصر يوسف الأيوبي أمير دمشق وحلب كان قد طلب من التتار بعد سقوط بغداد أن يعاونوه في غزو مصر، إلا أن سيف الدين قطز سعى لإذابة الخلافات بينه وبين أمراء الشام. وكان يسعى إلى الوحدة مع الشام أو على الأقل تحييد أمراء الشام، ليخلو بينهم وبين التتار دون أن يطعنوه في ظهره، فتواصل سيف الدين قطز مع الملك الناصر الأيوبي وعرض عليه أن يكون تابعاً للناصر.
الخطوة الرابعة: أراد الملك سيف الدين قطز قبل الشروع في مواجهة المغول أن يختبر الصليبيين على ساحل بلاد الشام، لمعرفة موقفهم من ذلك الصراع الذي أصبح محاذياً لهم، لتخوفه من إنضمام هؤلاء الصليبيين إلى المغول عند نشوب الحرب. [1]، واستطاع السلطان سيف الدين قطز أن يتحصل على موافقة الصليبيين بالسماح لقواته باجتياز الأراضي الساحلية التي تحت أيديهم، وجعلته في مأمن من ذلك الجانب، وتجنب خطر إشتباكه في أكثر من جهة في تلك اللحظات الحرجة.
الخطوة الخامسة: تحكيم الشريعة في أموال الحرب: كانت النفقات للإعداد كبيرة، من تجهيز الجيش، وإعداد التموين اللازم له، وإصلاح الجسور والقلاع والحصون، وإعداد العدة اللازمة للحرب، وتخزين ما يكفي للشعب في حال الحصار، وكانت الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد طاحنة، وليس هناك وقت لخطة خمسية أو عشرية، والتتار على الأبواب وقد وصلوا غزة والدولة تحتاج للأموال، فجمع سيف الدين قطز مجلسه الاستشاري ودعا إليه إلى جانب الأمراء والقادة والعلماء والفقهاء.  وكان الشيخ العز بن عبد السلام وعلماء مصر يحثون الناس في سبيل الله تعالى، ووعظ الأمراء والحكام وحرك قلوبهم فتنبه فيها الإيمان، فأخرجوا ما عندهم، ورأى الناس ذلك فتسابقوا إلى بذل الجود، وكثرت الأموال، فأعدوا العدة وجمعوا السلاح، وأقيمت معسكرات التدريب في كل مكان واهتزَّت البلدة بالهتاف والتكبير، وصار كل مسلم يشتهي الوصول إلى المعركة، وهذا درس مهم في أهمية التكامل بين أمراء المماليك والعلماء في مقاومة التتار.
ثالثاً: رسالة هولاكو إلى سيف الدين قطز: أرسل هولاكو رسالة إلى سلطان مصر كلها تهديد ووعيد قال فيها: من ملك الملوك شرقاً وغرباً القان الأعظم، باسمك الله باسط الأرض ورافع السماء  يعلم الملك المظفر قطز، الذي هو من جنس المماليك الذين هربوا من سيوفنا إلى هذا الاقليم يتنعمون بانعامه، ويقتلون من كان بسلطانه بعد ذلك، يعلم الملك المظفر قطز وسائر أمراء دولته وأهل مملكته بالديار المصرية وما حولها من الأعمال، إنا نحن جند الله في أرضه ...........
1 ـ مجلس شورى حربي: كانت الرسالة بمثابة التحدي النهائي لآخر قيادة إسلامية، وعلى ضوء الموقف الذي ستقرر هذه القيادة اتخاذه سيتوقف مصير عالم الإسلام وحضارته التي وضعها كدح القرون الطوال، كل المؤشرات كانت تقود إلى الاستلام للتحدي والإذعان لضروراته.. ولكنه الإيمان له  منطق آخر، أنه لا يمنح القدرة عل الحركة في ظروف الشلل التام، فحسب، لكنه بصيرة تخترق حجب العمى والظلام، لكي تطل على الأفق يشع ضياء، وبالحركة القديرة، والرؤية الصائبة تجابه القيادات الفذة تحديات التاريخ ومحنه وويلاته، فتخرج منها ظافرة، وتحقق بالاستجابة قفزة نوعية في مجرى الفعل والتحقق[1]، قرأ سيف الدين قطز الرسالة واستدعى الأمراء ليعرض الأمر.
و اجتمعو على القتال في سبيل الله و خوض المعركة ضد المغول .
2 ـ التغيير العام: وفي هذه الأثناء أراد المظفر أن يقطع كل مجال للتردد في الخروج لمواجهة المغول، فأصدر أوامره إلى ولاة الأقاليم المصرية بجمع الجيوش وحث الناس على الخروج للجهاد في  سبيل الله ونصرة دين رسول الله صى الله عليه وسلم، وطالب الولاة بإزعاج الأجناد للخروج للسفر، ومن وجد منهم من إختفى يضرب بالمقارع، وسار بنفسه حتى نزل الصالحية، حيث تكامل عنده وصول العساكر المصرية، ومن إنضم إليهم من عساكر الشام والعرب والتركمان وغيرهم.
3 ـ قتل سفراء هولاكو: وكان أول إجراء قام به المظفر قطز ضد المغول هو إستدعاء رسل هولاكو واستقبالهم استقبالاً جافاً إيذاناً لإعلان الحرب عليهم، ومن ثم القبض عليهم وضرب عنق كل منهم أمام باب من أبواب القاهرة وتعليق رؤوسهم على باب زويلة وأبقى على صبي من الرسل وجعله من مماليكه.
. وما حدث من سيف الدين قطز، مخالف لأحكام الشريعة والكمال لله وحده.
رابعاً: اليوم الفصل:
1 ـ مقدمات الصدام: لم يعد أمام المظفر قطز بعد إتمام تلك الاستعدادات سوى إختيار مكان وزمان المعركة التي كان ينوي منازلة المغول فيها، وهنا تبدو لنا إستراتيجية جديدة إتبعها قطز في هذه المواجهة الحاسمة، ذلك أنه إذا كان حكام المسلمين إبتداء من الدولة الخوارزمية حتى أرض فلسطين قد التزموا مبدأ التحصن داخل مدنهم إنتظار لهجوم المغول عليهم ومحاولة صده فقط فإن السلطان قطز أدرك عدم جدوى الأساليب الدفاعية ورأى أن من الأفضل منازلة المغول قبل وصولهم إلى الأراضي المصرية واختار لذلك النزال مكاناً مناسباً خارج دولته هو منطقة عين جالوت بأرض فلسطين الذي يمتاز بقربه من المناطق الساحلية الذي كان يسيطر عليها الصليبيون، الذين أبدوا إستعدادهم الكامل لتسهيل مرور القوات الإسلامية إليه، هذا بالإضافة إلى كون هذا الجزء من أرض فلسطين منطقة فسيحة يعلوها جبل[1]، الأمر الذي سيمكن قواته من مواجهة العدو في كل الظروف، ففي حالة الاشتباك المباشر مع العدو في معارك مكشوفة، يكون القتال في منطقة منبسطة، وفي حالة مناوشته من بعيد يكون الجبل مساعداً للرماة لأداء واجبهم عل الوجه الأكمل، كما أن إختيار هذا المكان في بلاد الشام لمنازلة المغول، يعطي في حد ذاته دفعة قوية لتلك الجموع الشامية الهاربة منهم إلى مصر والتي انضمت إلى جيش المماليك، للاستبسال والتفاني في الجهاد وطمعاً في العودة مرة أخرى إلى بلادها، خاصة وأن هناك أمراء أيوبيين في ركاب هذه الجيوش، كان الملك المظفر قطز قد وعدهم بإعادتهم إلى إماراتهم بعد طرد المغول من بلاد الشام، كما إختار قطز لهذه المعركة الفاصلة شهر أغسطس الذي  تكون فيه الحرارة مرتفعة للتأثير على تلك الجموع المغولية القادمة من صحاري منغوليا الباردة[1]، للتقليل من نشاطهم القتالي لكونهم لم يعتادوا على المناخ الحار الذي عادة ما يسود مناطق فلسطين في ذلك الوقت .
2 ـ تحرك جيوش المسلمين: طلب سيف الدين قطز من الأمراء الاجتماع العاجل، وحثهم على القتال وذكرهم بما وقع في أقاليم الإسلام[1]، وقال لهم: يا مسلمين قد سمعتم ما جرى من أهل الأقاليم من القتل والسبي والحريق، وما منكم أحد إلا وله مال وحريم وأولاد، وقد علمتم أن أيدي التتار تحكمت في الشام وقد أوهنوا قوى دين الإسلام، وقد لحقني على نصرة دين الإسلام الحمية، فيجب عليكم يا عباد الله القيام في جهاد أعداء الله حق القيام، يا قوم جاهدوا في الله بصدق النية تجارتكم رابحة وأنا واحد منكم وها أنا وأنتم بين يدي رب لا ينام ولا يفوته فائت ولا يهرب منه هارب، فعند ذلك ضجت الأمراء بالبكاء وتحالفوا أنهم لا بقاء لهم في الدنيا إلى أن تنكشف هذه الغمة، فعند ذلك جرد السلطان، الأمير ركن الدين بيبرس وصحبته جماعة من العساكر وأرسله طليعة .
3 ـ معركة غزة:تحركت طلائع الجيش المملوكي بقيادة الأمير ركن الدين بيبرس البندقداري نحو فلسطين، فسار حتى نزل غزة في شعبان 658هـ /يولية 1260م واستطاع ركن الدين بيبرس أن يحقق انتصاراً ساحقاً على الحامية المغولية في غزة وكانت هزيمة قاسية لهم، واكتشف المغول أن هناك من المسلمين من يتحرك من خلال خطط عسكرية، وأبعاد استراتيجية، وأنه لا زال من المسلمين من يحمل السيوف للدفاع عن دينه وأرضه وشرفه وكرامته، وكانت هذه المعركة من أهم المعارك بالنسبة للمسلمين، فقد رأى المسلمون بأعينهم أن التتار يفرون، وسقطت المقولة التي انتشرت في تلك الآونة التي كانت تقول: من قال لك أن التتار يهُزمون فلا تصدقه، وكان لهذه الموقعة أثر ايجابي على جيش المسلمين وكان لها أثر سلبي هائل على جيش التتار .
4 ـ معلومات استخبارية مهمة:قاد السلطان قطز جيشه واقترب من عين جالوت، وبينما هو في الطريق جاء رجل من أهل الشام وقدم معلومات استخبارتية لسيف الدين قطز، مرسل من قبل صارم الدين أيبك وهو أحد المسلمين الذين أسرهم هولاكو عند غزوه بلاد الشام، ثم قبل الخدمة في صفوف جيش التتار، واشترك معهم في مواقعهم المختلفة وجاء معهم إلى موقعة عين جالوت، ولا ندري إن كان قد قبل التعاون مع التتار لرغبة في نفسه، أم قبل ذلك مضطراً وهو يعد العدة لينفع المسلمين فهذا بينه وبين الله عز وجل، ولكن في موقعة عين جالوت قرر أن يخدم جيش المسلمين بقدر ما يستطيع، وقد نقل هذا الرسول إلى قطز ـ العلومات التالية:
أ ـ جيش التتار ليس بقوته المعهودة، فقد أخذ هولاكو معه عدداً من القادة والجند، فلم يعد الجيش على الهيئة نفسها التي دخل بها الشام، فلا تخافوهم.
ب ـ ميمنة التتار أقوى من ميسرتهم، فعلى جيش المسلمين أن يقوي جداً ميسرته التي ستقاتل ميمنة التتار.
ج ـ أن الأشرف الأيوبي أمير حمص سيكون في جيش التتار بفرقته،ومع صارم الدين أيبك، ولكنهم سوف ينهزمون بين يدي المسلمين..أي أن الرسالة تقول أن الاشرف الأيوبي قد راجع نفسه وآثر أن يكون مع جيش قطز، ولكنه خرج مع جيش التتار مكيدة لهم، وتفكيكاً لصفهم[1]. ومع ذلك أخذ المسلمون حذرهم، واستفادوا من هذه الأمور دون تفريط في الإعداد أوتهاون في الاحتياط والحذر.
  5 ـ الاشتباك مع المغول: كان سيف الدين قطز قد بعث الأمير ركن الدين بيبرس على رأس فرقة من الكشافة لاستطلاع أخبار العدو وتحديد مكانه، واشتبك بيبرس مع طلائع الجيش المغولي واستمر يناوشهم إلى أن وافاه السلطان قطز بالجيش الرئيسي عند عين جالوت في الخامس والعشرين من رمضان سنة 658هـ / سبتمبر 1260م حيث ألتقى الجمعان وذلك بعد طلوع الشمس وقد امتلأ الوادي بالناس وكثر صياح أهل القرى من الفلاحين وتتابع ضرب كوسات السلطان والأمراء ايذاناً ببدء الهجوم[1]، كان الجيش المغولي بقيادة كتبغا، وكان قطز يعرف جيداً تفوق جيشه في العدد على العدو، ولذا أخفى قواته الرئيسية في التلال القريبة ولم يعرض للعدو إلا المقدمة التي قادها بيبرس، ولما لبث كتبغا أن وقع في الفخ، إذ حمل بكل رجاله على القوات الإسلامية التي شهدها أمامه، فأسرع بيبرس في تقهقره إلى التلال بعد أن اشتدت مطاردة كتبغا له، فلم يلبث الجيش المغولي بأسره أن جرى تطويقه فجأة وجرت بين الطرفين معركة طاحنة، واضطربت قوات المماليك بعض الوقت[2] وانكسرت ميسرة المسلمين في بداية الأمر كسرة شنيعة، فحمل الملك المظفر بنفسه في طائفة من عساكره وأردف الميسرة حتى جبر ضعفها، ثم اقتحم القتال وأبلى في ذلك اليوم بلاء حسناً وهو يشجع أصحابه ويحسن لهم الموت في سبيل الله ويكر بهم كرة بعد كرة[3]، وألقى خوذته عن رأسه إلى الأرض وصرخ بأعلى صوته((وأسلاماه)) وحمل بنفسه وبمن معه حملة صادقة فأيده الله بنصره، ولم تنقضي سوى ساعات حتى بدأ تفوق المسلمين في الميدان،وسحقت زهرة القوات المغولية، ومر العسكر في إثر التتار إلى قرب بيسان، فرجع التتار،والتقوا بالمسلمين لقاءً ثانياً أعظم من الأول، فهزمهم الله وقتل أكابرهم وعدة منهم، وكان قد تزلزل المسلمون زلزالاً شديداً، فصرخ السلطان صرخة عظيمة، سمعه معظم العسكر وهو يقول: ((وأسلاماه)) ثلاث مرات:يا الله انصر عبدك قطز على التتار)) فلما انكسر التتار الكسرة الثانية نزل السلطان على فرسه ومرغ وجهه على الارض وقبلها وصلى ركعتين لله تعالى ثم ركب، فأقبل العسكر وقد امتلأت ايديهم بالغنائم[4]، واستمر ركن الدين بيبرس في مطاردة فلول المغول حتى افامية فوجدهم قد تجمعوا بها ووحدوا صفوفهم للمرة الثالثة استعداداً لمواجهتهم، فهاجمهم بكل شجاعة وكسرهم كسرة شنيعة وغنم منهم اموالاً طائلة وخيولاً كثيرة[1].
6 ـ تحرير دمشق وبلاد الشام:لم تنته مهمة الملك المظفر بعد ما زال هناك تتار في دمشق، وحمص وحلب وغيرها من المدن الشامية فكانت دمشق هي أولى المحطات الإسلامية التي تقع تحت سيطرة التتار، وهي تقع على مسافة مائة وخمسين كيلو متراً تقريباً من عين جالوت إلى الشمال الشرقي منها، فقبل وصوله إلى دمشق أرسل رسالة عظيمة تحمل بشريات النصر الكبير   ))[1]. وصل الخبر لأهالي دمشق قال ابن كثير: واتبع الأمير ركن الدين بيبرس البندقداري وجماعة من الشجعان التتار يقتلونهم في كل مكان، إلى أن وصلوا خلفهم إلى حلب وهرب من بدمشق منهم وكان هربهم منها يوم الأحد السابع والعشرين من رمضان صبيحة النصر الذي جاءت فيه البشارة بالنصر على عين جالوت فتبعهم المسلمون من دمشق يقتلون ويأسرون وينهبون الاموال فيهم ويستفكون الاسارى من أيديهم قهراً ولله الحمد والمنن على جبره الإسلام ومعاملته إياهم بلطفه الحسن، وجاءت بذلك البشارة السارة.
7 ـ موقف هولاكو من الهزيمة:رغم أن هذه الهزيمة لم تلحق بشخص هولاكو نفسه فإن تلك الهزيمة الثقيلة التي مني بها جيشه وقتل فيها قائده العظيم كيتوبوقا، تعد صدمة عنيفة هزت كيانه وهو بعيد عن مسرح الحوادث، فتأثر لذلك وحاول أن يمحو ذلك العار الذي لحق بجيوشه بارسال حملة جديدة إلى الشام، في محاولة يائسة للانتقام من المسلمين، غير أن الظروف في ذلك الوقت لم تمكنه من ذلك[1]، إذ لم يستطع التقدم غرباً لمساعدة جيوشه المهزومة في عين جالوت لانشغاله في حروبه مع منافسيه من أهل بيته وعلى رأسهم ابن عمه زعيم القبيلة الذهبية، واكتفى هولاكو بأن عمل على مراسلة الخان الاعظم في قراقورم أخبره بما حل بالمغول في بلاد الشام من هزيمة على يد سلطان مصر، فما كان من الخان الاعظم إلا أن اصدر مرسوماً يقضي بإعطاء هولاكو البلاد الواقعة بين نهر جيحون حتى بلاد الشام، قاصدأ بذلك ـ على ما يبدو ـ رفع معنويات هولاكو وجيوشه وتشجيعه على معاودة حرب المماليك، وبدأ هولاكو يستعد لحرب المسلمين، لكن الموت عاجله في سنة 663هـ /1265م فتوفي دون أن يحقق حلمه بضم مصر والشام إلى ممتلكاته.
8 ـ ما قيل من شعر في عين جالوت:نظم شهاب الدين محمود قصيدة مدح فيها الأمير الظاهر بيبرس بسبب انتصار المسلمين في عين جالوت فقال:
                   سر حيث شئت لك المهيمن جار
                                                        واحكم فطوع مرادك الاقدار
                            لم يبق للدين الذي أظهرته
                                                        يارُكنه عند الاعادي ثارُ
                            لما تراقصت الرؤوس وحركت
                                                        من مطربات قسّيك الاوتار
                            حملتك أمواج الفرات ومن رأى
                                                        بحرا سواك تقله الانهار
                            وتقطعت فرقاً ولم يك
                                                        طودها إذ ذاك إلا جيشك الجرار
                       رشّت دماؤهم الصعيد فلم يطر
                                                        منهم على الجيش السعيد غبار
                            شكرت مساعيك المعاقل والورى
                                                        والتُربُ والآساد والاطيار
                            هذي منعت وهؤلاء حميتهم
                                                        وسقيت تلك وعمّ ذا الإيسارُ
                             فلأملأن الدهر فيك مدائحاً
                                                         تبقى بقيت وتذهب الاعصارُ.


 

















السهل ا لذي  اعتقد انه جرت فيه موقعة عين جالوت 






ما ذ كر في كتب التاريخ عن موقعة عين جالوت 





 

 
                                                                   المصدر المعتمد في البحث 
السلطان سيف الدين قطز
ومعركة عين جالوت
في عهد المماليك   







         





مشاركة مع اصدقاء