تحضير مادة اللغة عربية - الادب الجزائري الجزء 02 النثر - مسابقة اساتذة الابتدائي 2016 - مدونة الرسائل الجامعية العربية

الخميس، 24 مارس 2016

تحضير مادة اللغة عربية - الادب الجزائري الجزء 02 النثر - مسابقة اساتذة الابتدائي 2016

تحضير مادة اللغة عربية - الادب الجزائري الجزء 02 النثر  - مسابقة اساتذة الابتدائي 2016



الأشكال النثرية التقليدية في الأدب الجزائري الحديث.
( الخطابة - الرسائل - أدب الرحلة - المقامات )

الخطابة:

الخطابة من أقدم الفنون النثرية عند العرب ، وقد انتشرت انتشارا
ملحوظا في العصر الجاهلي لأنها تلائم ظروف ذلك العصر رغم أننا لا نجد كثيرا
من الخطب التي قيلت في ذلك العصر لعدم التدوين آنذاك ، ثم تطورت الخطابة
بعد ظهور الإسلام وتغيرت في أسلوبها ومحتواها نظرا للعقيدة الجديدة وطريقةنشرها ، ولكنها في العصر الأموي رجعت إلى ما يشبه عهد الجاهلية من حيث
الدفاع عن القبيلة ولكنها القبيلة السياسية أو الحزب السياسي ، وقد استمرالصراع أيضا في عهد العباسيين وتنوعت الثقافة العربية وتنوعت مشاربها
لتستوعب ثقافات أخرى. وحين تدهور الأدب في عصر الانحطاط باتت الخطابة
تقليدا أكثر منه إبداعا ومالت إلى الرتابة فظهر التكلف في أسلوبها وطابعها العام
واختصرت أغراضها على المناسبات الدينية.
وكان يمكن أن تستمر الخطابة على هذا النحو في الجزائر بعد الاحتلال لولا
ظهور الأمير عبد القادر وبعض المثقفين الذين ملكوا ناصية القول وأدركوا خطر
الخطابة في الدعوة إلى الجهاد واستنفار الذين يحاربون الأعداء خاصة وأن فترة
الاحتلال كانت تساعد على هذا اللون من النثر .
والنماذج التي بقيت لنا من تلك الفترة تدل على أن الخطابة تحررت من أسلوب
السجع المتكلف المقصود لذاته ومالت إلى البساطة في التعبير والقصد في القول
دون إطناب إلا في المناسبات التي تتطلب الكثير من الإقناع . فخاصية الحماسةفي تلك الخطب من أبرز السمات التي نلحظها في إنتاج الخطباء في ذلك العصر
لأن الخطيب كان في موقف يحتاج معه إلى أن يدعو الناس إلى القتال ومكافحة
الفرنسيين الغزاة. وهناك خاصية أخرى بارزة للعيان وهي أن النظرة الدينية
تطغى في الخطب التي بقيت من تلك الفترة ، أما الخاصية الثالثة التي نلحظها
في هذه الخطب فهي أن أسلوبها واضح لا تكلف فيه وأن السجع يأتي تلقائيا
والعناية به ليست مقصودة ، وعلى العموم فإن الخطباء في تلك المرحلة قد
خطوا بالخطابة خطوة طيبة من حيث الصياغة فتحررت من الركاكة والتعقيد
وأصبحت فنا هدفه الإبانة والإفصاح عن الرأي لا التلاعب بالألفاظ والتقليد
الجامد للأقدمين .
وكما ذكرنا فإن الحرب ضد المستعمرين وظروف الصراع أسهمت في أن تصبحوظيفة الخطابة هي التعبير عن قضية وطنية أو عن عقيدة روحية بدل أن كانت
قبل الاحتلال تعبيرا عن موضوعات مستهلكة مكررة.
فالأمير عبد القادر في إحدى خطبه يوضح موقفه تجاه السلم والحرب خاصة
حيين نقض الأعداء إحدى المعاهدات ، فلا يجد سوى هذا الأسلوب الحماسي
الذي يحث على القتال طريقا لاستنهاض الهمم وبعث النخوة في النفوس حين
يقول : " أما بعد ، فلا يخفى أن الله تعالى قال في كتابع المجيد : " يا أيها الذين
آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة". وقال : ص وقاتلوهم
حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله ".
فالبداية بالقرآن تحرك همم الجنود وتساعد على التأثير في نفوسهم وتهيئهم لأن
يقتنعوا بالأفكار التي حث فيها على قتال الفرنسيين بعد أن نقضوا العهد.يقو ل
:"وهؤلاء القوم قد عاهدناهن فنكثوا وصدقناهم فغدروا وصابرناهم فلم يصبروا
وإن تركناهم وشأنهم فلا نلبث أن نراهم قد فتكوا بنا على حين غفلة".
ونحس من هذه التعابير تأثرا بأسلوب علي بن أبي طالب وطريقته في مراعاةالفواصل والمقابلة بين الكلمات والعناية بتوليد الصيغ والمعاني ، وإذا لاحظنا
السجع فإنه غير متكلف كما أنه ليس عاما في خطبه وليس مقصودا لذاته ثم أن
الأمير لا يطيل في خطبه ولا يطنب بحيث لا نحس بالملل حين نقرأ خطبه وإنما
يوجز بصورة واضحة.
أما بعد الأمير فقد تدهورت الخطابة وضعفت لظروف تتصل بالحياة الأدبية
والثقافية والفكرية والسياسية ، فقد هيمن الاستعمار على الواقع وكان تأثيره
قويا على أداة الخطابة أي على اللغة العربية التي ضعفت بل كادت تختفي منالحياة الأدبية والثقافية الأمر الذي أثر في أسلوب الخطابة كما أثر في أسلوب
غيرها من الفنون الأدبية والنثرية خاصة بعد منتصف القرن التاسع عشر وكان
أن انحصرت الخطابة في المساجد والزوايا وباتت تقليدا لعصور الانحطاط بل
أشد ضعفا منها من حيث أسلوبها أو موضوعها.
ولكن بعد أن انتشرت الأفكار الإصلاحية واتصلت الجزائر بمن حولها ونشأت
النوادي والجمعيات الثقافية وانتشرت الصحافة الوطنية كل ذلك أدى إلى ظهور
خطابة متطورة في أسلوبها ومضمونها وموضوعها .
وقد تكونت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في مرحلة كانت تحتاج فيها إلى
خطباء فصحاء يدعون إلى أفكارها وينشرون مبادئها بين الناس ، ذلك أن بث
الفكرة الإصلاحية يتطلب قدرة على الإقناع واتصالا مباشرا بالجماهير في شتى أنحاء الوطن فكانت الخطابة أداة صالحة لإذاعة هذه الأفكار واستنهاض الهمم.
ويأتي في مقدمة خطباء الإصلاح الشيخ عبد الحميد بن باديس والبشير
الإبراهيمي والطيب العقبي وأحمد توفيق المدني وغيرهم ممن بقيت بعض آثارهم
مسجلة في صحف جمعية العلماء مثل "الشهاب" و"البصائر " و " السنة " و
"الصراط" وغيرها من المصادر.
وإلى جانب هذا الاتجاه الإصلاحي في الخطابة وجد اتجاه آخر يركز على الناحية
السياسية الوطنية ويهاجم الاستعمار بجرأة وصراحة فائقة ويمثل هذا الاتجاه
خطباء حزب الشعب ، وقد كان فيهم من الخطباء باللغة القومية من لا يختلف
عن خطباء الحركة الإصلاحية فصاحة وبلاغة وقدرة على الارتجال .
على أنه لابد من التفرقة بين الخطابة لدى الإصلاحيين ورجال حزب الشعب
ومنشأ هذه التفرقة يأتي من أن الموضوع يختلف إلى حد ما ، فالطابع العام الذيتتسم به خطب المصلحين هو طابع الدين والوعظ بينما خطب رجال حزب الشعب
يغلب عليها طابع السياسة والحماسة والانفعال والهجوم على الاستعمار .
وحين يكون الحديث عن الخطابة لدى المصلحين فإن الذهن يتجه إلى الشيخ ابن
باديس الذي سبق الجميع في الدعوة إلى الفكرة الإصلاحية ،وابن باديس فيخطبه لا يركز على غرض واحد بل نجده حينا يركز على الدين وحينا على
الإصلاح وأحيانا أخرى على السياسة والإصلاح معا وعلى التربية والأخلاق في
أوقات كثيرة. ومن سماته في خطبه أنه لا يتكلف أو يتظاهر بالفصاحة كما أنه لا
يستخدم الخطابة لإظهار قدرته على القول وإنما يستخدمها ليؤكد أغراضه
وأهدافه الإصلاحية والوطنية.كما أن ابن باديس كان يمزج بين الإصلاح
والسياسة والوطنية في مناسبات كثيرة فهو لا يفتأ معرضا بالاستعمار من جهة
وحاثا رجال الجمعية على المقاومة من جهة أخرى. أما عن أسلوب ابن باديسفهو يمتاز بالوضوح والدقة واختيار الألفاظ وتفصيل القول ولكنه قد يستخدم
السجع في أحيان قليلة ويكون عفو الخاطر لا يقصد إليه قصدا .
ويأتي الشيخ البشير الإبراهيمي في مقدمة من أشرنا إليهم من الخطباء البلغاء ،
فقد ملك ناصية القول واستوعب البيان العربي وتبحر في اللغة العربية وآدابها
وامتاز بالقدرة على توليد الكلام وامتاز بالموهبة الأدبية وعرف بالارتجال ،
ولكن خطبه لم يبق منها إلا القليل فقد تنقل في ربوع كثيرة وخطب في المحافل
الكثيرة داخل الوطن وخارجه ولو اكتشفت كل آثاره في هذا الميدان واطلع عليها
الباحثون فربما تغيرت النظرة نحو الخطابة الأدبية في الجزائر.
ولا شك أن الشيخ الإبراهيمي يمتاز بأسلوبه الخاص في النثر خطابة أو مقالا
فهو في تعبيره يميل إلى الجزالة والفخامة ويعنى بأساليب البلاغة العربية منجناس وطباق وتورية وتشبيه واستعارة وما إلى ذلك من أنواع البديع والبيان .
فهو من هذه الناحية ينتمي إلى مدرسة البلغاء العرب المشهورين بالقدرة على
توليد المعاني والاحتفال الذي يأتي عفو الخاطر أو يقصد لذاته أحيانا.
ففي خطبة قالها بمناسبة مهرجان شوقي بالقاهرة نرى الخطيب يحتفل بالسجع
كقوله : " حياكم الله وأحياكم ، وأبقاكم للعروبة تحيون مآثرها وتجددون مفاخرها
وللعربية توفون بعهودها وتقومون بحقوقها ".
وهناك خطيب آخر شهر أيضا بالقدرة على الارتجال والنفس الطويل وهو الشيخ
الطيب العقبي الذي كان من رجال الحركة الإصلاحية البارزين وقد عرف بخطبهالإصلاحية التي تهاجم البدع والخرافات وتدعو إلى التحرر من رواسب الماضي، وهو من الخطباء المشهورين في العصر الحديث ولكنه لم يلق العناية الكافية
من الباحثين.
وجملة القول أن الخطابة في النثر الجزائري الحديث إذا كانت قد استندت
على التراث العربي القديم وتأثرت بالأساليب العريقة فيه إلا أنها اختلفت من
حيث المحتوى والموضوع من جهة وتحررت من الزخرف اللفظي ومالت إلى
الوضوح والبيان العربي الأصيل من جهة أخرى ، فأعادت بذلك للأسلوب العربي
مكانته في الأدب الجزائري.
وحين قامت ثورة نوفمبر فتحت مجالا جديدا خصبا للخطباء ، واستخدمت
الخطابة أداة ووسيلة لتعميق المفاهيم الثورية في أذهان جنود جيش التحرير
وأفراد الشعب بوجه عام ولكن لسوء الحظ فقد ضاع معظم هذه الخطب.
أما بعد الاستقلال فإن الظروف تغيرت وتغير موضوع الخطابة لتغير الواقع
وربما أمكن القول بأنها ضعفت من حيث صياغتها لن العناية بها من الناحية
الأدبية الفنية قد قلت وأصبح الهدف هو التعبير عن الفكرة وتوصيلها إلى
الجماهير بقطع النظر عن الجمال الأدبي.
نماذج من الخطب :
الأمير عبد القادر :
من خطبة قالها الأمير عبد القادر متوجها فيها إلى جنوده يدعوهم لتلبية نداء
الجهاد ، يقول : " فهيا بنا أيها المسلمون إلى الجهاد ، وهلموا إليه باجتهاد
وارفعوا عن عواتقكم برود الكسل وأزيلوا من قلوبكم دواعي الخوف والوجل .
أما علمتم أن من مات منكم شهيدا ومن بقي نال الفخار وعاش سعيدا ".
عبد الحميد بن باديس :
في إحدى خطبه عام 1937 يشيد بالعروبة والعربية معا يقول :
" ..أما بعد فحياكم الله أبناء العربية والإسلام وأنصار العلم والفضيلة ،حوربتفيكم العروبة حتى ظن أن قد مات منكم عرقها ، ومسخ فيكم نطقها فجئتم بعد
قرن تصدح بلابلكم بأشعارها فتثير الشعور والمشاعر وتهدر خطباؤكم بشقاشقها
فتدك الحصون والمعاقل ويهز كتابكم أقلامها فتصيب الكلى والمفاصل ".
الشيخ البشير الإبراهيمي :
هناك خطبة للإبراهيمي ارتجلها بمناسبة اختتام تفسير ابن باديس للقرآن ، جاء
فيها : "ما أشرقت شمس في الجزائر الحديثة على مثل يومكم بالأمس . ولقد
مضى بجلاله وروعته ولم ينطق في وصفه لسان بكلمة ولا اختلجت من نعته
شفتان بحرف ، لا زهدا فيه ، ولا عدم عرفان لحقه ، ولا غبنا لحقيقته ... وإنما
هو كلام الله وبيت الله عقدا الألسنة بجلالها وحبسا النفوس على جمالها".

فن الرسائل:

المعروف أن هذا اللون من النثر بدأ يزدهر في الأدب العربي منذ عصر التدوين
وخاصة حين أنشئت المكاتبات الديوانية واتسعت رقعة الخلافة العربية الإسلامية
فكان لابد من كتاب ينقلون أوامر الخلفاء إلى الولاة ومن هنا بدأت العناية
بالرسائل وأساليبها ، وقد اتسمت كتابة الرسائل بخصائص معينة منها الملاءمةبين الموضوع والأسلوب والعناية بالصياغة وبالسجع ومراعاة الفواصل بهدفإحداث المتعة الأدبية ، ولكن بعد هذا أصبحت الكتابة تكلفا ومالت إلى إظهار
البراعة اللفظية كما كثر فيها البديع بشتى أنواعه وتحجرت طرق البيان وتجمد
الأدب حتى بلغ نهايته في عصر الأتراك ومن قبله عصر الانحطاط .
وعندما احتلت الجزائر عام 1830 كانت هناك بقية من هذه الأساليب قد انحدرت
من عصر الحكم العثماني كما بقيت آثار عن الثقافة العربية الأمر الذي يمكن معه
البحث عن أسلوب جديد بأتم معنى الكلمة.
ويمكن التمييز بين اتجاهين في الرسائل من حيث الأسلوب :
الاتجاه الأول هو الذي يبدي فيه الكاتب مشاعره ويعبر عن عواطفه كما تظهر
فيه ثقافته وتمكنه من اللغة العربية ويمثل هذا الاتجاه "حمدان خوجة" في رسالة
له كتبها لشيخه "سيدي علي بن محمد" من لندن حين سافر إليها ، نلمس فيها
جزالة في الأسلوب وهو يعبر له عن اعترافه بالجميل ويظهر وفاءه له وتعلقهبه وشوقه إليه ، ومنذ البداية نلمس التقليد في خصائص هذا اللون من الأدب
فالكاتب يبدأ رسالته بالحمد والصلاة على الرسول (ص) ثم يوجه الخطاب إلى
شيخه يمدحه ويشيد بفضله عليه .
والاتجاه الثاني هو الذي يعمد فيه الكاتب إلى البساطة والوضوح دون قصد
للجمال الأدبي ودون عناية كبيرة بالصياغة بحيث اختفى أسلوب السجع والبديع
بشكل ظاهر وطوعت فيه اللغة للتعبير بسهولة ويسر ، ويتضح هذا الأسلوب في
رسائل الأمير عبد القادر للقائد الفرنسي بيجو ولغيره من الحكام الفرنسيين.
وطريقة الأمير في هذه الرسائل أنه يتناول موضوعه أحيانا في ايجاز وأحيانا
أخرى في تفصيل ولكنه في كلتا الحالتين لا يكثر من المقدمات وإنما يدخل
مباشرة في الموضوع.
ومن نماذج هذا النثر السياسي أيضا الرسائل التي كتبها أحمد باي والي قسنطينة
إلى الباب العالي في تركيا وهي في مجملها تعالج موضوع الاحتلال وطلب النجدة
من تركيا لإنقاذ الجزائر وتعكس الحالة التي كانت عليها البلاد في ذلك الوقت .
وإلى جانب هذين الاتجاهين وجد لون من الرسائل في أواخر القرن التاسع عشر
لا يرقى إلى أن يكون أدبا أو فنا لا من حيث الأسلوب ولا من حيث المحتوى
يمثل هذا اللون رسائل " محمد الشاذلي القسنطيني" .
وقد تدهور أسلوب الرسائل بعد ذلك أي في أواخر القرن التاسع عشر تدهورا
ملحوظا بحيث لا نجد في هذه الفترة إلا نوعا من الرسائل كتبها بعض
الجزائريين لا بهدف التعبير عن الذات أو الكشف عما في النفس وإنما كتبت
كقوالب محفوظة جاهزة يكتب على نسقها من وقعت له حادثة ويريد أن ينقلها
إلى الإدارة .
أما في ظل الحركة الإصلاحية فقد استعاد هذا الفن كثيرا من أصالته فيما يخصاللغة والعبارة ، أما من حيث الأسلوب والطريقة فالواقع أن الرسائل أصبحت
تميل إلى الوضوح والدخول مباشرة في الموضوع.
على أنه يمكن القول بأن أسلوب الرسائل قد تطور في العصر الحاضر بالرغم من
أن النصوص لا تساعد على حكم موضوعي وإنما من بعض ما عثرنا عليه
أدركنا أن الكتاب المعاصرين لا ينشرون رسائلهم ولو نشرت لعثرنا على كنز من
الأدب والمشاعر.

نماذج من الرسائل:

مقتطف من رسالة "حمدان خوجة
" الحمد لله وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم . سعدت إذ
سعدت بك الخليقة ، واستنرت إذ كنت مظهر أنوار الشريعة والحقيقة ، وقابلك
باليمن دهر ختم بمعاليك كمالاته ، وواجهك سعد السعود إذ توجك أنفس هالاته
فكنت يمين اليمن والبركة وقدوة السكون والحركة ، تنثال لديك طرائف المعارففتقتبس ، وتنتمي إليك معاقد المعالي فلا ترام ، ولا تختلس حتى أيقنت الأفاضل
بأنك مدار الشرف وأذعنت الأعادي بسعادة كونك بقية السلف على السر
المصون ، حامل لواء الإمارة من العلم المكنون ، تاج الملة الحنيفية ومجدد
تاجها ونتيجة الهمم العالية ومادة نتاجها ".
مقتطف من رسالة الأمير عبد القادر إلى الجنرال بيجو
" أما بعد ، فقد وصلني كتابكم واحتطت به علما ، فذكرتم أن دولة فرنسا أمرتكمبإجراء الصلح إن أمكن وإلا فاستعمال السيف ، مع أن دولة فرنسا تعرف أنني
أشد الناس رغبة في حصول العافية وأشدهم بغضا لسفك الدماء بدون موجب
شرعي ، وأنها لتعلم أنني راغب في عقد الصلح وإقامة دعائمه على أساس قويلا يتضعضع ويشهد لذلك ما خابرتها به على يد سفيرها في طنجة فإن ساعدتالعناية الإلهية على إجراء هذا الأمر على يدكم ، فهو دليل على صفاء طويتكم
لعباد الله تعالى ، وصدق خدمتكم للدولة والشعب معا ".

أدب الرحلات :

أدب الرحلات من الفنون الأدبية التي شاعت لدى العرب منذ القديم ، والواقع أن
هذا الفن موغل في القدم عرفته قبل العرب أمم أخرى كالفراعنة والفنيقيين
والرومان والإغريق ثم جاء الرحالة العرب الذين جابوا الآفاق واشتهر منهم
كثيرون مشرقا ومغربا أمثال ابن جبير وابن بطوطة والادريسي وغيرهم نقلواإلينا ما كان يضطرب في العصور السابقة وشاهدنا من خلال رحلاتهم مستوى
الحضارة التي بلغتها الشعوب .
وقد أسهم الرحالون الجزائريون في عصر الأتراك بمجهودات في هذا المجال
ومارس هذا الفن كتاب كثيرون ولا سيما تلك الرحلات التي كان يقصد منها لقاء
شيوخ الطرق الصوفية والاجتماع بهم أو السفر لأداء فريضة الحج ، ومن
أشهر الرحالة الجزائريين في تلك الفترة "أحمد بن عمار " و " محمد بوراس
المعسكري" كذلك " الورتلاني" الذي جمع في رحلته بين الأدب والتاريخ .
أما عن الرحلات الجزائرية في العصر الحديث فهناك العديد منها ولكننا سنتوقف
عند البعض لنلاحظ موضوع كل رحلة وأسلوبها وثقافة الرحالة واهتمامه .
وبالنسبة للقرن التاسع عشر أمامنا نموذجان للرحلات :
الرحلة الأولى قام بها "محمد السعيد بن علي الشريف" إلى فرنسا عام
1852 لحضور المهرجان الضخم الذي أقيم احتفالا بتنصيب نابليون الثالث وقد
اهتم في رحلته بأمور وظواهر كثيرة بسبب ثقافته المتنوعة ، فحينما قدر له أنيزور بيئة جديدة عليه لم يكن مجرد سائح أو مسجل لمشاهد رآها بعينه وإنما
حاول أن يستخلص بعض النتائج وأن يقارن بين الجديد الذي شاهده وبين القديم
في بيئته ،وساعدته على ذلك ثقافته الفرنسية التي تكونت له بعد أن أظهر ولاءه
للحكام الفرنسيين وخاصة الماريشال بيجو وارتبط بالإدارة الفرنسية التي
استدعته ليكون ضمن الوفد المسافر إلى المهرجان المشار إليه .
أما الرحلة الثانية فقد قام بها "سليمان بن الصيام" حيث زار فرنسا في الوفد
نفسه وقد عنى ابن الصيام في رحلته بالوصف : وصف الطبيعة والآثار
والقصور التي شاهدها والقطار والباخرة ووصف المسارح .
والرحلتان تتفقان في روح المجاملة للإدارة الفرنسية التي أوفدتهما لحضور
المهرجان والتي يعملان في خدمتها ، ومهما يكن من أمر فإن هاتين الرحلتين
تمثلان نموذجا طيبا لفن الرحلات في الأدب الجزائري الحديث ،هذا عن الرحلاتفي القرن التاسع عشر أما في القرن العشرين فقد اختلفت عما سبقها من حيث
الهدف والاتجاه كما اختلفت مضمونا وأسلوبا ، ففي حين اتجهت الرحلتان
السابقتان إلى خارج الوطن وكانتا تخدمان ما قصدته الإدارة الفرنسية من
التنويه بمظاهر الحضارة والتقدم في فرنسا والإشادة بعظمتها فإن الرحلات التي
جاءت في القرن العشرين والتي قام بها في الغالب رجال الحركة الإصلاحية اتجه
بعضها إلى داخل الوطن بهدف بث الفكرة الإصلاحية ونشرها بين جماهير الشعب
ودعوتهم إلى اليقظة والنهوض ، كما اتجه البعض منها إلى المشرق العربي
والبعض الآخر إلى أوروبا والاتحاد السوفييتي ،وكان الهدف منها أيضا خدمة
الشعب الجزائري بالتعريف بقضيته من جهة وبنقل مشاهدات تفيده من قريب أو
بعيد من جهة ثانية .كذلك فإن المحتوى والأسلوب قد اختلف في النوعين إلى حد
كبير.
وقد كانت رحلات رجال الحركة الإصلاحية في الداخل تصور مدى تعلق الشعببالحركة وبعلمائها نلمس هذا في رحلات الشيخ ابن باديس التي سجلها لنا
وأبرز فيها زياراته المختلفة لمدن وقرى القطر الجزائري وهو يطلق عليها لفظ
"تنقلات" فيقول : " ع  رفتني تنقلاتي في بعض القرى ما في قلوب عامة المسلمين
الجزائريين من تعظيم للعلم وانقياد لأهله إذا ذكروهم بحكمة وإخلاص".
ويصرح بأن هدفه من وراء رحلاته تذكير الناس بدينهم وحثهم على الرجوع
إليه ، ثم يأخذ في وصف جولاته هذه ويذكر أسماء مدن وقرى كثيرة ويتحدث
عن المساجد ويدعو إلى بناء مثلها كما يذكر أسماء شخصيات معروفة التقى بها
من هنا وهناك .
ولا شك أن الشيخ البشير الإبراهيمي كذلك له رحلات كثيرة داخل الوطن
وخارجه ويبدو من بعض ما نشر منها أن أسلوبه يمتاز إلى حد كبير بما عرف
عنه من عناية بالصياغة والبيان والجمال الأدبي .
أما بالنسبة لما نشر من رحلاتهم إلى خارج الوطن فإنه يلفت نظرنا منها رحلتان
كتبتا قبل الثورة .
الرحلة الأولى قام بها عام 1950 الأديب "أحمد رضا حوحو" إلى الاتحادالسوفييتي ولعله أول كاتب جزائري يذهب إلى هذا البلد الصديق ، وقد سجلحوحو في رحلته هذه ما شاهده من تطور حضاري وصناعي وتقدم ثقافي في
روسيا وحاول أن ينقل صورة صادقة للبيئة الجديدة التي ذهب إليها ، ولذا فإنقيمة الرحلة في موضوعها ومضمونها وما قدمته من معلومات وأشياء جديدة
أما من جهة أسلوبها فإنه يغلب عليه اللون الصحفي ويبتعد عن الأسلوب الفني.
أما الرحلة الثانية فكانت إلى المشرق العربي وقد كتبها "محمد المنصوري
الغسيري" حين ذهب عام 1953 مع وفد من الكشافة الإسلامية الجزائرية إلىمصر ومنها انطلق مع الشيخ البشير الإبراهيمي إلى الحج ثم إلى بعض أقطار
المشرق ، وهو لم يكتف في رحلته بتسجيل مشاهد وصور بل عبر فيها عن
انطباعاته ومشاعره وأحاسيسه بما يرى ولكن من زاوية العالم المصلح الذييدعو إلى فكرة معينة ويلح عليها ، وأاجرى فيها مقارنة بين واقع المشرق
العربي الذي تحررت معظم أقطاره من الاستعمار وبين الواقع المؤلم الذي يعيشه
الشعب الجزائري، وفي مواقف كثيرة يستشهد بالشعر مما ينبئ عن ثقافة عربية
واسعة.

نماذج من أدب الرحلة :

رحلة محمد السعيد بن علي الشريف إلى فرنسا:
لقد أفاض هذا الرحالة في وصف أخلاق أهل باريس، وصفهم بالذكاء ودقة الفهم
فيقول " فهم مولعون بحب المعرفة والتدليل على ما يقولون ". كذلك فهم سريعو
التغيير والتبديل فيقول في معرض وصفه لطبائعهم :" ولهم محبة في تبديل
وتغيير سائر الأمور لاسيما اللباس فإنه غير مقرر عندهم وليس ذلك التغيير كليا
وإنما ينتقلون من القلنسوة إلى الشاشية ، يلبسون البرنيطة على شكل ، ثم
ينتقلون بعده إلى شكل آخر ، سواء في صورتها أو شكلها ، ومن عاداتهمالمهارة والخفة ، فإن صاحب القدر تراه يجري في الأزقة كالصبي ، ولهم
طيشان وتلون ، فينتقل الإنسان من الفرح إلى الحزن وبالعكس ومن الجد إلى
الهزل وبالعكس إلى أن يرتكب في اليوم جملة ، أمور متضادة ، هذا في غير
الأمور الهامة ".
رحلة أحمد رضا حوحو إلى الاتحاد السوفييتي:
وقد أطلق على رحلته عنوان " وراء الستار الحديدي" ، يقول في إحداها وهو
يصف الحياة الثقافية لدى السوفييت : " الثقافة في بلاد السوفييت طابع ممتاز
صبغت به كل ألوان الحياة هناك فلا مفر للكبير والصغير من الثقافة والتعليم
ووسائلها كثيرة متوفرة لكل راغب والإقبال على التعليم عظيم جدا لأنه هو طابع
الحياة في تلك البلاد يجده الإنسان أينما حل وارتحل ، في الحدائق ، في المسارح
في الكاتب العامة وحتى في المعامل ". ويمضي بعد ذلك متحدثا بالتفصيل عن
نظام التعليم هناك في كافة مراحله وكيف أن شعارهم "لا طفل خارج المدرسة ".
وفي حلقة أخرى يتحدث الكاتب عن النظام الاشتراكي في الاتحاد السوفييتي الذي
يقول عنه :" إذا أردت أن تفهم هذه الاشتراكية وتفهم كيفية تطبيقها فما عليك إلا
أن تفهم القاعدة البسيطة التي بنيت عليها هذه الاشتراكية وسارت على ضوئها
وهي :( لا يجوز استغلال الإنسان لأخيه الإنسان).

المقامات :

لما كان النثر الجزائري الحديث قد ارتبط بالتراث العربي وخاصة في الأشكالالتي ظهرت منذ القديم فإنه من الطبيعي أن يوجد شكل المقامة في هذا النثر،
وأن يكتب الأدباء الجزائريون مقامات أدبية بصرف النظر عن مستواها الفني .
وهناك كاتب جزائري ظهر في وقت مبكر وبرع في هذا اللون من الكتابة الأدبية
هو محمد بن محرز الوهراني الذي كتب مقامات ورسائل أدبية صور فيها بصدق
وبعبارة قوية بعض جوانب الحياة في المجتمع العربي في عصره .
وفي العصر الحديث يمكن التمييز بين أنواع ثلاثة من المقامات في النثر
الجزائري الحديث :
المقامة الصوفية والمقامة الأدبية الإصلاحية ثم المقامة الشعبية.
أما المقامة الصوفية فقد عبر فيها أصحابها عن نزعاتهم الروحية مثلما عبروا
عن ذلك بالشعر ، والأمير عبد القادر من الذين كتبوا ما يعتبر مقامة أدبية
صوفية نشرها في كتابه "المواقف" وصور فيها الموضوع الذي أرق المتصوفة
طويلا وهو موضوع " الحقيقة الإلهية" وكيف أنها تدرك بالذوق لا بالعقل ،
وهذه المقامة أشبه بالرحلة الدائرية من الأرض إلى السماء ثم من السماء إلى
الأرض ، والحركة فيها ليست حركة بالمعنى المألوف أي ليست حركة بالجسم
وإنما بالروح .
أما النوع الثاني فهو المقامة الأدبية الإصلاحية وقد عثرنا على واحدة منها يعود
تاريخها إلى عام 1903 كتبها "عمر بن أبريهمات" تحت عنوان "مقامة أدبية"
ولكنها في الواقع شبه مقامة وتتسم بطابع النقد ، وهذه المقامة تعالج موضوع
الصراع بين بعض المستشرقين وعلماء المسلمين فيما يتعلق بالثقافة والفكر
والأدب والتراث العربي الإسلامي ويبدو أن الكاتب استخدم أسلوب المقامة لأنه
أكثر تصويرا لغرضه واستخدم السجع جريا وراء عادة كتاب المقامة . ورغم أن
عنصر القص فيها ضعيف إلى حد ما إلا أن هذه المقامة تؤكد أن اللغة العربية
في تلك الفترة كانت ماتزال تتمتع بقوة التعبير التي ساعدتها على الاستمرار
والتطور نسبيا رغم ما عاشته من ظروف صعبة قاسية ، على أن المقامة الأدبية
النقدية تطورت في موضوعها ومضمونها في العشرينيات من القرن الماضي
لظروف معروفة وفي مقدمتها ظهور الحركة الإصلاحية بل وتطورت في أسلوبها
أيضا بسبب النهضة الأدبية التي ساعدت على إحياء اللغة العربية.
أما النوع الثالث من المقامات فهي المقامة الشعبية التي توفرت فيها عناصرافتقدناها من المقامة الأدبية التي كتبت بالفصحى ، فقد صيغت بطريقة جديدة
وأسلوب جديد ، وهذا اللون الجديد في النثر الجزائري الحديث عالجه الكاتب
"محمد بن علي " الذي أطلق على مقاماته " المقامات العوالية في أخبار العلالية
على اللغة المغربية " وكتبها في السبعينات من القرن التاسع عشر. والظاهرة
التي أرقت الكاتب محمد بن علي هي ظاهرة الفقر فهو المحور الأساسي الذي
تدور حوله مقاماته الاثنتا عشر . ومدلول الفقر يتسع ليشمل الفقر المادي
المعروف وفقر الحضارة ، وإذا كان الكاتب لا يشير إلى سبب هذا التخلف في
صراحة فإنه يمكننا أن نستنتج أن المجتمع الجزائري في هذه الفترة عاش وضعا
شاذا من جراء السيطرة الأجنبية يضاف إلى ذلك أن الكاتب عرض - ناقدا أو
ساخرا - لمظاهر سلبية حدثت في عصره وعاقت الشعب عن التقدم والتطور.

-------------------

النثر الأدبي في الجزائر في النصف الأول من القرن
العشرين
) 1900-1950(
( المقال الأدبي - القصة القصيرة)

المقال الأدبي :

بداية نشير إلى أن المقالة الأدبية في الجزائر جاءت متأخرة عن المقال
الصحفي، فإذا كان الدارسون يذهبون إلى أن المقال الصحفي قد نشأ في منتصف
القرن التاسع عشر فإن المقال الأدبي في تقديرنا يرجع إلى القرن العشرين، ذلك
أن الصحافة العربية في الجزائر في القرن التاسع عشر كانت تخضع لإشراف
الإدارة الفرنسية أو لمستشرقين والذي كان يعني هؤلاء جميعا هو الخبر يساق
في أسلوب بسيط ليصل إلى الناس . ثم أن الكتاب الجزائريين ما كان يمكن لهم
في هذا الجو أن يعبروا عن إحساسهم ومشاعرهم سواء فيما يتصل بالمجتمعوقضاياه أو فيما يخص الطبيعة والحياة بوجه عام ، وإنما تم ذلك حين نشأت
الصحافة الوطنية في بداية القرن العشرين ، وأنشأ الجزائريون صحفا تعبر عن
أفكارهم ومواقفهم وتعبر بالتالي عن ذواتهم وآرائهم فيما يتعلق بالشعب
الجزائري ومطالبه . كذلك فإن هناك عوامل أخرى أسهمت في ظهور المقالالأدبي مثل الصلة بالمشرق واقتفاء الكتاب والأدباء لأثر المشارقة إلى جانب
الحركات السياسية والإصلاحية التي لعبت دورها في هذه اليقظة الفكرية ، الأمرالذي أسهم في أن تتعدد الأساليب وتظهر الأشكال الأدبية مثل المقال الذي ظهر
ليعالج مشاكل سياسية ثم إصلاحية ثم أدبية إصلاحية ثم أدبية صرفة ، بحيث
يمكن أن نقول أن ايمان الكتاب بدور المقال في الحياة الأدبية والفكرية
والاجتماعية قد أسهم في انتشاره وساعد على تطوره ، فقد نشأ أولا وأخيرا فيأحضان الحركة الإصلاحية التي كان كتابها يصدرون عن رؤية دينية إصلاحية
وينفعلون بما يكتبون ويعبرون عن مشاعرهم وأحاسيسهم تجاه المجتمع والحياة
ومن ثمة بدأ المقال الإصلاحي يتجه إلى مخاطبة العاطفة والتأثير في الوجدان ثم
التعبير عن الذاتية أو شخصية كاتبه.
وفي هذا المقام سنعنى بدراسة نوعين من المقال : المقال الأدبي الإنشائي
والمقال الأدبي الإصلاحي . وإذا كنا قد أفردنا لهذين النوعين هذه الدراسة
وميزناهما عن بقية أنواع المقال الأخرى فلأنهما يعبران عن شخصيات كتابهماوعن نظرتهم الخاصة وعن المزاج الخاص بكل كاتب ، وسنهمل المقالات التيتستخدم الأسلوب الخطابي المباشر رغم أنه هو الطابع العام للمقال والقصيدة
أيضا حتى قيام ثورة نوفمبر 1954 . وهذا الأسلوب الخطابي التقريري يلتقي
فيه معظم كتاب ما قبل الثورة سواء كانوا ينتمون إلى الحركة الإصلاحية أو إلىالطرق الصوفية أو من رجال الدين الرسميين بل وحتى كتاب المقالة السياسية
قد سيطرت على كتاباتهم بوجه عام روح الوعظ والأسلوب المباشر.
إذن هناك أنواع من المقال ظهرت في النثر الجزائري الحديث ، والعامل الأساسي
الذي ساعد على وجودها وتطورها وعلى انتشارها هو أن الصحافة قد لعبت
دورا هاما في إذاعة هذا الشكل النثري كما ساعدت على إذاغة غيره من أشكال
التعبير نثرا وشعرا.
وإذا أردنا أن نرصد التيارات التي ظهرت في هذا الشكل فإننا سنجد تيارات
مختلفة تبعا لاتجاه الكاتب وانتمائه الفكري .
فإذا كان الكاتب ينتمي إلى الاتجاه المحافظ فإن أسلوبه تقليدي مباشر وفكره
رجعي متخلف ولغته متكلفة لا روح فيها ويمثل هذا الاتجاه تلك الفئة التي
درست في الزوايا وفي مراكز الطرق الصوفية ، كذلك فإن الذين ثقفوا ثقافة
مزدوجة نلحظ في مقالاتهم تقليدا وضعفا من حيث الأسلوب واللغة ولكن نلحظتجديدا من حيث الأفكار والنظرة إلى الواقع ، ثم هناك رجال الفكر الإصلاحي
وهم الذين تأثروا بالثقافة العربية وبتراثها العريق وبنهضتها الحديثة في شتى
الميادين الثقافية والأدبية والفكرية ، وهؤلاء يمكن أن نميز فيهم نوعين من
كتاب المقالة :
النوع الذي اهتم بالفكرة وتوصيلها بأسلوب صريح مباشر وعناية ببعضخصائص الأساليب العربية والبيان العربي دون اهتمام كبير بجمال التعبيروصياغته صياغة يقصد من ورائها اللذة الأدبية وهذا النوع هو الأكثر في
الكتابات الإصلاحية ، ويأتي في مقدمة هؤلاء الشيخ "عبد الحميد بن باديس " و
"العربي التبسي" و " مبارك الميلي " وغيرهم من كتاب المقال الإصلاحي الذي
يغلب عليه الطابع الذهني والروح الدينية وقليل من العناية بالجانب الفني الأدبي،
وينتمي لهؤلاء من يكتب المقالات السياسية التي يراعى فيها قدرا من الجمال
الأدبي مثل " أحمد توفيق المدني" وبعض كتاب "حزب الشعب" الذين كانوا
يتصدون للقضايا الوطنية بعد الأربعينات.
أما النوع الثاني من كتاب المقالة الإصلاحية فهم أولئك الذين عنوا إلى جانب
الفكرة بالتعبير والتصوير واهتموا باللغة لا من حيث نقاؤها وصفاؤها كما فعل
السابقون بل عنوا بها من حيث الإيحاء وجمال التعبير ومراعاة الصور البيانية .
ويمكن التمييز بين نوعين منهم :
الأول هو الذي لاءم بين الفكرة والأسلوب العربي التقليدي والبلاغة العربية
القديمة ويأتي في مقدمتهم الشيخ البشير الإبراهيمي .
أما الثاني فهو الذي حاول أن يجدد في الصياغة والمحتوى معا ، ويمثل هذا
التيار "أحمد رضا حوحو" و " رمضان حمود" وغيرهما ممن عبروا عن
مشاعرهم وأحاسيسهم تجاه الطبيعة أو تجاه الحياة بوجه عام.
والسمة العامة في الأدب الجزائري الحديث أن القضايا التي شغلت الشعرا ء
شغلت الناثرين أيضا ، فاهتمام الكتاب بالدين والإصلاح هو نفسه اهتمام الشعراء
بهذا الأمر ، كذلك فإن مهاجمة الشعراء لرجال "الطرق الصوفية" نجده أيضا في
المقالات الإصلاحية ، بل أن بعضهم جمع بين الشعر والنثر مثل العقبي
والزاهري.
كذلك فإن العناية بتربية النشء وتهذيبه وبالمرأة وتعليمها كان من الأمور التي
كرس لها كتاب المقالة حيزا كبيرا في نثرهم كما فعلوا في الشعر أيضا، ثم هناك
القضايا التي تتصل بالاستعمار وكذلك انتشار التبشير ، فهناك مقالات كثيرة
سجلت موقف الكتاب من هذه القضايا ، ولعل من الأمور التي استأثرت باهتمام
كتاب المقالة سواء منها الإصلاحية أو السياسية أو الأدبية قضية انتماء الشعبالجزائري إلى الأمة العربية والدفاع عن اللغة العربية بوصفها اللغة التي تربطبين أبناء الأمة العربية الواحدة ، وأن هذا الانتماء يجعل الجزائر غير فرنسية
وليست جزءا من فرنسا كما يزعم الفرنسيون. بل أن القضايا العربية كان لها
مكانها بين المقالات الكثيرة التي تهتم بما يجري في الوطن العربي وتتجاوب مع
الانتصارات كما تتألم للهزائم والانكسارات ، وخاصة قضية فلسطين التي وجدت
عناية تفوق العناية بالقضايا الأخرى لما تمثله من تجربة فريدة من نوعها ولأنها
ترتبط بالمشاعر القومية والدينية للشعب الجزائري.
ولا يغيب عن البال أن المقالات التي كتبها مصلحون حول المجتمع الجزائري أو
حول القضايا العربية أو العالمية تعبر عن وجهة نظر إصلاحية يغلب عليها
الطابع الديني ، أما المقالات السياسية التي كتبها كتاب ينتمون إلى الحركة
الوطنية فإن العناية فيها انصبت على المشاكل السياسية وعلى محاربة
الاستعمار.
والآن ندخل في موضوعنا الأساسي وهو دراسة بعض النماذج من هذه المقالات
الأدبية وسنضرب أمثلة للمقال الأدبي الإنشائي الصرف والمقال الأدبي
الإصلاحي.

أ- المقال الأدبي الإنشائي الصرف:
يهدف كاتبه إلى التعبير عن مشاعره وإحساسه تجاه الطبيعة أو تجاه الحياة
ويعكس فيه تجربته ويعنى فيه بالصياغة والجمال واللذة الفنية ، ثم أن كاتب
المقال الأدبي الإنشائي كما يهتم بالطبيعة يهتم أيضا بنقد الحياة أو نقد الواقع أو
شرح فكرة أو رسم صورة حية لمشهد الطبيعة أو قد يعالج فيه قضية من
القضايا المتصلة بالأدب وألوانه أو بالمجتمع وقضاياه.
ومن ثمة فإن هذا النوع يهدف إلى تصوير الطبيعة أو تصوير الحقيقة كما
يتصورها الكاتب ، وغرضه من ذلك الإمتاع والتأثير في المتلقي لا توصيل
الفكرة والدعوة إلى مذهب معين .
وعلى العموم فهذا الاتجاه يقترب من الاتجاه الرومانسي في أسلوبه وموضوعاته
ولعل الاتجاه إلى الرومانسية في الأدب الجزائري قد ظهر منذ بداية العشرينات
من القرن الماضي نتيجة ظروف تتصل بالحياة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية
والسياسية.
فالكتاب اهتموا بالطبيعة وتصويرها وهم ينطلقون منها إلى التعبير عن أحزانهم
ويبحثون فيها عن السلوى ويتجهون إليها بوصفها الأم الرؤوم التي تنقذهم مما
هم فيه من بؤس وظلم ويثورون على واقعهم الذي لا يجدون فيه ما يسر أو
يريح النفس .
ففي مقال بعنوان " نسمات الخريف" للكاتب "البشير العلوي" يشيد فيه بالطبيعة
وينوه بالخيال ويرفض الحقيقة لأنهما لا يقدمان له شيئا ، يقول :
" الآن أستطيع أن أنام نوما هادئا لذيذا ، تذهب فيه نفسي إلى ما وراء عوالم
الحقيقة ، وتطير طيرانا في أسراب من حمائم الأحلام إلى سماء الخيال ، فتهيمما شاءت أن تهيم ، فتخترق في صعودها أديم السماء وحجاب الهواء فتشرف
على ما يكنه الغيب في أحشائه ويضمره الكون بين أكنافه فتحظى بمرأى تلك
المشاهد العظيمة والمناظر الجذابة الساحرة".
وبعد هذه البداية التي بين فيها الكاتب أنه سيقوم برحلة إلى الطبيعة ليتحرر من
عالم الحقيقة ويسعد بمشاهدة الكون وجماله ، يصرح بأن الخيال يقدم له ما
عجزت عنه الحقيقة التي يصفها بأنها كالجراثيم القاتلة.
إن وصف الحقيقة بأنها شيء قاتل يدل على مدى ما يشعر به الكاتب تجاه الحياة
وعلى موقفه منها ، وأكد شعوره بالضيق والنفور مما يجري في بيئته
ومجتمعه.
وللكاتب نفسه مقال آخر بعنوان " أزهار الربيع" يتحدث فيه عن جمال الطبيعة
في فصل الربيع ، يقول :
" أيتها الزهرة الباسمة ، إذا وضعت السماء سحابها الذهبي على مفرقك الجميل
واعتلى العصفور وجنتيك .. ووضع قبلة السرور والعطف على خدك الأملسفارفعي رأسك إلى محيط الرحمة والحنان وناشديه على تلك الهامات المتدلية
وراء المشانق ، على تلك الأيدي المقطعة بسلاسل الفظائع البشرية ، على تلك
النفوس المترامية في لجج "الأقيانوس" . تعالج نزعات الغريق ، على تلك الأفئدة
التي أحرقتها لفحات الفاقة ، على تلك المهج السائلة في كؤوس الحب من ألم
الفراق ، على تلك الأرواح المتصاعدة من مجازر الإنسانية إلى سماء الأبدية
الساعية في محيط اللانهاية ، وأنت محسنة إليها أيتها الزهرة ".
فليس وصف الزهرة هنا مقصودا لذاته وإنما الحديث عنها بوصفها عنصرا بريئا
يشاهد ما يعانيه الإنسان من تشريد وقتل وبطش وهذا يعكس واقع المجتمع لا
واقع الزهرة.
على أن المقال الإنشائي تطور بعد الحرب العالمية الثانية على يد "أحمد رض ا
حوحو" وغيره من الكتاب ، بحيث احتفظ بجمال الأسلوب والعناية بالصياغة
ولكنه اتجه إلى الواقع لا بغرض وصفه كما هو أو وصف الطبيعة وجمالها ولكن
بقصد تصوير الحياة ومشاكل المجتمع في لغة صافية ، يضاف إلى ذلك أن المقال
الأدبي ببعد الحرب العالمية الثانية مال فيه أصحابه إلى العناية بالفكرة
وتبسيطها.
أما بعد الاستقلال فقد اتجه المقال الأدبي الإنشائي إلى معالجة القضايا التي
طرأت بعد الاستقلال فتحدث عن مشاكل كثيرة أدبية أو اجتماعية أو فكرية وعنى
كتابه بالإطناب والوصف ، لا وصف الطبيعة وإنما وصف الحياة في اتساعها
وتنوعها ، وببذلك اتسعت مضامينه وتنوعت أساليبه نظرا إلى ثراء الحياة
وخصبها بعد الاستقلال ووجود ظروف ملائمة ساعدت الكتاب على ان يعكسوا
مشاعرهم ونظرتهم تجاه القضايا الوطنية والقومية والإنسانية.

المقال الأدبي الإصلاحي:
أما المقال الأدبي الإصلاحي فيتمثل فيما كتبه بعض رجال الحركة الإصلاحية وهم
يتفاوتون من حيث الأسلوب والصياغة ، ولكننا سندرس مقالا للشيخ البشير
الإبراهيمي لأنه يمثل النموذج بأجلى صوره ، فهو يجمع بين العناية بالصياغة
وبين التعبير عن العاطفة والشعور المتقد ، كما يجمع بين الفكرة الإصلاحية في
مضمونه وبين الجمال الأدبي في تعبيره ، كما يعنى بالصور البيانية بشكل جلي ،
وتظهر الثقافة العربية بمختلف بمختلف فروعها وتنوع منابعها في لغته
وأسلوبه.
وللكاتب مقالات مختلفة في الدين والإصلاح والاجتماع والسياسة وأسلوبه هو
نفس الأسلوب ولغته هي دائما تلك اللغة التي تغني قاموسنا اللغوي لأنها
استمدت منابعها من محيط اللغة العربية منذ عصورها الأولى وأسلوبه هو
أسلوب البلغاء العرب منذ "الجاحظ" حتى عصرنا الحديث.
فهو في مقال عن ذكرى 8ماي 1945 كتبه عام 1948 بعد أن عادت "البصائر"
إلى الصدور ، فكان المقال إحياء لهذه الذكرى التي تعبر عن وجدان مجروح
ونفس حزينة وشعور بالظلم والاضطهاد ،يقول :
"يوم مظلم الجوانب بالظلم ، مطرز الحواشي بالدماء المطلولة ، مقشعر الأرضمن بطش الأقوياء ، مبتهج السماء بأرواح الشهداء ، خلعت شمسه طبيعتها فلا
حياة ولا نور ، وخرج شهر عن طاعة الربيع فلا تمور ولا نور ، وغبنت حقيقته
عن الأقلام فلا تصوير ولا تدوين ".
فمن هذه المقدمة نلحظ أسلوب الكاتب في هذه الاستعارات وفي هذا السجع ،
وبعد هذه المقدمة يأخذ الكاتب في عرض الموضوع وهو لا يخرج عن هذه
الذكرى ، فيتحدث عن الاستعمار الفرنسي لأنه هو سبب حدوث هذه الكارثة
ويربط بين هذا اليوم وبين أيام كثيرة حدثت في تاريخ الجزائر ولا يستغرب ما
وقع في الماضي أو الحاضر من جراء الاستعمار ودعاته وأنصاره .
ويكون الأسلوب بعد ذلك تنديدا وسخطا وثورة وتأنيبا ، يقول :
"لك الويل أيها الاستعمار ، أهذا جزاء من استنجدته في ساعة العسرة فأنجدك ،
واستسرخته حين أيقنت بالعدم فأوجدك ؟ أهذا جزاء من كان يسهر وأبناؤك نيام، ويجوع أهله وأهلك بطان ، ويثبت في العواصف التي تطير فيها نفوس أبنائك
شعاعا؟..".
ويستمر على هذا النسق مستخدما أدوات الاستفهام والنداء والدعاء وغيرها من
الصيغ التي يعتمد عليها كاتب المقال الإصلاحي الذي يسعى إلى ايقاظ النفوس
والهمم وإلى الهجوم على المساوىء الاجتماعية أو مساوىء الاستعمار
ومخلفاته .
وهما يكن من أمر فإن المقال الأدبي بشقيه الإنشائي والإصلاحي قد رصد الواقع
وتغيره وعبر عن موقف الكاتب الجزائري تجاه المجتمع ونحو قضايا شغلت
أذهان الناس وكانت محور انشغالهم واهتمامهم ، بحيث تنوعت الأساليب
وتنوعت الموضوعات ،وعنى بعض الكتاب بالصياغة أكثر مما عنوا بالفكرة كما
هو الشأن عند كتاب المقال الأدبي الإصلاحي ، بينما عنى البعض بالفكرة أكثر
من العناية بالصياغة ، وكلا النوعين أسهم في تطور المقال الأدبي وفي إثرائه
وإثراء الحياة الأدبية بوجه عام.

نموذج لأدب المقال :

الحرية
لعبد الحميد بن باديس
(أ)
"أيتها الحرية المحبوبة ...
تحتفل بأعيادك الأمم ، وتنصب لتمجيدك التماثيل ، ويتشادق بأمجادك الخطباء
ويتغنى بمفاتنك الشعراء ، ويتفنن في مجاليك الكتاب ، ويتهالك من أجلك الأبطالوتسفك في سبيلك الدماء ، وتدك لسراحك القلاع والمعاقل ولكن أين أنت في هذا
الوجود ؟
- كم من أمم تحتفل بعيدك ، وقد وضعت نير العبودية على أمم ..وأمم.
- كم من قوم نصبوا لك التماثيل في الأرض وقد هدموك في القلوب والعقول
والنفوس.
- وكم من خطيب فيك مف  وه وقد كم عن ذكراك الأفواه.
- وكم من شاعر فتنه جمالك ، ولكن لا شعور له مع المستعبدين.
- وكم من كاتب ألبسك الحلل الضافية من نسخ أقلامه ، ولكنه لا ينيلك خرقة
بالية من صنع يده.
- وكم من أبطال استشهدوا لإنقاذك ولكن خلفهم من قضى عليك في مهدك.
- وكم من دماء زكية كتبت بها صحائف تاريخك ، ولكن محتها دماء قلوب
تحدرت دموعا من الجفون .
- وكم هدم لسراحك ما هدم ، ولكن بني على أنقاضه سجون الأحرار.
فأين أنت أيتها الحرية المحبوبة في هذا الوجود؟
(ب)
فتشت عنك في قصور الأغنياء ، فوجدت القوم قد استعبدهم الدينار والدرهم -
تعس عبد الدينار والدرهم - وغلت أيديهم إلى أعناقهم الشهوات . فتشت عنك
في أكواخ الفقراء ، فوجدت المساكين قد قيدهم الفقر فرماهم في غيابات الجهل
ودركات الشقاء.
فتشت عنك في الشعوب القوية ، فوجدت الطغاة العتاة قد قيدتهم اللطماع في
ثروات الضعفاء .
فتشت عنك في الشعوب الضعيفة ، فوجدت الأنضاء المرهقين قد كبلهم استبداد
الأقوياء.
(ج)
فأين أنت أيتها الحرية المحبوبة من هذا الورى ؟
أنت ..أنت الحقيقة الخفية خفاء حقيقة الكهرباء..
أنت ..أنت الروح السارية في عالم الأحياء..
ولئن خفيت بذاتك فقد تجليت على منصة الطبيعة في بساط الأرض وأجزاء
السماء ، فأبصرتك عيون اكتحلت بإثمد الحقيقة واقتبست منك عقول صقلت
بالعرفان واحتضنتك صدور أنيرت بالإيمان ، وتذوقتك نفوس ما عبدت إلا الله ،
وخدمك قوم آمنوا بالله وصدقوا المرسلين .
(د)
"آه ..آه أيتها الحرية المحبوبة ، وا شوقاه إليك ، بل وا شوقاه إليهم ، المحيا
محياهم ، والممات مماتهم.
أقذ اللهم بهم عبادك ، وأحيي بلادك ، وألحقنا اللهم بهم غير مبدلين ولا مغيرين
..آمين".

القصة القصيرة

نشأت القصة القصيرة الجزائرية متأخرة عن القصة في المشرق العربي لظروف
تتصل بالثقافة العربية وبالأدباء أنفسهم وبثقافتهم الخاصة وتكوينهم الفكري
الذي ارتبط بالتراث ارتباطا كليا منذ البدايات الأولى للنهضة الأدبية في الجزائر.
لذلك فإن الأساليب القصصية التي رأينا نماذج منها في الإرسال الأول نلحظ فيهاتقليد الأشكال القصصية القديمة كالمقامة مثلا أو الرحلات وهي ألوان عريقة في
الأدب العربي مما كان له أثره في تأخر ظهور القصة القصيرة الفنية.
وقد تأخر ظهور القصة لأسباب كثيرة ومختلفة في مقدمتها الاستعمار الذي وضع
الثقافة القومية في وضع شل فاعليتها وحركتها مما نتج عنه تأخر الأدب
الجزائري بصفة عامة ولاسيما أحدث فنونه وهي القصة القصيرة.
ولو بحثنا عن النظرة للقصة وفهم وظيفتها في العقود الأولى من القرن الماضيلوجدنا أن تلك النظرة وذلك الفهم كانا عاملين هامين من عوامل تأخر القصة ،
فلم يكن هناك أصلا اهتمام بها كفن قائم بذاته بل إن مفهوم الأدب كان ينحصر
في الشعر وحده دون غيره من الفنون ، كان الشعر هو الأدب والشعراء هم
الأدباء ، وليس أدل على هذا مما كانت تفعله جريدة البصائر عام 1937 بل وحتى
عام 1955 من تخصيصها بابا يحمل عنوان " الأدب الجزائري" ولا يتناول إلا
الشعر والشعراء ، وقد أدت هذه النظرة بالصحافة العربية في ذلك الوقت
وصحافة الحركة الإصلاحية على وجه الخصوص إلى إهمال هذا اللون من
الأدب.
وهناك عوامل أخرى عاقت ظهور القصة وتطورها منها التقاليد وأبرزها ما
يتعلق بوضع المرأة في المجتمع إذ كانت مغلقة لا يسمح لها بالاختلاط أو
المشاركة في الحياة السياسية والاجتماعية ولهذا كان من الصعب أن تعالج
القصة علاقة الرجل بالمرأة أو أن تتعرض لهذا الموضوع.
ثم هناك أيضا ضعف النقد وعدم وجود الناقد الدارس الموجه ، وضعف النشر ،
وانعدام وسائل التشجيع الكافية للأديب القاص كي يكتب وينتج ، ولا يمكن أننغفل عدم وجود المتلقي لهذا الإنتاج لو صدر ، وكيف يوجد القارىء في ظل
الأمية التي فرضتها سلطات الاستعمار الفرنسي.
ولكن الوضع تغير بعد الحرب العالمية الأولى إذ بدأ الشعور الوطني يستيقظ من
غفوته وظهرت إلى الوجود الحركات والأحزاب السياسية وكذلك الحركة
الإصلاحية التي ساهمت في خلق طبقة من المثقفين بالعربية اهتمت بالفنون
الأدبية المختلفة وبالتالي ساعدت على ظهور القصة القصيرة بالعربية.
وإلى جانب هذا لا بد من الإشارة إلى بعض المؤثرات الأخرى التي أثرت في
القصة بشكل واضح كصلة الجزائر بالشرق والغرب ، أما الصلة بالمشرق العربي
فقد أثرت في النهضة الأدبية عامة واقتفى الكثير من الأدباء والشعراء
الجزائريين أثر الأدباء المشارقة فيما يكتبون وينتجون ، وإن كان هذا يبدو
واضحا جليا في الشعر فإنه بالنسبة للقصة القصيرة كان ضئيلا.
أما الصلة بالغرب فقد اتخذت صورة معاكسة ، حيث اصطدم الشعب الجزائريبالاستعمار وأحس بأن الاستعمار جاء ليقضي على شخصيته وعروبته ولهذا
اتخذ موقف المدافع عن هذه الشخصية وبالتالي اتخذ موقفا سلبيا من الثقافة
الغربية .
كذلك كان يمكن أن تلعب الترجمة عن الآثار الأدبية الغربية إلى العربية لو
وجدت دورا بارزا في حياة الفكر والأدب الجزائري وكان يمكن أن تساعد على
ظهور القصة مبكرا ، ولكن الدعوة إلى الترجمة لم تصدر عن الأدباء بل صدرت
عن فرد أو اثنين مما لم يكن له أثر في هذا المجال .
وهكذا يتضح أن طريق القصة لم يكن معبدا بالقياس إلى الشعر الذي وجدت له
تقاليد وقواعد عريقة ولهذا ظهرت أولا في أشكال بدائية ثم تطورت فيما بعد إلى
القصة الفنية .
وقد انحصرت بدايتها في شكلين قصصيين يفتقدان سمات وخصائص القصة
الفنية ولكنهما يمهدان لها ويحملان بذورها هما "المقال القصصي" و "الصور ة
القصصية".

المقال القصصي:
الواقع أن المقال القصصي ما هو إلا صورة من المقال
الإصلاحي الديني وخاصة في مضمونه ووظيفته ، أما من جهة الشكل فهو مزيجمن المقامة والرواية والمقال الأدبي ، ولم يكن الدافع إليه أدبيا فنيا بقدر ما كان
خدمة للدعوة الإصلاحية وشرحها بأسلوب قصصي جذاب .
وإذا أمعنا النظر في المقال القصصي وجدنا أنه لا يحفل كثيرا بالسمات الأساسية
للقصة القصيرة من رسم للشخصية وربط منطقي فني بين الحوادث وإنما كان
اهتمام كتابه موجها نحو السرد والحوار إلى جانب الفكرة التي كانوا يلحون
عليها مباشرة ، ولقد تطور هذا الشكل القصصي بعد الحرب العالمية الثانية حيثاستمر إلى قيام الثورة ، وكان تطوره بصورة أوضح من حيث المضمون فيأخذ
ينتقد مظاهر الحياة الاجتماعية والتقاليد البالية التي تعوق تطور المجتمع
،وَت َ ط  و  ر أيضا من جهة الشكل والأسلوب واللغة بحيث أصبح الحوار هو السمة
الغالبة عليه .
وقد لعب المقال القصصي دورا بارزا في الحياة الأدبية فقد ساهم في التمهيد
لتطور القصة الفنية فيما بعد إلى جانب أن ظهوره جاء في فترة كان الشعب
يعيش فيها في غليان عنيف وصراع حاد محاولا البحث عن ذاته والدفاع عنكيانه ، ولهذا جاء المقال القصصي معبرا عن كل ذلك ووجد فيه الأدباء شكلا
يتلاءم مع الحوار الذي كان سمة الحياة البارزة في ذلك الوقت وأصبح بعد مأساة
08 ماي 1945 يشارك في المعركة ضد الاستعمار بمختلف صوره . وإذا كان قدغلبت عليه في المرحلة الأولى الروح الإصلاحية التعليمية أكثر من الأدب والفنفهو في الرحلة الثانية بدأ يهتم أكثر بالناحية الأدبية ، والشيء الذي يلفت النظر
في هذه المرحلة هو ما ظهر فيه من الدعوة إلى أدب جزائري يواكب الحياة
والإلحاح على وجود القصة فنا قائما بذاته.

الصورة القصصية:
إذا كان المقال القصصي قد ساهم في التمهيد لظهور
القصة الفنية فإن الصورة القصصية هي التمهيد الحقيقي لها ، ذلك أن الصورة
القصصية هي قصة لم تنضج ، لم تتوفر لها السمات والخصائص الكاملة للقصة
الفنية ولكنها أقرب إلى روح القصة وشكلها من المقال القصصي.
وإذا كان من الصعب وضع تعريف محدد للصورة القصصية فإننا على الأقل
نستطيع تحديد بعض ملامحها ، فهي تهدف إلى رسم لوحة للطبيعة أو صورة
كاريكاتورية لشخصية إنسانية أو التركيز على فكرة معينة بهدف إعطاء صورةتنطبع في ذهن القارئ ، فليس فيها اعتناء بتطور الحدث ولا برسم الشخصية
بقدر ما تعبر عن آراء الكاتب وأفكاره إلى جانب أن السرد فيها يميل إلى
الوعظية لا إلى الإيحاء والهمس .
وقد كانت الصورة القصصية في مرحلتها الأولى قبل الحرب العالمية الأولى قليلة
جدا بينما في المرحلة الثانية التي تبدأ بعودة جريدة البصائر عام 1947 فقد
حدث لها ما حدث للمقال القصصي فاتسع نطاقها كما وكيفا ومارس كتابتها كتاب
كثيرون . وإذا نظرنا فيما كان يشغل كتاب الصورة القصصية من أفكار
وموضوعات وجدنا أنهم ركزوا اهتمامهم في البداية على أمراض المجتمع
وعاداته البالية وما سببه الاستعمار من ويلات تركت بصماتها على حياة الشعب
الجزائري ، فعالجوا تعليم المرأة وحريتها وزواجها على أساس سليم ، والاندماجوالفرنسة والتزوج بالأجنبيات والحث على تعليم العربية وهي نفس الموضوعان
التي عالجها المقال القصصي تقريبا ولكن بشكل آخر ، إلى جانب أننا نلمح في
بعض الأحيان بذور الرومانسية في بعض الصور القصصية .
وقد ظل هذا الشكل الأدبي حتى بعد قيام ثورة نوفمبر فظهرت الصورة التي
تتحدث عن نضال الشعب والواقع الثوري الجديد .
أما دور الصورة القصصية فالشيء الذي لا ينكر هو أنها وإن لم ترتكز على
الأسس الفنية التي تتطلبها القصة القصيرة إلا أنها عالجت موضوعات قد تبدو
لنا الآن عادية ولكنها في تلك الظروف التي مر بها الشعب كانت موضوعات
الساعة التي شغلت الأذهان فسجلتها الصورة القصصية كنقد للواقع ومعالجة له.
ومن كتاب الصورة القصصية الذين كانت البصائر تنشر لهم "أحمد رضا حوحو"
و "أحمد بن عاشور" و " زهور ونيسي" و " عبد المجيد الشافعي" وغيرهم.

القصة الفنية:
الواقع أنها ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية في أوائل
الخمسينات بعد أن مهد لميلادها المقال القصصي والصورة القصصية ، وبعد أن
ثبتت بذورها في هذين الشكلين كما تقدم ، وهذا التاريخ طبعا يعد متأخرا جدا
بالنسبة لباقي العالم العربي ، بل حتى العالم العربي عرف القصة متأخرا بالنسبة
للغرب ، حيث نشأت القصة الفنية القصيرة في القرن التاسع عشر ، ومن هنا
فهي حديثة النشأة عموما ، ولقد ظهرت في العالم العربي في أوائل العشرينات من القرن الماضي متأثرة بالقصة في الغرب وإن اتخذت طابعا عربيا متميزا.
ومن الخطأ أن نتصور بناء على هذا أن الأدب العربي القديم قد خلا من عنصر
القصة أو الحكاية ، بل أن العرب اشتهروا بأنواع من القصص مثل سير البطولةوالملاحم والقصص الشعبي وكذلك المقامات والقصص الديني الذي كان مصدره
القرآن والكتب السماوية الأخرى.
ولا شك أن القصة القصيرة الجزائرية قد تأثرت بكل هذا في شكلها ومضمونه ا
فقد استفادت من القصة الغربية ومن القصة العربية كما تأثرت بالقصص
العربي القديم وبالقصص الشعبي.
ولم يكن تطور القصة القصيرة في الجزائر تطورا مفاجئا وإنما سارت في طريق
التطور ببطء ، أما العوامل التي ساعدت على تطور القصة فيأتي في مقدمتها
، اليقظة الفكرية التي أعقبت الحرب العالمية الثانية ومأساة 08 ماي 1945
والعامل الثاني هو اتساع نطاق البعثات الثقافية إلى المشرق العربي حيث اتصل
أبناء الجزائر بالثقافة العربية في منابعها كما اتصلوا بالثقافة الأجنبية عن طريقالمترجمات واطلعوا بالتالي على نماذج من القصة القصيرة العربية التي كانت قد
بلغت درجة كبيرة من الجودة والإتقان ، كذلك فقد وجد الحافز الفني لكتابةالقصة فبعد أن كان الأدباء من قبل يكتفون بالمطالبة بوجود القصة أخذوا
يحاولون كتابتها بالفعل وبهذا وضعوا لبنة أساسية في هذا الفن.
وقد صحب هذه المحاولات لكتابة القصة محاولات أخرى هي الأولى من نوعها
لمناقشة بعض عناصر القصة القصيرة ، ففي مقال لأحمد رضا حوحو نشر في
البصائر سنة 1949 حول الشخصية القصصية يطالب فيه الكتاب بأن يهتموا
بكتابة القصة لهدفين : الأول هو النهوض بالأدب والثاني هو ما أطلق عليه
التقويم الخلقي والاجتماعي ، ثم تعرض للحديث عن الشخصية القصصية كعنصر
من عناصر القصة ويطالب بان يراعي الكتاب الحوار القصصي من حيث اللغة
ومن حيث مستوى الشخصية الاجتماعي والثقافي والفكري.
وأخيرا تأتي الثورة التي دفعت بالقصة الجزائرية خطوات إلى الأمام بأن جعلتها
تتجه إلى الواقع تستمد منه مضامينها وموضوعاتها ، لقد كشفت ظروف النضال
للكتاب عن إمكانيات ضخمة وتجارب جديدة ، وأصبح بطل القصة هو الإنسان
البسيط المناضل لا الطل النادر الخارق للعادة ، وأصبحت القصة تعالج حياة
المجاهدين في الجبل ومشاركة المرأة في الثورة إلى آخر هذه الموضوعات التي
فرضها الواقع الجديد ، وعنى الكتاب في هذه المرحلة بالبناء الفني للقصة
فوجدت لذلك نماذج جيدة . وإلى جانب التيار الواقعي الذي ظهر في القصة ظهرأيضا التيار الرومانسي ، والواقع أن الرومانسية لم تكن مرحلة خاصة معينة في
القصة الجزائرية القصيرة وإنما عالجها البعض وعالجوا معها في نفس الوقت
القصة الواقعية حتى جاءت الثورة فسيطر التيار الواقعي تماما.
ولكننا مع هذا نستطيع أن نفرق بين نوعين من الرومانسية ظهرا في القصة
الجزائرية : الأول ما يمكن أن نسميه الرومانسية الهادئة المثالية التي تحلم
بالحب وبأشياء مجنحة لا وجود لها في واقع الحياة ، والنوع الثاني رومانسية
عنيفة أو مادية لأن البحث فيها عن المادي الصرف والرؤية فيها منغلقة
مسرفة في الذاتية.
وإذا كان الأدب الواقعي قد ارتبط في العصر الحديث بمبدأ الالتزام فالفنان
والأديب الحق هو الملتزم بقضايا قومه وعصره ، فقد تأثر الأدب العربي وظهرت
فيه القصص الواقعية التي تعالج قضايا الساعة وتعنى بمشاكل الإنسان وتعبر
عن همومه ، ودعم هذا الاتجاه ما تعرضت له الأمة العربية من ظروف سياسية
ومن صراعها ضد الاستعمار ، وهذا ما يفسر اتجاه القصة القصيرة الجزائريةنحو الواقعية بعد اندلاع ثورة نوفمبر ، فحين طغى التيار الواقعي تحول محور
الارتكاز في القصة من الحب والتقاليد والمرأة كما كان الحال في القصص
الرومانسي إلى الإنسان والنضال والروح الجماعية التي سادت أثناء الثورة.
وقد تمثلت عناصر وسمات القصة القصيرة الفنية بوضوح في هذا الاتجاه
الواقعي بحيث قلت الوعظية وأصبح أسلوبها يميل إلى الاتجاه بدل التصريح وإلى
الرمز بدل التعبير المباشر ، ولكن يمكن أن نلاحظ ملاحظة عامة في جميع
القصص بلا استثناء وهي استخدام الحوار بلغة عربية فصحى للتعبير عن آراء
وأفكار الشخصية في القصة ، ولم يراع فيها دائما المستوى الثقافي والفكريوالاجتماعي للشخصية، وهذا راجع إلى حرص الكتاب على استخدام الفصحى
حتى ولو كانت الشخصية القصصية لا تفعل ذلك.
وسنجد من الأسماء التي لمعت في القصة الفنية "عبد الحميد بن هدوقة" و "أب و
العيد دودو" و " الطاهر وطار" و "عثمان سعدي" و " الجنيدي خليفة" و "حنفي بن
عيسى" وغيرهم .
وهكذا فالقصة القصيرة الجزائرية قد انطلقت إلى آفاق أرحب فلم تكتف فقطبمعالجة قضايا وطنية بل أنها عالجت قضايا عربية قومية كقضية فلسطين .
وغاية الأمر أن القصة القصيرة الفنية بالعربية عبرت عن روح الشعب
الجزائري وعن مرحلة هامة عاشها المجتمع.
أما عن القصة التي اتخذت الفرنسية أداة للتعبير فهي أيضا كان لها دورها الذي
قامت به وإن كان لها وضع خاص ، ذلك أن اللغة ليست فقط وسيلة للتعبير
ولكنها تعكس روح الشعب وروح الحضارة التي ينتمي إليها الفرد والأمة.
والواقع أن مشكلة الأدب الجزائري بالفرنسية لم تظهر على المسرح إلا بعد
الثورة حين أصبحت اللغة الفرنسية في موقف الرفض وأصبح كل ما يتصل بهافي موضع الاتهام ، وهذا ما دفع بالبعض إلى إنكار هذا الأدب واعتبار ما كتب
باللغة الفرنسية أجنبيا ودخيلا يضاف إلى التراث الأجنبي لا التراث القومي .
ولكن النظرة الموضوعية لهذا الأدب تجد بينه وبين الأدب الذي كتبه فرنسيون
عاشوا في الجزائر فرقا كبيرا ، فرؤية الكاتب الفرنسي تختلف تماما عن رؤيةالكاتب الجزائري ذي اللسان الفرنسي لأن هذا الأخير يعبر في أدبه عن قضايا
وطنية ومشاكل شعبه وما عاناه الإنسان الجزائري من عذاب وشقاء بسبب
الاستعمار ، ونضال هذا الإنسان البسيط من أجل الحرية والكرامة.
ومما لا شك فيه أن القصة القصيرة بالفرنسية قد أسهمت نسبيا في ملء الفراغ
الموجود في الأدب الجزائري ، ولكن مساهمتها ظلت محدودة لقلة النماذج
الناضجة منها ولعدم انتشارها بين الجزائريين عكس الرواية بالفرنسية التي
انتشرت وكان إنتاجها أكثر إلى حد إلى حد أنها كادت تطغى حتى على الإنتاج
الأدبي بالعربية من حيث العناية بها تعريفا ونقدا وتحليلا .
على أن القصة القصيرة باللغة العربية أتيح لها بعد الاستقلال أن تنتقل إلى
مرحلة جديدة تعالج فيها قضايا مختلفة بعضها متصل بمرحلة الثورة وبعضها
الآخر يتعلق بالوضع الجديد والواقع الجديد في الجزائر.
والحقيقة أن القصة القصيرة بعد الاستقلال قد أصابها شئ من الركود لظروفالمجتمع ولظروف الكتاب أيضا ، فالدوافع لكتابة القصة أثناء الثورة كانت قويةذلك أن الحماس والتعاطف مع الثورة دفع الكتاب للتعبير عن نماذج مختلفة من
أفراد الشعب بينما نجد بعض هؤلاء الكتاب بعد الاستقلال قد قل إنتاجهم أو كاد
يتوقف.
وإذا أردنا أن نصنف الموضوعات التي دارت حولها القصة الجزائرية بعد
الاستقلال لوجدنا أن معظمها عن الثورة وما يتصل بها من حديث عن الهجرة
خارج الوطن أو آثار الاستعمار ثم التقاليد والعادات وما يتصل بهما من تصوير
لعلاقة الرجل بالمرأة ، وأخيرا تصوير الواقع الجديد بعد الاستقلال ، وهناك
البعض القليل الذي تعرض لقضية فلسطين وما يتصل بها.
فالمجموعات القصصية التي صدرت بعد الاستقلال أغلب موضوعاتها ومضامينها
وشخصياتها يدور حول الثورة مثل "بحيرة الزيتون" لأبي العيد دودو و"الرصيف
النائم" لزهور ونيسي و"دقت الساعة" للبهي فضلاء و"الطعنات" للطاهر وطار.
فكل قصص "بحيرة الزيتون" تستقي أحداثها من الثورة وتنقلنا إلى واقعها ،
وتصور حرب التحرير بأبطالها وأحداثها وشخصياتها ، والقصة التي عنون بها
الكاتب لهذه المجموعة تصور شيخا كرس حياته لمواساة المواطنين أثناء الثورةثم شخصية الأم التي فرحت بانضمام ولدها إلى الثوار ورغم مرضها فإنها كانت
سعيدة وفخورة بابنها هذا.
أما مجموعة "الرصيف النائم" لزهور ونيسي فهي أيضا تدور حول الثورة ولكنها
تركز على دور المرأة فيها ، المرأة زوجة أو أما.. مثقفة أو أمية.. المرأة في
الريف أو في المدينة..جندية في جيش التحرير أو مسؤولة في جبهة التحرير.
وكذلك "دقت الساعة" فموضوعاتها لا تخرج عن إطار الثورة ومعظم شخصياتها
مناضلون فيها ، أما مجموعة " الطعنات" للطاهر وطار فإن ببعضها يتصل
بالثورة وبعضها الآخر بما بعد الاستقلال.
وفي قصة "الشمس لا تشرق من باريس" لحنفي بن عيسى يصور الكاتب نموذجا
لشاب جزائري التحق بالجامعة بعد نضال مرير ، فقد كان التعليم في الجامعة
مقصورا على الفرنسيين وأذنابهم ويحاول هذا الشاب أن يكون صداقة مع شاب
فرنسي وللكنه يفشل في ذلك وتمر الحوادث ويلتقيان في باريس بينما تكون
الثورة قد انتقلت إلى هناك ويكيد له هذا الشاب الفرنسي ذلك لأنه مناضل يؤمن
بحقه في الحياة.
وإذا كانت هذه القصة وغيرها قد عالجت الهجرة من الداخل إلى الخارج فهناك
بعض القصص التي عالجت الهجرة من القرية إلى المدينة تحت ضغط الاستعمار
مثل قصة " ومضة خاطفة" لعبد الرحمن ماضوي ، وهي قصة تدور حول شابجزائري فقير يترك القرية هربا من البطالة إلى المدينة عله يجد بها عملا ولكنه
يفشل في العثور على عمل يمكنه من إرسال نقود إلى والده الذي ينتظر منه ذلكليشبع رغبته في الظهور أمام أعيان القرية بمظهر لائق محترم ، ويلتقي الفتى
في المدينة بامرأة فرنسية تبدي نحوه عطفا كاذبا فيقبل الفتى بالعمل عندها
كأجير ولكنه في النهاية يصطدم بعنجهيتها وبأنها لم تعطه حقه كاملا ، فقرر
الانتقام منها بأن يسرقها في الليل على ألا يأخذ إلا حقه فقط، وحين يهم بتنفيذ
ذلك تكتشف المرأة أمره وفي النهاية تموت رعبا منه.
والقصة فيها رمز للاستعمار بهذه المرأة الفرنسية والشعب الجزائري الذي يمثله
هذا الشاب الطيب الكادح . ومضمون القصة واسع يعالج من خلال هذين
الرمزين قضايا بتركيز واضح وبتحليل لنفسيتي الشاب والمرأة ، ونفسية المرأة
الشريرة التي لا يهمها إلا الربح والرخاء المادي ونفسية هذا الشاب الذي تستغله
هذه المرأة ولا تشفق عليه ويكون جزاؤه القليل من الدريهمات والكثير من
الاحتقار ، وطريقة المعالجة فيها حيوية وبساطة والكاتب ينجح في أن يجعلنا
نتعاطف مع البطل لما أضفاه على الحدث من حركة وعلى الشخصية من سمات
الواقعية فتقذفنا بتصرفاتها التلقائية حتى إننا لا نحس بغرابة من هذا الشاب وهو
يهم بسرقة المرأة الأجنبية ، فالسرقة هنا مشروعة وكما أن هذه المرأة سرقت
عرقه حاول حاول أن يسرق من مالها حقه ولكنه قبل أن يصل إلى هذه النهاية
كان يعيش صراعا نفسيا بين الانتقام من هذه المرأة وبين نوازع الخير في نفسه
وكان يبحث عن مبرر لها .
أما القصص التي تدور حول الحب وتعالج علاقة الرجل بالمرأة والزواج
والعادات والتقاليد وما إلى ذلك من الموضوعات ، فليس فيها ما يميزها عن
السابق عليها من حيث المعالجة أو الشكل أو من حيث رسم الشخصية وأبعادها
المختلفة وإنما هي أشبه ما تكون بحكايات تتحدث عن حب نشأا بين شاب
وزميلته في العمل كليهما خجول ومن أسرة محافظة.
ولعل قصة "الثوب الأبيض" لزهور ونيسي هي أكثر القصص تعبيرا عن هذا
الاتجاه فهي تركز على قضية التقاليد ووضع المرأة حين تحرم من التعليم وتجبر
على الزواج المبكر من شخص لا تعرفه ولا يتناسب معها ، والفكرة المحورية
فيها تتحدث عن سيطرة الرجل زوجا كان أو أبا .
مع أن هذه الأحكام على القصة القصيرة بعد الاستقلال تصدق على ما قبل
السبعينات وما بعدها نلحظ بها نوعا من الازدهار النسبي في هذا الفن سواء من
حيث الكم أو الكيف ، فقد طبعت مجموعات تدل على أن هناك بدايات لتطور هذا
الشكل الأدبي في الرؤية والنظرة للواقع وفي التجربة التي تنوعت لدى الكتاب
الرواد أو لدى الجيل الجديد.

وخلاصة القول أن القصة القصيرة بعد الاستقلال رغم تنوع نماذجها وكثرة
كتابها بالقياس إلى الماضي فإنها ما زالت في حاجة إلى خطوة جديدة تحقق بهاما تطمح إّليه من نضج في شكلها وعمق في تحليل أعماق الإنسان الذي يعيش
في الجزائر.

النثر الجزائري بعد الاستقلال
الرواية - المسرحية.


الرواية العربية

ظهرت الرواية العربية الجزائرية متأخرة بالقياس إلى الأشكال الأدبية الحديثة
مثل المقال الأدبي والقصة القصيرة والمسرحية ،بل أن هذه الأشكال الجديدة
تعتبر حديثة بالقياس إلى مثيلاتها في الأدب العربي الحديث.
ولا شك أن الناس تعودوا قراءة الرواية الجزائرية المكتوبة باللغة الفرنسية
وترجمت معظم هذه الروايات بهذه اللغة إلى العربية وبات الناس يرددون أسماء
كتابها ويعرفون عنهم الشيء الكثير بينما لا يكادون يعرفون عن كتاب النثر
الجزائري الحديث إلا القليل.
ولعل هناك ظروفا كثيرة أسهمت في جعل من يكتب باللغة القومية مجهولا إلىحد ما في أنها أسهمت في التعريف بمن يكتب باللغة الأجنبية في الجزائر حتى
إن بعض الدارسين للأدب الجزائري الحديث في البلاد العربية حين عرضوا لهذا
الأدب درسوا الآثار المكتوبة باللغة الأجنبية ولم يشيروا من قريب أو بعيد إلىمن يكتب باللغة القومية فضلا عن الباحثين في البيئات الأوربية شرقا وغربا
الذين احتفلوا بالأدب المكتوب باللغة الفرنسية في الجزائر حتى إن بعضهم اعتبر
أن الكتاب الفرنسيون الذين ولدوا فوق التراب الجزائري من الكتاب الجزائريين ،
وذهبوا مذاهب شتى في البحث عن الأدلة التي ساقوها لتأكيد غرضهم ، وقد
أسهمت في هذه الضجة التي أثيرت حول هذا الأدب عوامل شتى منها ، أن
أجهزة الإعلام والثقافة الفرنسية قد روجت لهذه لهذه الفكرة لتظهر أن الثقافة
الفرنسية خلقت كتابا بارزين في الجزائر ، وأن الاستعمار لم يكن كله شرا ، وأن
ما زرعه هذا الاستعمار من حضارة في الجزائر - حسب زعمه- قد أثمر هذه
النماذج الأدبية الجيدة شعرا ونثرا واحتفلوا بكتابه وقدمت لهم الجوائز التشجيعية
ليس تقديرا لتفوق الكتاب الجزائريين ،ولكن للدعاية وتشجيع الأدب الفرنسي
طالما كان هذا الكتاب يعبرون بلغة فرنسية.
وقد أثر هذا الموقف على الدارسين للأدب الجزائري في بيئات أخرى فترجموه ،
ولكن بعضهم أعجب بما فيه من أصالة وعمق وبما فيه من مضامين جديدة
خاصة وأن معظمه دار حول الثورة وحول الشعب الجزائري ونضاله ضد هذا
الاستعمار ، وعبر عن ذلك بجرأة وقدرة وفهم عميق لمطامح الشعب الجزائري
وأشواقه.
ومن غير شك فإن هؤلاء الدارسين نظروا إلى هذا الأدب من وجهة نظر فنية
وقومية معا ، فقد وجدوا فيه تفردا في أسلوبه وشكله وطريقة التعبير فيه كما
وجوا فيه نضجا وتمييزا ، بالإضافة إلى انه ينطلق من نظرة وطنية تدين
الاستعمار وتشهر به ، قصة وشعرا ، بينما لم يجدوا هذا التفرد فيما قرأوه من
نثر جزائري باللغة القومية وخاصة في مجال الرواية بالذات.
يضاف إلى هذا أن المهتمين بالأدب الجزائري عامة سواء من الجزائريين أو من
غيرهم لم يعرفوا به إلا في السنوات الأخيرة لأسباب يطول شرحها.
أما فيما يتعلق بالرواية العربية الجزائرية فإن للنقاد عذرهم في عدم الحديث
عنها ، لأنها ظهرت أخيرا ، فهي من موالي السبعينات ،بالرغم أن هناك بذورا
ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية يمكن أن نلحظ فيها بدايات ساذجة للرواية
العربية الجزائرية سواء في موضوعاتها أو في أسلوبها وبنائها الفني ، فهناك
قصة مطولة بعض الشيء كتبها "أحمد رضا حوحو" وسماها "غادة أم القرى"
وتعالج وضع المرأة ولكن في البيئة الحجازية ، ثم هناك قصة كتبها "عبد
المجيد الشافعي" وأطلق عليها عنوان " الطالب المنكوب" وهي قصة مطولة أيضا
، رومانسية في أسلوبها وموضوعها فهي تتحدث عن طالب جزائري عاش فيتونس في أواخر الأربعينات أب فتاة تونسية وسيطر عليه حببها حتى إنه كان
يغمى عليه من شدة الحب ، ومضمونها ساذج مثل طريقة التعبير فيها.
وتأخر ظهور الرواية الفنية إلى الفترة التي ذكرناها ، يرجع إلى أن هذا الفنصعب يحتاج إلى تأمل طويل وإلى صبر وأناة ثم يتطلب ظروفا ملائمة تساعد
على تطوره وعناية الأدباء به.وفي مقدمة هذه العوامل أن الكتاب الجزائريين
الذين كتبوا باللغة القومية أدبا عربيا اتجهوا إلى القصة القصيرة لألنها تعب عن
واقع الحياة اليومي خاصة أثناء ثورة التحرير التي أحدثت تغييرا في الفرد ،
فكان أسلوب القصة القصيرة ملائما للتعبير عن الموقف أو عن اللحظة الآنية
وعن التجربة المحدودة بحدود الفرد. أما الرواية فإنها تعالج قطاعا من المجتمع
رحابه واسعة ، لشخصيات تختلف اتجاهاتها ومشاربها وتتفرع تجاربها
وتتصارع أهواؤها ومواقفها ، ومن ثم كان الكاتب يحتاج إلى تأمل طويل .ثم إ نالرواية تتطلب لغة طيعة مرنة قادرة على تصوير بيئة كاملة وهذا ما لم يتوفر
لها سوى ببعد الاستقلال . وفوق هذا فإن كتاب الرواية في الجزائر لم يجدوا
أمامهم نماذج جزائرية يقلدونها أو ينسجون على منوالها كما كان الأمر بالنسبةللكتاب باللغة الفرنسية الذين وجدوا تراثا غنيا ونماذج جيدة في الأدب الفرنسي
ومع ذلك فإن كتاب الرواية العربية قد أتيح لهم أن يقرأوا في لغتهم عيونا
واسعة في الرواية العربية الحديثة والمعاصرة ن ولكنهم لم يتصلوا بهذا الإنتاج
إلا في فترة قريبة بسبب الظروف التي عاشوها وعاشتها الثقافة القومية في
الجزائر ، لذلك فإن البدايات الحقيقية التي يمكن أن تدخل في مفهوم الرواية هي
التي ظهرت منذ سنوات قليلة ، أي في السبعينات مثل قصة "ما لا تذروه الرياح"
لمحمد عرعار ثم رواية "ريح الجنوب " للكابت القصصي عبد الحميد بن هدوقة
ثم ظهرت في السنتين الواليتين روايتان للطاهر وطار وهما على التوالي
"الزلزال" ثم "اللاز" .
على أننا سنهتم بدراسة "ريح الجنوب"لأنها تبدو أسبق من غيرها زمنيا . ثم
لألنها تعالج موضوعا تلتقي فيه مع رواية أخرى وهي "الزلزال" للطاهر وطار
ونعني به موضوع الثورة الزراعية حسب وجهة نظر خاصة لكل كاتب...
وريح الجنوب تثير قضايا كثيرة تتصل بالأرض وبالمرأة .وبنضال الأفراد من
أجل الحياة والمستقبل كما تعالج الدوافع الشخصية والتصرفات التي تحرك
الإنسان وتقوده إلى مصيره ، ثم تعرض لجانب الشر في الإنسان وصراعه الدائم
ضد رواسب الماضي ومحاولته للتفوق على نفسه ولكنه يساق إلى نهاية لا
يريدها لأن الظروف أقوى منه.
تلك هي الخطوط العامة التي رسمها المؤلف من خلال الحدث ، والشخصيات في
هذه الرواية ، وقصة"ريح الجنوب" هي قصة مأساة فتاة جزائرية ريفية هربت
من القرية إلى العاصمة لتدخل الجامعة وتدرس فيها ، ولكنها عادت لتقضيإجازتها في صيف حار زاده لفح ريح الجنوب حرارة وزاد من ضيقها أنهاسجينة في دار أبيها ، وفكر ابن القاضي وهو اسم الأب في أن يزوجها من
رئيس البلدية ، بعد أن بدأ الحديث يدور حول الإصلاح الزراعي ،و"الثورة
الزراعية" . فخاف على أرضه وهو من الملاك المعروفين بولائهم في الماضي
للحكام الفرنسيين . ولذلك فإن زواج ابنته "بمالك" شيخ البلدية المجاهد القديم
والحزبي اليوم يتيح له أن يحافظ على أملاكه ومكانته ونفوذه في القرية ،
وتفجر الموقف فالفتاة تعلمت كي تختار مصيرها لا أن يختاره غيرها لها ولو
كان الأب نفسه. ولم تجد أمامها سوى الهرب حلا لأزمتها ، وأثناء فرارها
لسعها ثعبان في الطريق فالتجأت إلى راعي أبيها والذي كان يحبها ، ولما عرف
أبوها بذلك غضب لكرامته وخشي من كلام الناس فقرر أن يقتل الراعي بمديته
التي أغمدها في صدره وفي نفس الوقت سقط هو مضرجا في دمه بضربة من
أم هذا الراعي . وخرجت الفتاة متجهة إلى بيت أبيها لتدفن نفسها فيه . هذا
ملخص مقتضب للرواية ، وقد لا يكون من الأحداث الملفتة للنظر .
ثم أن معالجة موضوع المرأة وصراعها من أجل التقدم ورفضها لمنطق الوصاية
أو وقوفها ضد العادات والتقاليد ، إن هذا الموضوع أيضا قد لا يكون جديدا فيالأدب العربي وحتى في الأدب الجزائري وخاصة في القصة القصيرة وإن اعتبر
جديدا في الرواية الجزائرية العربية.
على أن الشيء الجديد في الرواية هو الاهتمام بالأرض وارتباط الفلاح الجزائريبها ، صحيح أن الكاتب لم يركز على هذا الجانب وحده لأنه أراد أن يبرز أيضا
قضية المرأة المثقفة التي لم تستطع أن تتحرر بعد من سيطرة الأسرة ومن
منطق الماضي المتمثل في أبيها ، ثم إنه عنى بجانب آخر يتصل بالأرض
ولكن من خلال الأب الذي استغل ابنته وضحى بها كي يحتفظ بأرضه .
ولكن كيف رسم المؤلف شخصياته الرئيسية في هذه الرواية؟
إن البطلة "نفيسة" تبدو قلقة ، ممزقة ، حائرة ،نتيجة ثقافتها التي ساعدتها على
الوعي بالحياة فهي تعيش في عزلة روحية كاملة رغم أنها بين أهلها وأقاربها
وفي قريتها التي نشأت فيها ، ولكن القضاء المتمثل في أبيها خطط لها مصيرها
ونهايتها المؤلمة.على أن هذه الشخصية المتوترة سلبية لأنها بلا أهداف ولهذا
فهي منفية حلما وواقعا، وكلما صادفتها صعوبة لجأت إلى دموعها تنفس بها
عن كربها .فكل شيء حولها يثير فيها النفور والرغبة في التحرر ، ولكنها
عاجزة عن الفعل ، عن ترجمة الثورة النفسية والغضب إلى عمل ايجابي .
أما أبوها وهو الشخصية الثانية التي كان لها دور بارز في هذه الرواية فإنه
على العكس من ابنته ، شخصية ايجابية ولكن من نوع آخر ، من النوع
"الانتهازي" ،الأناني، الفردي ، وهذه الشخصية بهذا المعنى تعد سلبية أيضا لأنهالا تقوم بالعمل لهدف سام نبيل أو لمصلحة الآخرين ، بل كل ما يخطط له ويفعله
إنما هو لمصلحته الخاصة ، ومن هنا فإن كل الطرق والوسائل مباحة عنده ما
دامت تساعده على أن يحتفظ بالأرض ولو على حساب ابنته وسعادتها ، فهو
يمثل الطبقة الإقطاعية الاستغلالية.
نلمس هذا من علاقته "بمالك" رئيس البلدية الذي عاش الثورة وناضل في
صفوفها وأصبح مسؤولا في هذه القرية ،وشأن الإقطاعي "ابن القاضي" أدرك
بحدسه أن الإصلاح الزراعي سيصل إليه وإلى أرضه وإذن فلا بد من التقرب إلى
"مالك" وكسب عونه ولن يتيسر له ذلك بدون رابطة متينة تربط بينهما ، وهذه
الرابطة اكتشفها عندما عادت ابنته نفيسة من الجزائر.
وهذه الشخصيات التي لعبت دورا أساسيا في الرواية تقابلها شخصيات أخرى
ثانوية أو تأتي في الدرجة الثانية ، وكثيرا ما ينجح المؤلف في رسم هذه
الشخصيات الساذجة البسيطة التلقائية في تصرفاتها ومواقفها مثل شخصية
"رحمة" العجوز الفنانة التي كانت تصنع الفخار في القرية ،وترسم عليه رسومامعبرة، فما من منزل في القرية إلا وفيه بصمات هذه العجوز الموهوبة ولكنها
في لحظاتها الأخيرة أحست بأنها قدمت للآخرين ما عندها بينما هم لم يقدموا لها
شيئا، نظروا إليها مثلما ينظرون إلى الأشياء الجامدة.
وهناك شخصيات أخرى لم ترسم رسما دقيقا وإن جاء بها المؤلف لينقل لنا جو
القرية وأسلوب الحياة فيها وطريقة الناس في تعاملهم بعضهم ببعض بل
وليصور التخلف في القرية الذي يحتاج إلى فكر جديد يقضي عليه ويجعل الحياة
تتقدم خطوة إلى الأمام .
ويبدو أن المؤلف يحن إلى القرية رغم أنه يعيش في المدينة ويتعاطف مع أهلها
في أفراحهم وأتراحهم فهو مشدود إلى صفاء الناس في القرية وإلى بساطتهم
وإن كان يرفض بعض التصورات وبعض العادات في هذه القرية ، فهو إذن ليس
ساخطا على القرية وعلى الريف ، ولكنه داعية إلى تطور القرية والريف.
وأفضل ما في الرواية هو أسلوب الكاتب ولغته السلسة الشاعرية في كثير منالمواقف ،خاصة حين يصف الطبيعة المتمثلة في هذه الرياح الساخنة التي لا
ترحم الإنسان والحيوان والنبات.
والمؤلف يربط بين الإنسان والطبيعة ويصف الجو الذي يعيش فيه الإنسان وسططبيعة غاضبة ممثلة في هذه الريح التي تصاحب الرواية من بدايتها حتى نهايتها
فهي أشبه "بدعاء الكروان" في رواية "طه حسين" ، ووصف الطبيعة هنا ساعد
على تصور الحياة في القرية:
" تحركت ريح الجنوب بكل عنف ، وانطلق دويها بكل قوة يهز الدنيا هزا ،
وأخذت أصواتها في فحيح وصفير تتجاوب من كل جهة وجانب باعثة في
النفوس الهلع وفي القلوب الرعب والفزع ، وكان الليل في هزيعه الأول، وكانتنفيسة مضطجعة بفراشها قلقة من هذه الريح التي تحركت والتي إذا استمرت قد
تحول بين أمها وبين زيارة المقابر كما قررت بعد كثير من إلحاحها عليها..."
أما الحوار فإنه باللغة العربية الفصحى ن ويكون صادقا ومعبرا عن نفسية
الشخصية وعن مستوياتها المختلفة حين يختاره المؤلف وحين يكون موجزا
مقتضبا حسب مزاج الشخصية وتكوينها، وللكنه يكون بعيدا عن الواقعية حين
يطول أو لا يعبر سوى عن آراء الكاتب وأفكاره خاصة إذا ما كان عميقا يعبرعن تجربة ثقافية أو تجربة في الحياة عميقة قد لا تقتنع بأنها نابعة من حياة
الشخصية الروائية ، وإنما هي نابعة من حياة المؤلف .
وبالجملة فإن الرواية فيها الشيء الكثير مما يمكن أن يقال من حيث أسلوبها
وموضوعها ومحتواها ، فالمؤلف ألم فيها بحياة الناس في القرية ، تحدث عن
الفرد وعن روح الجماعة ، عن الماضي القريب والبعيد أيضا ، تحدث عن الواقعوالمستقبل ، وكان معلما أحيانا وفنانا أحيانا كثيرة وفي كل ذلك كان رائده خدمة
الأدب والمجتمع والتأصيل لفن الرواية العربية وما هذا بالقليل .


المسرحية


مما لا شك فيه أن المسرح الجزائري منذ نشأته حتى اليوم لم يجد العناية الكاملة
من الدارسين والنقاد ، بالرغم من الكتب والمقالات التي عرضت تطوره
واتجاهاته . وفي مقدمة العوامل التي عاقت دون هذا ، يأتي عامل النص ، ذلك
أن دراسة الأدب بوجه عام ، وخاصة في الأدب الرسمي تعتمد على النص
المكتوب والمطبوع ، وهذا ما لم يتوفر بالنسبة للمسرح الجزائري سوى في
الفترة الأخيرة. أما في البدايات الأولى فهي تدخل في ما يسمى بالأشكال البدائية
التي عرفت في العالم العربي ، مثل عرائس الكراكوز أو خيال الظل وحفلات
الذكر في مراكز الطرق الصوفية ، مما يعتمد فيها على الحركة والإشارة وعلى
تمثيل بعض المشاعر ، وخاصة ما يتصل بالدين مثل يوم عاشوراء وما إلى هذا
السبيل.
وبعض الدارسين للمسرح الجزائري الحديث يعتبرون أن ميلاد المسرح
الجزائري تم ما بين 1919 و 1927 ، أي أن البدايات الأولى ظهرت بعد
الحرب العالمية الأولى ، حيث ظهرت الحاجة إلى مسرح يعالج الواقع الجزائريويصطنع اللغة والتمثيل ويهتم بالمسرح أداة للنقد وبالفكاهة سبيلا لترقية الذوق
والشعور.
غير أن الباحثين يكادون يجمعون على أن انطلاق المسرح الجزائري بدأ في سنة
1926 وحتى السنة التي حاول فيها الجزائريون خلق مسرح عربي يستخدم اللغة
العربية الفصحى وسيلة للتعبير والتمثيل ، وهذه المحاولة تندرج في مجال
المحاولات التي قام بها رواد المسرح العربي في بلدان عربية أخرى مثل سوريا
ومصر منذ القرن التاسع عشر وهذه المحاولة تنبع من الفكرة التي تدعو إلى
النهضة الحديثة التي تستفيد من الغرب ومن تقدمه الثقافي والحضاري.
ومع هذا فإن زيارة فرقة جورج أبيض كان لها أثرها في الأوساط المسرحيةوبدأ المسرح الجزائري يخطو خطوات جدية بحيث مثلت مسرحيات ذات مضامين
جديدة وتكونت فرق مسرحية وفنية لعبت دورا جادا في خلق مسرح جزائري
. بلغة عربية فصحى استمر إلى غاية 1926
غير أن هذا المسرح توقف مما نتج عنه توقف المسرحية باللغة القومية ليحل
محله مسرح جزائري استخدم اللهجة الدرامية حتى قيام الثورة بل وأثناءها وما
بعد الاستقلال .
على أن الباحثين أمثال محي الدين باش تارزي عرضوا لهذا المسرح بشيء منالتفصيل وتحدثوا عن المراحل التي مر بها المسرح الشعبي أي باللهجة العامية
واعتبروا أن المرحلة الأولى تبدأ من عام 1926 إلى 1934 وهي مرحلة عنى
فيها المسرح بالمشاكل الاجتماعية ومالت المسرحية إلى الفكاهة في أسلوبها
وإلى الهزل في طريقة التعبير فيها.أما المرحلة الثانية فتمتد ما بين 1934 إلى
قيام الحرب العالمية الثانية ، وفي تلك المرحلة لعب " رشيد القسنطيني" الدور
الأساسي ممثلا ثم مؤلفا وممثلا واتجه إلى النقد بأسلوب فكاهي هزلي مما أثار
السلطة الاستعمارية فضيقت عليه الخناق وفرضت على المسرح الجزائري
الرقابة الشديدة.
ومع هذا العرض فإن الصعوبة التي تواجه الباحث كما سبق القول هي العثور
على النصوص فمعظم المسرحيات التي تحدث عنها المؤرخون للمسرح
الجزائري أو النقاد لم تطبع في كتب لأنها مثلت على خشبة المسرح وبقيت
مخطوطة أو أنها ضاعت أو أهملت من أصحابها ، ولعل الظروف التي مرت بها
لجزائر والثقافة القومية فيها لها دخل في هذا كله.
ويمكن أن نميز ثلاثة اتجاهات في المسرح الجزائري العربي الحديث : الاتجاه
التاريخي ، الاتجاه الاجتماعي ،والاتجاه الثوري النضالي.
فالاتجاه التاريخي أسبق الأنواع ظهورا ، واستمر حتى بعد الاستقلال ، وبالرغم
من أن نصوصه قليلة مثل غيره من هذه الأنواع الأخرى فإننا نستطيع أن نتلمس
فيه بذور المسرحية التاريخية التي تنشأ عادة في الظروف التي يشتد فيها
الصراع بين القوميات المتعددة ، أو بين الشعوب المضطهدة وبين المحتلين
الأجانب .
وكثيرا ما تجد الدارسين في تاريخهم للمسرح الجزائري الحديث ذي اللغة
القومية يشيرون إلى مسرحية "بلال" للشاعر محمد العيد آل خليفة، حيث اعتبرها
النقاد أول نواة شعرية استلهم فيها التاريخ العربي الإسلامي وحاول أن يجسد
موقف الصحابي المشهور "بلال" الذي تحمل في سبيل العقيدة ما لم يتحمله سوى
القليل من المؤمنين . وكان متوقعا أن تظهر مسرحيات تاريخية كثيرة أثناء هذه
العقود التي نشأت فيها الحركة الإصلاحية وامتدت حتى قيام ثورة نوفمبر 1954
ولكن مع هذا فلم تطبع سوى مسرحية تاريخية أخرى هي حنبعل لتوفيق المدني.
وكما كان متوقعا فإن مسرحية "حنبعل" وجدت إقبالا سواء حين مثلت أو طبعتلأنها تعرض لفترة تاريخية امتازت بصراع بين القرطاجيين وبين روما ، فقدكانت قرطاجنة تمثل قوة الحضارة والتقدم العمراني فحاولت روما إخضاعها
بالقوة حتى انتهى الأمر بحرق هذه المدينة العظيمة.
ولم تكن هذه المسرحية النثرية الوحيدة التي نشرت في لفترة التي تحدثنا عنهاوإن كانت الوحيدة من حيث الطول ومن حيث أنها طبعت في كتاب قبل الثورة ،
إلا أن هناك مسرحيات نشرت في المجلات الأدبية خارج الوطن كتبها " أحمد
رضا حوحو" كما نشر غيرها في المجلات والجرائد الوطنية بعد الحرب العالمية
الثانية .
أما الاتجاه الثاني في المسرحية فهو الذي عنى أصحابه بنقد المجتمع وتقاليده
وعاداته ، ولعل هذا الاتجاه كان غالبا في المسرحيات التي مثلت بالمسرح أو في
الإذاعة بالرغم من أنها نصوص قليلة ، خاصة وأن معظمها كتب بلهجة عربية
دارجة وفي معظم الأحيان كانت المسرحيات فيه تهدف إلى إصلاح المجتمع
وتدعو إلى التحرر من سيطرة الماضي والتخلص من رواسبه ، كما أنها تهاج م
المساوئ التي غزت البيئة الجزائرية بسبب الاستعمار وأفكاره التي حاول أن
يغرسها في هذه البيئة .
ويمكن أن نجد مثل هذه الموضوعات التي لها صلة بالمجتمع وما يتصل به من
قريب أو بعيد ، يمكن أن نتلمس ذلك فيما كتبه "أحمد رضا حوحو" في مسرحياتهالقصيرة ، أو في تلك التي اقتبسها من المسرحيات الفرنسية ومثلت على خشبة
المسارح الجزائرية في الأربعينات وبداية الخمسينات ، وكان لها أثرها الواضح
في الحياة الأدبية والاجتماعية على السواء.
ويبقى الاتجاه الثالث والأخير في المسرح الجزائري وهو الاتجاه الثوري أو
النضال من أجل الحرية ومن أجل المستقبل وهذا الاتجاه تمثله بعض المسرحيات
والنصوص القليلة المطبوعة . أما غير المطبوعة فهي كثيرة ترجع إلى أيام
حرب التحرير ، والمسرحية التي كتبها "عبد الله ركيبي" أيام الثورة بعنوان "
مصرع الطغاة" فذه المسرحية التي طبعت أثناء الثورة باللغة القومية سجلت
نضال الشعب الجزائري .
ولا يعني هذا أن الكتاب عنوا بأحداث الثورة في أبانها وأثناء الكفاح المسلح بل
إنهم بعد الاستقلال رجعوا إلى هذه الفترة المشرقة من تاريخنا وحاولوا تجسيده
في أعمالهم المسرحية .
وقبل أن ننهي هذا الفصل نذكر بأن هناك قضايا ما زالت تثار حتى الآن وتتعلق
بالمسرح ولغته ، فهناك نقاش وحوار يدور حول أداة هذا المسرح هل ينبغي أن
يكتب بلغة عربية فصحى أام باللهجة العامية لأنها لهجة الجماهير ولأن المسرح
ينبغي أن يتجه إلى الجماهير ويعبر عن فهمهم وعن مشاكلهم وآمالهم.ومنشأ
هذه القضية وسبب هذا الحوار أن هناك صداما حادا بين أنصار التعريب
وخصومه.
ومها يكن من أمر فإن المسرحية الجزائرية باللغة القومية ما زال أمامها طريق
طويل لكي تقف مع النماذج الجيدة سواء في المشرق العربي أو في غيره ،
ولعل الجيل الشاب الجديد يتحمل مسؤوليته في هذا التطور المنشود سواء في
الموضوع أو في الشكل أو في المحتوى حتى ينهض بهذه المسؤولية ويسهم في
تطور الأدب العربي في الجزائر.




مشاركة مع اصدقاء

هناك تعليق واحد

  1. هل هذه المواضيع للابتدائي.لانها ليست المواضيع المدرجة في الملحق

    ردحذف