مقامات بديع الزمان الهمذاني - مدونة الرسائل الجامعية العربية

الجمعة، 19 فبراير 2016

مقامات بديع الزمان الهمذاني

مقامات بديع الزمان الهمذاني


الوصف:

فقد أصاب الدرس اللغوي الحديث تغير في مناهج دراسته بعد حقب زمنية ساد فيها النظر الى اللغة بوصفها طاقة للعقل الجمعي، تتماثل لدى جميع الأمم والشعوب على اختلاف بيئاتها وعصورها، كما تتماثل لدى أبناء المجموعة اللغوية الواحدة. وفاد دفة هذا التغير الغوي دي سوسير الذي أبرز واقعين وجوديين ينتظمان نتاج العقل الجمعي، وقد جسد دي سوسير هذين الواقعين بثنائية عدت أساسًا انطلقت منه أغلب المناهج التي تعاملت مع سير الخطاب الإنساني وتمثلت هذه الثنائية الوجودية باللغة والكلام، وقد حرص دي سوسير على إظهار طرفي الثنائية مستقلين، وإن لم تلحظ قطيعة سبية بينهما، وقد حدد الطرف الأول طرفي الثنائية مستقلين، وإن لم تلحظ قطيعة سببية بينهما، وقد حدد الطرف الأول من هذه الثنائية بعموميته على نحو بدا فيه شاملا متسعًا، واستبعد أن يكون له تحقق ذاتي كامل، فهو واقع غير متجسد، وإنما يتمظهر عبر استخدامات خاصة يمثلها الآخر من هذه الثنائية- الكلام- الذي انتفت عنه العمومية، واكتسب خصوصية تامة لارتباطه بالأفراد. ولئن أقرت هذه الثنائية باجتماعية اللغة، وأعطت دورًا مركزيًا للمجموعة اللغوية الواحدة في تكوينها، فإنها اعتبارات أن للفرد استخداماته اللغوية الخاصة، وأن له مطلق الحرية في اختيار ما يلائم أغراضه التعبيرية من مكونات يستمدها من الطرف الأول العام الذي أسهم الفرد بذاته في تكوينه وإنشائه، دون أن يكون قادرًا على تجسيده كاملًا بما يسوده من علاقات وأنماط لغوية ومكونات. لقد انتقت مقولة التشابه اللغوي بين أفراد المجموعة الواحدة، وبرزت بفضل هذه الثنائية مقولة الاستخدام اللغوي الخاص الذي حصر بالفرد عند تعامله مع النظام اللغوي، مراعيًا ظروف القول، قاصدًا تحقيق غايات محددة. وقاد الاهتمام بالفرد، وبما يكون له من استخدامات لغوية خاصة إلى الحكم بتباين الأفراد باستخداماتهم اللغوية على نحو يصعب فيه أن نجد اثنين من أبناء المجموعة اللغوية الواحدة يتخذان مسلكًا واحدًا في تعاملها مع النظام اللغوي، وهذا ما أسلم إلى الحكم بتباين هذين الفردين في أسلوبها، وينطوي الاختلاف في أسلوب الفردين السابقين على اختلاف في تعاملهما مع النظام اللغوي ذاته. وهذا ما أعطى لهذه الثنائية دورًا في إقامة التحديد الأصولي لمفهوم الأسلوب، كما أبرزت الكلام بوصفه الواقع المتجسد من اللغة. ولقد اتكأت هذه الدراسة على التصوير الثنائي الأصولي السابق، فأرجعت المقامة إلى كاتبها، ورأت أن المقامة كلام خاص، فربطت ما ورد فيها من مكونات لغوية الكاتب، انتقادها دون غيرها ليشكل خطابه الإبداعي، وبهذا فهي تعكس استخدامه للغة وتعامله مع مستوياتها كافة. وبهذا فإن الخصائص اللغوية البادية في المقامة تشكل في جوهرها أسلوب الهمذاني، وطريقته في التعامل مع اللغة. وهي بذلك خصائص ذاتية وليست عامة. واتكأت هذه الدراسة على تصور يرى أن في المقامة جانبين دائمي التفاعل هما: جانب اللغة وجانب الجمال، فراحت تظهر العلاقة التي تربط بين الوظائف اللغوية والوظائف الجمالية في المقامة، وللوصول إلى ذلك، نظرت هذه الدراسة إلى المقامة بوصفها نصًا ذا وظائف متعددة، واعتبرت أن لكل عنصر لغوي وظيفة يؤديها في إطار المقامة الواحدة، فراحت تبحث عما تؤديه العناصر اللغوية من أغراض، وما تحققه من أبعاد جمالية. وقد ألزم منهج البحث القائم على الوصف فصل الجانبين السابقين عن بعضهما، بغية التعرف إلى مكونات الجانب الأول والانطلاق منه نحو الأبعاد الجمالية المتعددة. واقتضى ذا الأمر رصد هذه الاستخدامات اللغوية المتعددة للكاتب، وربطها بوظائف مخصوصة في سياق المقامة الواحدة. وقد انتظمت هذه الدراسة في هيكل تنظيمي قائم على أربعة فصول، حاول الفصل الأول منها تقديم إطار نظري تأصيلي للأسلوبية الحديثة، فقام على تساؤل أصولي يسعى إلى تحديد ماهية الأسلوبية. وانتهى هذا التساؤل إلى أن أفضل وسيلة لتحديد الأسلوبية تكون باعتماد زاوية العلاقات التي تقيمها الأسلوبية مع مجالات معرفية مخصوصة. فحددت الأسلوبية بإظهار علاقاتها مع علم اللغة، وبدا أن علاقاتها بهذا العلم علاقة منشأ ومنبت، مكنت الأسلوبية من أخذ مناهج هذا العلم وتحديداته وميادين عمله. كما حددت الأسلوبية بإظهار علاقتها لدوافع اشتراكها في مادة البحث وهي اللغة، وقد اظهر البحث في هذه العلاقة تمايز الأسلوبية، واستقلالها عن البلاغة لاعتبارات منهجية وغائية. كما حددت الأسلوبية بإظهار علاقتها مع النقد الأدبي، وبدا أن لكليهما مداخل خاصة في التعامل مع النص على نحو يمكننا من الحكم باستقلالها. وقد حاولت الفصول الثلاثة تجسيد تعامل الكاتب مع مستويات النظام اللغوي المختلفة، فدرس الفصل الثاني "الإيقاع" بوصفه ظاهرة صوتية. فحاول هذا الفصل رصد طرق الكاتب في خلق الإيقاع، وقد كانت متعددة، فمنها ما قام على تكرار قيم صوتية منفردة ممثلة بالصوت المفرد، ومنها ما قام على تكرار وحدات دلالية دنيا "ألفاظ" خلقت إيقاعًا لافتًا، ومنها ما قام على تكرار وحدات لغوية بنيوية كبري- تراكيب- خلقت بتوزايها إيقاعًا واضحًا. وقد عرض هذا الفصل إيقاعًا متخيلًا ناتجًا عن توالي النغمات الصوتية صعودًا وهبوطًا. ولم يكتف هذا الفصل بوصف القيم الصوتي الخالقة للإيقاع بل عمل على إظهار الجوانب الجمالية التي خلفتها تلك القيم، اعتمادًا على السياقات التي وردت فيها هذه القيم. وحاول الفصل الثالث دراسة الظواهر الأسلوبية المتعلقة بجانب التركيب، فنظر إلى المقامة على أنها كيان متكامل مستقل، يعتريه نحو خاص به، تقيمه العناصر اللغوية مجتمعة. فدرس العنوان بوصفه وحدة ركنية داخلة في تكوين المقامة، ودرس الاستهلال بوصفه تأسيسا للمقامة، تنطلق منه أحداها. وتناول هذا الفصل السرد والحوار بوصفها نمطين من أنماط التعبير المخصوصة، فراح يدرس مكوناتها، ودورهما في تشكيل المقامة، حتى إذا ما انتهينا من دراسة السرد وإظهار وظيفته في المقامة، رحنا نتتبع البنية اللغوية للمشاهد الحوارية عند الهمذاني، وما يصاحبها من خصائص، وعرض هذا الفصل لعدد من الظواهر الأسلوبية المتفرقة التي شاعت في مقامات الهمذاني. وقصد الفصل الرابع دراسة مجاميع مخصوصة من ألفاظ الكاتب، رأيناها شائعة ومنتشرة، بغية تشيل معجم خاص للكاتب، فدرست ألفاظ الزمن وألفاظ المكان، كما درست مجاميع مخصوصة من الألفاظ: كالألفاظ الدالة على الأطعمة والملابس والشتائم وغيرها. ولم تخرج منهجية هذه الدراسة عن الوصف المقترن بالإحصاء في بعض المواطن التي اقتضته.وقد قمنا بتحديد الظاهرة المدروسة أولا ووصفها، والبحث في استخداماتها المتعددة في المقامة الواحدة، ثم حاولنا البحث عن أبعادها الجمالية المتحققة، منطلقين من المقامة نفسها بوصفها كيانًا مستقلًا قائمًا بذاته، معولين على السياق بوصفه سلسلة لغوية مستمرة في تقرير الإيحاءات الجمالية والدلالية. وقد خرجت هذه الدراسة على تقليد البحث في حياة الكاتب، وما دار في حياته من أحداث وأخبار، كما اجتنبت هذه الدراسة الخوض فيما دار حول المقامات من دراسات وآراء تحاول تأصيلها، والبحث في نشأتها، كل أولئك لالتزامها بمنهج الدراسة الأسلوبية الذي يقتضي الانطلاق من جانب محدد من النص وهو اللغة، والبحث في أبعادها الجمالية المتحققة. فإن هذه الدراسة ما كانت لتسير بهذا الاتجاه، وتظهر على هذه النحو، لولا قيادة ربانها الأستاذ الفاضل وليد سيف، الذي ما انفك عن الدارس يوجهه ويصوبه بفكر العالم المتعمق، وقلب الأدب الرؤوف على ابنه، وهمه الأخ الحريص على أخيه، ووفاء الصديق المحب لصديقه ، فجزاه الله عني حسنات تثقل ميزانه يوم القيامة، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتي الله بقلب سليم. ولأستاذي الفاضلين، الأستاذ الدكتور إبراهيم السعافين، والدكتور جعفر عبابنة أجزل شكر على ...


------------------
------------------------------------

مشاركة مع اصدقاء