تاريخ
السيرة النبوية
الحمد لله رب العالمين والصلاة على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
فإنه يتحتم علينا ونحن ندرس السيرة النبوية أن نعطي ولو لمحه موجزة عن الحجاز قبيل البعثة النبوية الذي أخذ يتهيأ لاستقبال الدين الجديد والرسالة السماوية في جميع نواحي الحياة سواء السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية .
أولاً: مكة المكرمة
لقد حافظ الحجاز على استقلاله منذ أقدم العصور ، فلم يعبث بحريته الملوك الفاتحون، في الوقت الذي عبث فيه ملوك الفرس والروم باستقلال كثير من الأمم كذلك ظل محافظا على استقلاله أيام الاسكندر المقدوني الذي تمكن من الوصول الى بعض المناطق العربية والسيطرة عليها.
وكان من اثر تمتع أهل الحجاز بالإستقلال طول حياتهم، أن ظهرت فيهم طبائع خاصة بهم، من حيث عراقة أصلهم وشرف آبائهم وشهامتهم التى كانت ولا تزال مضرب الأمثال ولغتهم التي حافظت على نقائها وصفائها.
وكان لبلاد العرب دين واحد وعقيدة مشتركه مركزها مكة وكان العمالقة أول من نزل مكة وثم خلفهم قبيلة جرهم الثانية، وفي عهدهم نزل اسماعيل وأمه بوادي مكة وصاهرهم اسماعيل. ولما مات تولى البيت بعده ابنه ثابت، وهو أكبر أولاده، ثم تولى ولاة من جرهم استمرت ولايتهم إلى سنه 207 م.
ولما قدمت خزاعة من اليمن أجلت جرهم وانتزعت منها السيادة واستمرت خزاعة على ولاية البيت نحوا من ثلاثمائة سنه أحدثوا فيها الكثير من الأوهام الفاسدة ولا سيما عبادة هبل.
ثانيا : انتقال السيادة إلى قريش :
استمرت خزاعة على ولاية البيت حتى قويت قريش وتغلبت عليها في القرن الخامس الميلادي، وكانت على درجة كبيرة من الرقي، فاستولى قصي بن كلاب على أمر مكة والبيت الحرام سنه 440م من يد خزاعة وأجلاهم عنها بما كان له من العصبية، فرحلت خزاعة ونزلت في بطن مر (وادي فاطمة) ومن ثم عظم نفوذه واجتمعت له السقاية، والحجابة، والرفادة، واللواء، ولم تجتمع في رجل من قبله.
وإلى قريش يرجع الفضل في توثيق الروابط التي تربط من يؤمون البيت الحرام كل عام من مختلف القبائل، إذ أصبحت مكة المكان الذي تفد إليه القبائل من كافة أرجاء بلاد العرب حيث يجتمعون للحج والتجارة، وقد جعل هذا الأمر لقريش مكانةً خاصة في نفوس القبائل .
ثالثا : الحكومة في قريش:
ذكر المؤرخون أن بني سهم (ومنهم عمرو بن العاص) كانوا أصحاب الحكومة في قريش قبل الإسلام، ولعل هذه الحكومة كانت شيئا يشبه القضاء بحيث يحتكم القرشيون وغيرهم ممن يفدون على مكة من العرب إلى بني سهم، فيما كان يقع بينهم من الخصومات، وكان يلي الحكومة من قريش أصحاب الرأي والحلم والدهاء فيها.
رابعا : مكة في عهد عبد المطلب:
مازال فضل قريش يزداد بين القبائل حتى جاء عبد المطلب الذي اشتهر بتجديد حفر بئر زمزم سنه 540 م، وفي عهده خذل الله أبرهه الأشرم، وصده عن مكة والبيت الحرام ونجت مكة في أيامه من خطر الحبشة، فذاعت شهرته وقصدته القبائل من كافة أطراف الجزيرة.
وفي موسم الحج يأتي الناس من أصناف القبائل إلى مكة ويلتقون عند الكعبة وفي الأسواق، فيتعارفون ويتبادلون البضائع من بيع وشراء ومبادلة ويعقدون المجالس للمفاخرات والمشاورات وحل المشاكل، فساعد ذلك على تقريب العرب بعضهم من بعض واستقرار معنى القومية المشتركة في أذهانهم وتوحيد اللغة وتصفيتها. وقد استفادت قريش كثيرا من هذا الاحتكاك بجميع نواحيه سواء الدينية أو التجارية أو الفكرية.
خامسا : علاقة قريش الخارجية:
شهدت الفترة التى سبقت ظهور النبي صلى الله عليه وسلم صراعات عنيفة بين الفرس والروم وهما أعظم دولتين في ذلك الوقت وقد امتد صراع هاتين الإمبراطورتين حتى وصل إلى شبه الجزيرة العربية. وسقطت اليمن تحت الإحتلال الحبشي ثم الفارسي إلا أن مكة كانت بعيده عن ذلك الصراع بل انها قامت بنقل التجارة إلى خارج الجزيرة العربية، وقد حرص رجال مكة القرشيون على أن لا يزجوا بأنفسهم في مجال الصراع الدولي بل حرصوا على اتخاذ موقف الحياد.
وقد توسعت قريش في علاقاتها التجارية مع الجنوب والشمال والشرق فكانت لها علاقات طيبة مع زعماء اليمن وكذلك النجاشي زعيم الحبشة وكذلك الغساسنة والروم.
أما علاقة مكة بالفرس والحيرة ، فإنه في الوقت الذي حصل فيه رجال مكة على عهود من اليمنيين والحبشة والروم للمتاجرة في بلادهم فإن أحد زعماء قريش وهو نوفل بن عبد مناف أخذ عهدا مماثلا من كسرى للمتاجرة في بلاد الدولة الفارسية.
وبهذه العلاقات التجارية الواسعة خرجت مكة من عزلتها الى المجال الخارجي واستطاعت أن تحتل دور الوسيط التجاري بين الدول المجاورة للجزيرة العربية.
سادسا : نشاط أهل مكة التجاري :
لقد قامت قريش على ترتيب قوافلها التجارية على إثر تلك العلاقات التي نشأت بينها وبين الدول المجاورة، فجعلت لتلك القوافل رحلتين في السنة، رحله في أشهر الصيف إلى الشمال، ورحله في أشهر الشتاء إلى الجنوب، وقد عملت على تأمين طرق القوافل بما عقدته من محالفات مع رؤساء القبائل الضاربة على جنبات هذه الطرق، فسيطرت قريش على التبادل التجاري بين الشمال والجنوب وعظمت قوافلها حتى لتبلغ القافلة الواحدة خمسمائة ألف بعير تحمل عروض التجارة المختلفة.
وكانت التجارة التي تحمل من الجنوب أو الشمال أو الشرق تفرق في مكة حيث تستهلك البيئة المحلية منها ما تحتاج إليه ثم يحمل الباقي إلى الجهات المختلفة.
وكانت في مكة سوق دائمة للتبادل التجاري، وخاصة مع القبائل القريبة منها، ولم تكن قوافل مكة تجارة أفراد، وإنما كانت تجارة مدينة، وكانت قريش كلها تشارك فيها، وكان كبار التجار يقومون على هذه القوافل التي تضم أموالا لأفراد متعددين منهم من يسافر على تجارته ومنهم من يستأجر آخرين.
أولاً: نسب النبي صلى الله عليه وسلم :
نسب النبي صلى الله عليه وسلم ينقسم الى ثلاثة أجزاء جزء اتفق على صحته أهل السير والأنساب وهو إلى عدنان , وجزء اختلفوا فيه مابين متوقف وقائل به وهو ما فوق عدنان إلى إبراهيم عليه السلام , وجزء لا شك أن فيه أموراً غير صحيحة وهو من إبراهيم الى آدم عليهما السلام .
والذي يهمنا هنا هو الجزء الأول من نسبه عليه الصلاة والسلام وهو المتفق على صحته وهو كالتالي:
محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مره بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر وهو الملقب بقريش (وإليه تنسب القبيلة) بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
فالرسول صلى الله عليه وسلم يعود نسبه الى إبراهيم عليه السلام وهذا ثابت لقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي أخرجه مسلم (إن الله عز وجل اصطفى كنانة من ولد اسماعيل عليه السلام واصطفى قريشا من كنانة, واصطفى من قريش بني هاشم, واصطفاني من بني هاشم) أما الذي فيه خلاف فهم أسماء أبناء إسماعيل إلى عدنان, وما فوق إبراهيم إلى نوح عليهما السلام.
الأسرة النبوية :
هاشم :ان هاشم هو الذي تولى السقاية والرفاده من بني عبد مناف حيث تصالح بنو عبد مناف وبنو عبد الدار على اقتسام المناصب فيما بينهم , وهاشم كان موسراً ذا شرف كبير وهو أول من أطعم الثريد للحجاج بمكة , وكان اسمه عمرو فما سمي هاشما الا لهشمه الثريد وهو أول من سن الرحلتين لقريش , رحلة الشتاء والصيف وفيه يقول الشاعر :
رابعاً: انتشار الإسلام في أهل مكة: ثم أسلم زيد بن حارثة وكان يقطن مع الرسول صلى الله علية وسلم في بيته وكان مولاً لرسول الله إلا أنه أعتقه وتبناه عليه الصلاة والسلام, ثم بعد ذلك أسلم أبو بكر الصديق رضي الله عنه ثم عثمان بن عفان, والزبير بن العوام, وعبد الرحمن بن عوف, وسعد بن أبي وقاص, وطلحه بن عبيد الله. ثم تلا هذه المجموعة مجموعة أخرى منهم: أبو عبيده بن الجراح, وأبو مسلمة بن عبد الأسد, والأرقم بن أبي الأرقم, وعثمان بن مظعون, وأخواه قدامه وعبد الله, وعبيد بن الحارث وغيرهم.
ويلاحظ أن أول من أسلم كانوا من أحداث الرجال أو من أسنان النبي صلى الله عليه وسلم أو ممن لا يكبره في السن كثيرا, أما الشيوخ المسنون فلم يستجيبوا لدعوته استكباراً وأنفه, فللسن عند العرب منزله .. والعرف أعمق جذورا في نفوس المسنين. ولم يكن عدد المسلمين في هذه الفترة قد تجاوز الستين شخصاً وقد أسلموا في مدة تتراوح بين ثلاث أو أربع سنوات.
وكانت الدعوة تتميز بالسرية لأنها لم يتوجب بعد الجهر بها. فكان المسلمون يجتمعون سراً في دار الأرقم بن أبي الأرقم يتدارسون القرآن, وإذا حضرت الصلاة فإن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يذهبون في الشعاب ويمارسون صلاتهم بعيدا عن أعين قومهم.
خامساً: الجهر بالدعوة:
وما لبث الوقت أن حان لإعلان الدعوة وأصدر الله سبحانه أمره إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أن يصدع بما جاءه منه, وأن يتجاوز الطور السري للدعوة الذي استغرق ما يزيد على الثلاث سنوات إلى الجهر والعلن تنفيذاً لأمر الله ( فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين) ولقوله تعالى (وأنذر عشيرتك الأقربين, واخفض جناحك لمن تبعك من المؤمنين ) .
وقد بدأ الرسول صلى الله علية وسلم الدور الجديد للدعوة بأن صعد الى الصفّا ودعا بني المطلب أن يجتمعوا إليه, فاجتمع إليه منهم حوالي الأربعين , فيهم عدد من أعمامه وبدأ حديثه معهم : يا بني فلان , يا بني عبد المطلب, يا بني عبد مناف, أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً تخرج بسفح هذا الجبل أكنتم مصدقي ؟ قالوا : ما جربنا عليك كذبا , قال : فاني نذير لكم بين يدي عذاب شديد, فقاطعه أبو لهب ساخراً : تباً لك. ما جمعتنا إلا لهذا. ثم انصرف وانصرف بنو عبد المطلب في أعقابه.
سادساً: مقاومة المشركين لدعوة النبي صلى الله عليه وسلم:
بدأت عداوة قريش بعد ذلك تظهر ظهوراً جلياً, وأيقنوا أن انتصار الدين الجديد معناه تحطيم دين العرب الموروث والعبادة القومية وضياع ما كان يتمتع به سدنة الكعبة من ثروة. فناصبته قريش العداء وأجمعوا على خلافه والوقوف في سبيل دعوته وإيذاء أتباعه ليفتنوهم عن دينهم فلم يزدهم ذلك إلا إيماناً. وقد وقف أبو طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم ينافح عنه ضد قريش, فرأى زعماءها أن يبعثوا إليه وفداً من أشرافهم لعلهم يقنعونه بوقف ابن أخيه عن المضي في دعوته- أو على الأقل بالتخلي عن اسناده وحمايته, وبالفعل أرسلوا له وفداً إلا أن أبا طالب ردهم رداً جميلاً فانصرفوا عنه.
ثم مضى النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته , واشتد العداء بين محمد والوثنية عمقا, وامتلأت صدور المشركين حقداً عليه, وراحوا يكثرون الحديث في أمره, ويتآمرون ضده, ويحض بعضهم بعضاً عليه, ثم رأوا أن يقابلوا عمه أبا طالب مرةً أخرى وقالوا: يا أبا طالب إن لك سناً وشرفاً ومنزلةً فينا, وقد طلبنا منك أن تكف ابن أخيك عنا ولم تفعل, وإنا والله لا نصبر على هذا من شتم آبائنا وتسفيه أحلامنا وعيب آلهتنا حتى تكفه عنا, أو ننازله وإياك في ذلك حتى يهلك أحد الفريقين. فبعث أبو طالب إلى ابن أخيه وقال له: يا ابن أخي إن قومك قد جاؤوني فقالوا لي كذا و كذا فابق علي وعلى نفسك, ولا تحملني من الأمر مالا أطيق.
فقال :" يا عم والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك فيه " فما كان جواب عمه إلا أن قال: "اذهب يا ابن أخي فقل ما أحببت فو الله لا أسلمك لشيء أبدا".
ولما علمت قريش بموقف أبو طالب من ابن أخيه, وكيف أنه أبى خذلانه والتخلي عنه, حينها مشوا إليه بعمارة بن الوليد
بن المغيرة فقالوا له: يا أبا طالب هذا عمارة بن الوليد, أنهد فتى في قريش وأجمله, اتخذه ولدا فهو لك, وأسلم إلينا ابن أخيك هذا الذي خالف دينك ودين آبائك, وفرق جماعة قومك وسفه أحلامهم فنقتله, فإنما هو رجل برجل. فقال والله لبئس ما تسومونني أتعطونني ابنكم أغذوه لكم, وأعطيكم ابني تقتلونه؟ هذا والله لا يكون أبدا.
فزاد العداء وحميت الحرب. ثم إن قريش تآمروا فيما بينهم على من في القبائل منهم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين أسلموا معه, فوثبت كل قبيلة على من فيهم من المسلمين يعذبونهم ويفتنونهم عن دينهم.
وقد قام أبو طالب حين رأى قريشاً يصنعون ما يصنعون, في بني هاشم وبني عبد المطلب, فدعاهم إلى ما هو عليه من منع رسول الله صلى الله عليه وسلم والقيام دونه, فاجتمعا إليه وقاموا معه, وأجابوه إلى ما دعاهم إليه, إلا ما كان من أبي لهب عدو الله.
قول الوليد بن المغيرة في القرآن:
وحينما اقترب موسم الحج خاف زعماء قريش أن يستفيد الرسول صلى الله عليه وسلم من فرصة التجمع البشرى, فيتصل بوفود العرب وقبائلها ويعرض عليها الإسلام. فدعاد أحد كبارهم وهو الوليد بن المغيرة قومه إلى أن يجتمعوا إليه وأعلمهم أن الموسم قد حضر وأن وفود العرب قادمة إلى مكة وأن عليهم أن يصدروا في أمر الرسول رأياً واحداً كيلا يختلفوا ويكذب بعضهم بعضا. فقال بعضهم: نقول كاهن، فأجاب الوليد لا والله ما هو بكاهن لقد رأينا الكُهان فما هو بزمزمة الكاهن ولا سجعه، فقال آخرون نقول مجنون. فقال ماهو بمجنون لقد رأينا الجنون وعرفناه فما هو بخنقه ولا وسوسته. فقالت فئة ثالثة نقول شاعر, وأجاب الوليد ماهو بشاعر, لقد عرفنا الشعر كله برجزه وهزجه وقريضه ومقبوضه ومبسوطه فما هو بالشعر.
قال بعضهم فنقول ساحر: فأجاب الوليد ماهو بساحر، لقد رأينا السحار وسحرهم فما هو بنفثهم ولا عقدهم. قالوا فما تقول أنت ؟ قال:" والله إن لقوله لحلاوة وإن أصله لعذق، وإن فرعه لجناه وما أنتم بقائلين من هذا شيئاً إلا عرف أنه باطل. وإن أقرب القول فيه لأن تقولوا: ساحر, جاء بقول هو سحر يفرق بين المرء وأخيه, وبين المرء وزوجه, وبين المرء وعشيرته. وتفرق القوم على هذا الرأي. فانتشروا في مداخل مكة ومسالكها حيث تمر الوفود لأداء مناسك الحج فكلما مر بهم وفد حذروه من الرسول صلى الله عليه وسلم ودعوته واتهموه بالسحر. وجاءت محاولتهم هذه بعكس ما توقعوه لأن ذكر النبي انتشر في بلاد العرب كلها. فكأن قريش من حيث لا تعلم ساعدت على نشر الدعوة في الآفاق.
سابعاً: بعض ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم من قومه:
لما اشتهر أمر الرسول صلى الله عليه وسلم في القبائل وذاع صيته، فإن قريشاً زادت في عدائها للنبي صلى الله عليه وسلم والذين أسلموا معه، فتعرضوا للنبي صلى الله عليه وسلم بأنواع شتى من الأذى، فأغروا به سفهاءهم فكذبوه وآذوه، ورموه بالشعر والسحر والكهانة والجنون، والرسول صلى الله عليه وسلم مظهر لأمر الله لا يستخفي به، فكان يعيب دينهم ويعتزل أوثانهم .
ثامناً : إسلام حمزة رضى الله عنه:
وكان سبب إسلامه أن أبا جهل مر برسول الله صلى الله عليه وسلم عند الصفا فآذاه وشتمه ، ونال منه بعض ما يكره من العيب لدينه والتضعيف لأمره فلم يكلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت مولاه لعبد الله بن جدعان في مسكن لها تسمع ذلك.
فلم يلبث حمزة أن أقبل متوشحاً قوسه راجعاً من قنص له، فلما مر بالمولاة قالت له يا أبا عماره: لو رأيت مالقي ابن أخيك محمد من أبي الحكم بن هشام؟ وجده هنا فآذاه وسبه وبلغ منه ما يكره ثم انصرف عنه ولم يكلمه محمد صلى الله عليه وسلم . فاحتمل حمزه الغضب ، فخرج يسعى ولم يقف على أحد، معداً لأبي جهل إذا لقيه أن يوقع به، فلما دخل المسجد نظر إليه جالساً في القوم، فأقبل نحوه حتى إذا قام على رأسه رفع القوس فضربه بها فشجه شجةً منكرة، ثم قال: أتشتمه وأنا على دينه أقول ما يقول؟ فرد ذلك علي إن استطعت. فقام رجال من بني محزوم إلى حمزة لينصروا أبا جهل، فقال أبو جهل: دعوا أبا عمارة فإني والله قد سببت ابن أخيه سباً قبيحاً. وبعد هذه الحادثة أسلم حمزة، ولما لا أسلم حمزة عرفت قريش أن رسول الله قد عز وامتنع، وأن حمزة سيمنعه. فكفوا عن بعض ما كانوا ينالون منه.
تاسعاً: اعتداء المشركين على من أسلم من المستضعفين:
لما عجز المشركون عن رسول الله واقناعه بالانصراف عن الدين الذي جاء به وذلك بعد ما عرضوا عليه شتى الأموال والمناصب والجاه وما إلى ذلك من أمور دنيويه، إلا أن الرسول رفضها كلها. فلم يجد المشركون أمامهم إلا أولئك المستضعفين الذين لا يجدون من يحميهم بعد أن دخلوا في الإسلام، فقاموا بتعذيبهم بالضرب والجوع والعطش وبرمضاء مكة إذا اشتد الحر، يريدون فتنتهم عن دينهم.
ومن الذين عذبوا بلال مولى أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، ومنهم عمار بن ياسر كان مولا لبني مخزوم فكانوا يخرجونه مع أمه وأبيه، حتى إذا حميت الظهيرة يعذبونهم برمضاء مكة فيمر الرسول صلى الله عليه وسلم فيقول: صبراً آل ياسر إن موعدكم الجنة، فأما أمه فقتلوها وهي تأبى إلا الإسلام.
وكان أبو جهل إذا سمع بالرجل قد أسلم له شرف ومنعه، أنبه وأخزاه وقال: تركت دين أبيك وهو خير منك، لنسفهن حلمك، ولنضعفن من شرفك. وان كان تاجراً قال والله لنكسدن تجارتك، ولنهلك مالك. وإن كان ضعيفاً ضربه وأغرى به.
أولاً : الهجرة إلى بلاد الحبشة
أ- أسباب الهجرة إلى الحبشة:
إن من أهم الأسباب الواضحة والتي دفعت المسلمين إلى الخروج من مكة، هو تعذيب المشركين للمسلمين إلى درجه أنهم لا يسمحون لهم بالصلاة، واذا رأوا أحداً يصلي هجموا عليه وضربوه، حتى أن البعض منهم كاد يهلك من هذا التعذيب، لذلك أمرهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالهجرة الى الحبشة بقوله صلى الله عليه وسلم لو خرجتم إلى أ رض الحبشة فإن بها ملكاً لا يظلم عنده أحد وهي أرض صدق, حتى يجعل الله لكم فرجاً مما أنتم فيه.
- والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو لماذا اختار الرسول صلى الله عليه وسلم الحبشة بالذات دون غيرها من البلدان الأخرى ؟
من الواضح أن هناك أسباباً دعت النبي صلى الله عليه وسلم لاختيار أرض الحبشة بالذات نذكر من أهمها ما يلي :
رابعا : وفاة أبي طالب وخديجة (عام الحزن ) :
- وفاة أبي طالب :
في سنة عشر من النبوه, وبعد الخروج بستة أشهر من الشعب , مات أبو طالب وفي أغلب الروايات أنه مات على الكفر بالرغم من محاولة النبي صلى الله علية وسلم وإلحاحه عليه أن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله, إلا أنه امتنع. فحزن النبى صلى الله عليه وسلم لوفاة عمة أبو طالب حزنا شديدا , لأنه كان بمثابة والده بل أكثر من ذلك.
- وفاة خديجة رضي الله عنها :
وبعد وفاة أبي طالب بنحو شهرين أو ثلاثة توفيت أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها, ولها خمس وستون سنه, فزاد حزن النبى صلى الله عليه وسلم عليها, وكانت خديجة من نعم الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم, بقيت معه ربع قرن تحن عليه ساعة قلقه وتؤازره في أحرج أوقاته, يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” آمنت بي حين كفر بي الناس, وصدقتني حين كذبني الناس, وأشركتني في مالها حين حرمني الناس, ورزقني الله ولدها, وحرمت ولد غيرها“.
خامسا : قصة الإسراء والمعراج :
زمن وقوعها :
هناك خلاف كبير بين تحديد زمن وقوع حادثة الإسراء والمعراج, والراجح أن هذه الحادثه وقعت في الفترة مابين وفاة خديجة رضى الله عنها والهجرة إلى المدينة المنورة , أي في الفترة من 50-53 من عمر النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد روى أئمة الحديث هذه الحادثة , فهي صحيحة وثابتة بالكتاب والسنة ولا مجال للتشكيك فيها.
وخلاصتها : أن النبي صلى الله عليه وسلم حينما كان نائماً بالقرب من الكعبة وبالقرب من حجر إسماعيل أتاه جبريل فأيقظه من النوم ثم أخذه بيده ثم أركبه على البراق ثم أسرى به من المسجد الحرام الى بيت المقدس بصحبة جبريل, فنزل هناك فصلى بالأنبياء إماماً وربط البراق بحلقة باب المسجد.
ثم عرج به من بيت المقدس الى السماء الدنيا ومنها إلى السماوات السبع وقد رأى أثناء المعراج آدم عليه السلام ويحيى بن زكريا وعيسى بن مريم ويوسف وإدريس وهارون بن عمران وموسى بن عمران وإبراهيم عليهم السلام.
ثم رفع إلى سدرة المنتهى , ثم رفع إلى البيت المعمور, ثم عرج به إلى الجبار جل جلاله, فدنا منه حتى كان قاب قوسين أو أدنى ؟ ثم فرض الله عز وجل عليه خمسين صلاة , فطلب النبي صلى الله عليه وسلم تخفيفها حتى أصبحت خمس صلوات في اليوم والليلة .
كما رأى أموراً أخرى , ولما أصبح أخبر قومه بما رآه من آيات الله الكبرى فصدقة من صدقة وكذبه من كذبه.
سادساً: سعي الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ثقيف يطلب النصرة :
لما مات أبو طالب نالت قريش من رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأذى ما لم تنل منه في حياة عمه أبو طالب, فخرج رسول الله صلى الله علية وسلم الى الطائف يريد النصرة من ثقيف, والمنعة بهم من قومه, ورجاء أن يقبلوا منه ما جاءهم به من الله عز وجل فخرج إليهم وحده.
وكان ذلك في شوال سنة عشر من النبوة, سارها ماشياً على قدميه يئة وذهاباً. ولما قدم على الطائف عرض نفسه على رؤساء ثقيف إلا أنهم سخروا منه, ثم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالطائف عشرة أيام لا يدع أحدا من أشرافهم إلا جاءه وكلمه, فقالوا أخرج من بلادنا وأغروا به سفهاءهم, فلما أراد الخروج تبعه سفهاؤهم وعبيدهم يسبونه ويصيحون به حتى اجتمع عليه الناس, فجعلوا يرمونه بالحجارة حتى سال الدم من رجليه عليه الصلاة والسلام, فلجأ إلى حائط لعتبه وشيبه ابنا ربيعه وهما فيه, فعمد إلى ظل شجرة من العنب فجلس فيه , وابنا ربيعه ينظران إليه, ويريان ما لقي من سفهاء أهل الطائف ثم دعا ربه الدعاء المشهور ”اللهم إليك أشكو ضعف قوتي , وقلة حيلتي , وهواني على الناس, يا أرحم الراحمين, أنت رب المستضعفين, وأنت ربي, إلى من تكلني, إلى بعيد يتجهمني أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي, ولكن عافيتك هي أوسع لي, أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات, وصلح عليه أمر الدنيا والآخره, من أن تنزل بي غضبك, أو يحل علي سخطك, لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك “.
فلما رآه شيبة وعتبه ابنا ربيعة وما لقي , تحركت له رحمهما , فدعوا غلاماً لهما نصرانياً يقال له ”عداس“ فقالا له : خذ قطفاً من هذا العنب فضعه في هذا الطبق ثم اذهب به إلى ذلك الرجل فقل له يأكل منه. ففعل عداس, ثم أقبل به حتى وضعه بين يدي رسول الله ثم قال له كل. فلما وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده فيه قال: باسم الله, ثم أكل فنظر عداس إليه فقال له : والله إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلاد, فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ومن أي البلاد أنت وما دينك, قال: نصراني, وأنا رجل من أهل نينوى فقال رسول الله: من قرية الرجل الصالح يونس بن متى , فقال له عداس وما يدريك ما يونس بن متى ؟ قال رسول الله: ذاك أخي كان نبياً وأنا بني, فأكب عداس على رسول الله يقبل رأسه ويديه وقدميه .
إلا أنه حينما رجع إلى أبناء ربيعه ورأوه يقبل رأس النبي صلى الله علية وسلم فإنهما وبخاه وقالا له: إن دينك خير من دينه.
أولاً: عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه على القبائل:
قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة بعد ما لقي من زعماء ثقيف وأهل الطائف ما لقي، ورأى أن قومه لم يتغيروا وظلوا على ماهم عليه من خلافه وفراق دينه. الا قليلاً ممن آمن به، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه في المواسم على قبائل العرب، يدعوهم الى الله، ويخبرهم أنه نبي مرسل، ويسألهم أن يصدقوه ويمنعوه حتى يبين لهم عن الله ما بعثه به.
ولما أراد الله عز وجل إظهار دينه وإعزاز نبيه، وإنجاز موعده له خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في الموسم الذي لقيه فيه النفر من الأنصار، فعرض نفسه على قبائل العرب، كما كان يصنع في كل موسم، فبينا هو عند العقبة لقي رهطاً من الخزرج أراد الله بهم خيرا.
ولما لقيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم: من أنتم؟ قالوا نفراً من الخزرج. قال: أمن موالي يهود؟ قالوا: نعم. قال: أفلا تجلسون أكلمكم؟ قالوا :بلى. فجلسوا معه فدعاهم إلى الله عزوجل وعرض عليهم الإسلام، وتلا عليهم القرآن.
فلما سمعوا من الرسول صلى الله عليه وسلم ما سمعوا، قال بعضهم لبعض تعلموا والله إنه للنبي الذي يتوعدنا به اليهود، فلا يسبقونا إليه. فأجابوه فيما دعاهم إليه بأن صدقوه وقبلوا منه ما عرض عليهم من الاسلام، وقالوا: إنا قد تركنا قومنا وبينهم ما بينهم من العداوة والشر، فعسى أن يجمعهم الله بك، فسنقدم عليهم وندعوهم إلى أمرك، ونعرض عليهم الذي أجبناك إليه من هذا الدين، فإن يجمعهم الله عليك فلا رجل أعز منك .
ثم انصرفوا عن رسول الله صلى صلى الله عليه وسلم راجعين إلى بلادهم وقد آمنوا وصدقوا. (و يقال بأنهم كانوا ستة نفر من الخزرج) ولما قدموا المدينة إلى قومهم ذكروا لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودعوهم إلى الإسلام حتى فشا فيهم، فلم تبق دار من دور الأنصار إلاّ وفيها ذكر من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثانياً: بيعه العقبة الأولى:
ولما جاء العام المقبل , وبالتحديد في سنه 12 من البعثة , فإنه قدم إلى الكعبة اثنا عشر رجلاً فيهم خمسة من الستة الذين كانوا قد اتصلوا برسول الله صلى الله عليه وسلم .
منهم : معاذ بن الحاث, وذكوان بن عبد القيس, وعبادة بن الصامت, ويزيد بن ثعلبة , والعباس بن عباده , وأبو الهيثم بن التيهان , وعويم بن ساعده.
ولما وصلوا إلى مكة اتصلوا برسول الله صلى الله عليه وسلم عند العقبة بمنى , فبايعوه على أن لا يشركوا بالله شيئا , ولا يسرقون , ولا يزنون , ولا يقتلوا أولادهم , ولا يأتون ببهتان يفتروه من بين أيديهم وأرجلهم , ولا يعصونه في معروف.
ولما انصرف عنه القوم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف, وأمره أن يقرئهم القرآن , ويعلمهم الإسلام ويفقههم في الدين فكان المقرئ بالمدينة.
ثالثاً: بيعة العقبة الثانية :
وفي موسم الحج من السنة الثالثة عشرة من البعثة, حضر لأداء مناسك الحج بضع وسبعون نفساً من المسلمين من أهل يثرب, جاءوا ضمن حجاج قومهم من المشركين, وقد تساءل هؤلاء المسلمون فيما بينهم - وهم لا يزالوا في يثرب أو كانوا في الطريق- حتى متى نترك رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف ويطرد في جبال مكة ؟
فلما قدموا مكة جرت بينـهم وبين النبي صلى الله علية وسلم اتصـالات سرية أدت إلى اتفاق الفريقين على أن يجتمعوا في أوسط أيام التشريق في الشعب الذي عند العقبة حيث الجمرة الأولى من منى, وأن يتم هذا الاجتماع في سرية تامة في ظلام الليل .
يقول كعب بن مالك الأنصاري رضي الله عنه: ”خرجنا إلى الحج, وواعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعقبة من أوسط أيام التشريق, وكانت الليلة التى واعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لها. معنا عبد الله بن عمرو بن حرام سيد من ساداتنا, وشريف من أشرافنا, أخذناه معنا- وكنا نكتم من معنا من قومنا من المشركين أمرنا- فكلمناه وقلنا له: يا أبا جابرإنك سيد من سادتنا وشريف من أشرافنا, وإنا نرغب بك عما أنت فيه أن تكون حطباً للنار غداً, ثم دعوناه إلى الإسلام وأخبرناه بميعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم إيانا في العقبة. قال: فأسلم وشهد معنا العقبة وكان نقيباً.“ قال كعب: ”فنمنا تلك الليلة مع قومنا في رحالنا, حتى إذا مضى ثلث الليل خرجنا من رحالنا لميعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم نتسلل تسلل القطا مستخفين, حتى اجتمعنا في الشعب عند العقبة, ونحن ثلاثة وسبعون رجلاً وامرأتان من نسائنا, نسيبة بنت كعب (أم عمارة), وأسماء بنت عمرو (أم منيع ) .
فاجتمعنا في الشعب ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم, حتى جاءنا ومعه عمه العباس بن عبد المطلب -وهو يومئذ على دين قومه- إلا أنه أحب أن يحضر أمر ابن أخيه, ليتوثق له وكان أول متكلم.
فتكلم العباس فقال: ”يا معشر الخزرج إن محمداً منا حيث قد علمتم, وقد منعناه من قومنا ممن هو على مثل رأينا فيه, فهو في عز من قومه, ومنعة في بلده, وإنه قد أبا إلا الانحياز لكم واللحاق بكم, فإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه, وما نعوه ممن خالفه فأنتم وما تحملتم من ذلك, وإن كنتم ترون أنكم مسلموه وخاذلوه بعد الخروج به إليكم فمن الآن فدعوه, فإنه في عز ومنعة من قومه وبلده“.
الرسول صلى الله عليه وسلم يتكلم :
ثم تكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلا القرآن , ودعا إلى الله ورغب في الإسلام , ثم قال: أبا يعكم على أن تمنعوني ما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم .
فأخذ البراء بن معرورة بيده ثم قال : نعم والذي بعثك بالحق نبياً لنمنعك مما نمنع منه أزرنا , فبايعنا رسول الله , فنحن والله أبناء الحروب , وأهل الحلقة ورثناها كابراً عن كابر.
ثم قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : أخرجوا إلي منكم اثني عشر نقيباً ليكونوا على قومهم بما فيهم, فأخرجوا منهم اثني عشر نقيباً , تسعة من الخزرج , وثلاثة من الأوس.
فتمت البيعة ولما علم المشركون بذلك وخاصة بعد نفور الناس من منى , فإذا هم يتبعون أهل المدينة أصحاب البيعة , فتمكنوا من الإمساك بسعد بن عبادة في مكان قريب من مكة, فربطوه وضربوه وأدخلوه في مكة , إلا أنه استجار بأحد أفراد قريش فأجاره لأنه كان يجيره إذا أتى المدينة .
شروط بيعة العقبة الأخيرة :
لقد بايع النبي صلى الله عليه وسلم الأوس والخزرج في العقبة الأخيرة على حرب الأحمر والأسود, يقول عبادة بن الصامت : بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة الحرب على السمع والطاعة في عسرنا ويسرنا ومنشطنا ومكرهنا وأثرة علينا وألا ننازع الأمر أهله وأن نقول بالحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم .
رابعاً : نزول الأمر بالقتال :
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بيعة العقبة لم يؤذن له في الحرب والقتال , إنما كان يؤمر بالدعاء إلى الله والصبر على الأذى, والصفح عن الجاهل . وكانت قريش قد اضطهدت من اتبعه من المهاجرين حتى فتنوهم عن دينهم , ونفوهم من بلادهم , فهم من بين مفتون في دينه. ومن بين معذب في أيديهم, وبين هارب في البلاد فراراً منهم, ولما عتت قريش عن أمر ربها, وكذبت نبيه عليه الصلاة والسلام, فان الله عزوجل أذن لرسوله صلى الله عليه وسلم في القتال والانتصار ممن ظلمهم وبغى عليهم, فكانت أول آية نزلت في الإذن له بالحرب وإحلال الدماء والقتال , هي قول الله عز وجل: ( أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير ) .
فأحل الله لهم القتال لأنهم ظلموا, ولم يكن لهم ذنب فيما بينهم وبين الناس وإنهم إذا ظهروا أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر.
ثم أنزل الله تبارك وتعالى عليه: ( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنه ويكون الدين لله ) أي لا يفتن مؤمن عن دينه, وحتى يعبد الله لا يعبد معه غيره.
خامساً:هجرة المسلمين إلى المدينة:
إن أول من هاجر إلى المدينة من أصحاب الرسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من قريش وهو من بني مخزوم واسمه أبو سلمه بن عبد الأسد, هاجر الى المدينة قبل بيعة أصحاب العقبة بسنة.
ثم تبعه عامر بن ربيعه, ومعه امرأته ليلى بنت أبي خيثمة, ثم عبد لله بن جحش ومعه أهله وأخيه عبد بن جحش وكان ضريراً , ثم خرج عمر بن الخطاب, وعياش بن أبي ربيعة المخزومي, حتى قدما المدينة, ثم تتابع المهاجرون.
سادساً: مؤامرة قريش في مواجهة الهجرة إلى المدينة:
لما رأى المشركون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تجهزوا وخرجوا, وساقوا معهم الذراري والأطفال والأموال إلى الأوس والخزرج , فإنها وقعت فيهم ضجة أثارت القلاقل والأحزان , وأخذ القلق يساورهم بشكل لم يسبق له مثيل , وعرفوا مدى خطورة الهجرة عليهم وعلى حياتهم السياسية والإقتصادية والإجتماعية .
فصاروا يبحثون عن أنجح الوسائل لدفع هذا الخطر , الذي مبعثه الوحيد كما يزعمون هو محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام. ففي شهر صفر من السنة الرابعة عشرة من النبوة أي بعد شهرين ونصف من بيعة العقبة , عقد أهل مكة مؤتمراً في (دار الندوة) في أوائل النهار, فتوافد إلى هذا الاجتماع جميع نواب القبائل القرشية, ليتدارسوا خطة حاسمة تكفل القضاء سريعاً على حامل لواء الدعوة الإسلامية , وتقطع تيار نورها عن الوجود نهائياً.
وكان من أهم الوجوه البارزين في هذا الاجتماع الخطير من نواب قبائل قريش هم:
وبعد أن تكامل الاجتماع بدأ عرض الاقتراحات والحلول , ودار النقاش طويلاً. قال أبو الأسود : نخرجه من بين أظهرنا وننفيه من بلادنا , ولا نبالي أين ذهب.
فقال الشيخ النجدي: لا والله ما هذا لكم برأي , ألم تروا حسن حديثه, وحلاوة منطقه, وغلبته على قلوب الرجال بما يأتى به؟ ولو فعلتم ذلك ما أمنتم أن يحل على حي من العرب, ثم يسير بهم إليكم بعد أن يتابعوه ثم يفعل بكم ما أراد دبروا فيه رأياً غير هذا.
قال أبو البحتري: احبسوه في الحديد, وأغلقوا عليه باباً ثم تربصوا به ما أصاب أمثاله من الشعراء الذين كانوا قبله, حتى يصيبه ما أصابهم (يعني الموت ) .
قال الشيخ النجدي : لا وما هذا لكم برأي, فلئن حبستموه كما تقولون ليخرجن أمره من وراء الباب الذي أغلقتم دونه إلى أصحابه , فلأوشكوا أن يثبوا عليكم , فينزعوه من أيديكم , ثم يكاثروكم به , حتى يطلبوكم على أمركم. وما هذا لكم برأي فانظروا غيره.
وبعد أن رفض المؤتمرون هذين الاقتراحين, فإن أبا جهل بن هشام قدّم إليهم اقتراحا ثالثاً وافق عليه جميع الحاضرين. وهو أن يؤخذ من كل قبيلة فتىً شاباً جلداً نسيباً وسيطاً, ثم نعطي كل فتى منهم سيفاً صارماً, ثم يعمدوا إليه فيضربوه, ضربة رجل واحد, فيقتلوه فنستريح منه, فإنهم إذا فعلوا ذلك تفرق دمه في القبائل جميعاً, فلم يقدر بنو عبد مناف على حرب قومهم جميعاً فرضوا منا بالعقل (أي الدية) فعقلناه لهم.
قال الشيخ النجدي: القول ما قال الرجل, هذا الرأي الذي لا أرى غيره, ووافق برلمان مكة على هذا الاقتراح الآثم بالإجماع, ورجع النواب إلى بيوتهم وقد صمموا على تنفيذ هذا القرار فوراً.
سابعاً: محاولة قتل النبي صلى الله عليه وسلم:
ذكرنا أن المؤتمرين في دار الندوة خرجوا بالإجماع على قتل النبي صلى الله عليه وسلم , وفي عتمة من الليل اجتمعوا على بابه يرصدونه حتى ينام فيثبون عليه , وكان جبريل عيه السلام قد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأمرهم, وأمره أن لا ينام في فراشه الذي كان يبيت عليه.
وبالفعل لم ينم النبي صلى الله عليه وسلم في فراشه وقال لعلي بن أبي طالب : نم على فراشي , وتسجّ ببردي هذا الحضرمي الأخضر , فنم فيه فإنه لن يخلص إليك شيء تكرهه منهم.
ولما اجتمعوا على بابه وفيهم أبو جهل بن هشام , فقال : إن محمداً يزعم إن تابعتموه كنتم ملوك العرب والعجم , ثم بعثتم من بعد موتكــم فجعلت لكــم جنان كجنان الأردن, وإن لم تفعلوا كان لكم منه ذبح, ثم بعثتم من بعد موتكم, ثم جعلت لكم نار تحرقون فيها .
وخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ حفنة من تراب في يده , ثم قال: أنا أقول ذلك وأنت أحدهم . وأخذ الله تعالى على أبصارهم فلا يرونه فجعل ينثر ذلك التراب على رؤوسهم وهو يتلو قول الله عز وجل: ” يس ,والقرآن الحكيم, إلى قوله تعالى: وجعلنا من بين أيديهم سدّاً ومن خلفهم سدّاً فأغشيناهم فهم لا يبصرون“ ولم يفرغ النبي صلى الله عليه وسلم من تلاوة هذه الآيات حتى لم يبق منهم رجل إلا وقد وضع النبي صلى الله عليه وسلم على رأسه تراباً, ثم انصرف إلى حيث أراد أن يذهب.
فأتاهم آت ممن لم يكن معهم فقال : ما تنتظرون هاهنا ؟ قالوا : محمداً. قال: خيبكم الله قد والله خرج عليكم محمداً , ثم ما ترك منكم رجلاً إلا وقد وضع على رأسه تراباً وانطلق لحاجته , أفما ترون ما بكم ؟ فوضع كل رجل منهم يده على رأسه فإذا عليه تراب , ثم جعلوا يتطلعون فإذاهم يرون علياً على الفراش متسجياً ببرد النبي صلى الله عليه وسلم فيقولون والله ان هذا لمحمد نائماً عليه بردة. فلم يبرحوا كذلك حتى أصبحوا . فقام علي رضي الله عنه عن الفراش فقالوا : والله لقد صدقنا الذي حدثنا.
أولاً : هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة :
غادر النبي صلى الله عليه وسلم بيته في ليلة 27 من شهر صفر سنة 14 من النبوة ، واتجه إلى دار أبي بكر الصديق ، وأخبره عن تآمر قريش ضده ، وأخبره بأن الله قد أذن له بالهجرة ، فقال له أبو بكر : الصحبة يا رسول الله ، فخرج الاثنان من خوخة لأبي بكر في ظهر بيته ، ثم عمد إلى غار بجبل ثور بأسفل مكة فدخلاه، وأمر أبو بكر ابنه عبد الله أن يتسمع لهما ما يقول الناس في نهار ذلك اليوم ، ثم يأتيهما إذا أمسى بما يكون في ذلك اليوم من الخبر ، وأمر عامر بن فهيرة أن يرعى غنمه نهاراً ثم يأتيهما إذا أمسى في الغار ، كذلك كانت أسماء بنت أبي بكر تأتيهما من الطعام إذا أمست بما يصلحهما .
فجلسا في الغار ثلاث ليالِ ، وكان عبد الله بن أبي بكر يبيت عندهما ، وإذا قرب السحر نزل إلى مكة وتسمع الأخبار ثم إذا جاء الليل رجع إلى الغار فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر بما يسمع ويرى من كفار قريش .
أما قريش فقد جن جنونها حينما تأكد لديها إفلات النبي صلى الله عليه وسلم ، فضربوا علياً وسحبوه إلى الكعبة ، ثم حبسوه ، بغرض معرفة مكان النبي صلى الله عليه وسلم إلا أنهم فشلوا في ذلك .
ثم اتجهوا إلى منزل أبي بكر الصديق ، فلم يجدوا إلا أسماء ، فسألوها عن أبيها فقالت لا أدري ؟ فرفع أبو جهل يده فلطم خدها لطمة طرح منها قرطها.
ثم بعد ذلك اجتمعوا فقرروا أن يجعلوا مكافأة ضخمة قدرها مائة من الإبل لمن يجد النبي صلى الله عليه وسلم و أبو بكر حيين أو ميتين . كذلك انتشروا في جميع منافذ مكة وجعلوها تحت المراقبة المسلحة الشديدة ، وقد وصل المطاردون إلى باب الغار ، ولكن الله حفظهما من أولئك الطغاة.
ولما هدأت تلك المطاردات وذلك البحث المتواصل الذي استمر ثلاثة أيام، حينها قرر النبي عليه الصلاة والسلام الانطلاق إلى المدينة وكانا قد استأجرا عبدالله بن أريقط الليثي ، وكان دليلاً ماهراً بالطريق ، وكان على دين كفار قريش ، وسلما إليه راحلتيهما وواعداه في غار ثور بعد ثلاث ليال ، ولما كانت ليلة الاثنين غرة ربيع الأول سنة 1هـ جاءهما عبد الله بن أريقط ، وأتتهما أسماء بنت أبي بكر بسفرتهما ، ونسيت أن تجعل لها رباطاً فشقت نطاقها إلى اثنين ، فعلقت السفرة بواحد ، وتمنطقت بالآخر فسميت بذات النطاقين .
ثم ارتحل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر ومعهما عامر بن فهيره فأخذ بهم الدليل عبد الله بن أريقط على الساحل.
وفي أثناء الطريق تبعهما سراقه بن مالك ، بعد أن وصله خبر الطريق الذي ذهبا منه ، وحينما قرب منهما غاصت قدما فرسه في التراب فطلب الأمان ، ثم توجه إليهم مرة ثانية فغاصت قدما فرسه في التراب مرة أخرى، فطلب الأمان وكذلك فعل في المرة الثالثة . حينها عرف أن الله مانعهم منه ، فانطلق إلى رسول الله فحدثه أن قومه جعلوا فيه الدية وأنهم يبحثون عنهما أحياء أم أمواتا , فعرض عليهم بعض الزاد إلا أنهم رفضوه ، ولكنهم قالوا له : أخف عنا , ورجع سراقة فوجد الناس في الطلب ، فجعل يقول : قد استبرأت لكم الخبر ، قد كفيتم ما ههنا , فكان في أول النهار عدواً لهما، وآخره حارساً لهما .
ثانياً :- وصول الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة :
في اليوم الثاني عشر من ربيع الأول من السنة الأولى للهجرة، وصل الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبه إلى المدينة، حيث جرى لهما استقبال حافل من قبل أولئك الذين انتظروا رسولهم طويلاً، فخرج الأنصار بأسلحتهم يستقبلون الرسول صلى الله عليه وسلم، ومعهم الأطفال والنساء .
فأقام الرسول صلى الله عليه وسلم بقباء أربعة أيام : الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس ، وأسس فيها أول مسجد بني على التقوى، ثم بعد ذلك توجه إلى المدينة، وأدركته الجمعة في بني سالم بن عوف، فجمع بهم في المسجد الذي في بطن الوادي، وكانوا مائة رجل وبعد الجمعة دخل النبي صلى الله عليه وسلم المدينة, ومنذ ذلك اليوم سميت بلدة يثرب بمدينة الرسول صلى الله عليه وسلم.
ثم نزل النبي صلى الله عليه وسلم في دار أبي أيوب الأنصاري، حتى تم الانتهاء من بناء المسجد وغرف زوجاته. وبعد أيام وصلت إلية زوجته سوده، وبنتاه فاطمة وأم كلثوم ، وأسامة بن زيد، وأم أيمن، وخرج معهم عبد الله بن أبي بكر بعيال أبي بكر ومنهم عائشه. وبقيت زينب عند أبي العاص، لم يمكنها من الخروج حتى هاجرت بعد بدر.
أولاً :غزوة بدر الكبرى
أسبابها :
بعد الهزيمة النكراء التي لحقت بالمشركين في معركة بدر فإن قريش راحت تعد العدة لكي تثأر من المسلمين . وأقسم أبو سفيان ألا يمس رأسه ماء من جنابة حتى يغزو محمداً .
وقد اتفقت قريش على أن تقوم بحرب شامله ضد المسلمين , تشفي غيظها وتروي غليل حقدها ، وأخذت في الاستعداد للخوض في مثل هذه المعركة.
وكان عكرمة بن أبي جهل ، وصفوان بن أميه، وأبو سفيان بن حرب، وعبد الله بن أبي ربيعة أكثر زعماء قريش نشاطاً وتحمساً لخوض المعركة .
الاستعداد للمعركة :
إن أول ما فعله كفار قريش بهذا الصدد أنهم احتجزوا العير التى كان قد نجا بها أبو سفيان والتي كانت سبباً لمعركة بدر, فبيعت تلك العير بخمسين ألف دينار, والى ذلك أشار الله عز و جل بقوله ( إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون )
ثم استنفرت قريش كل قادر على حمل السلاح من أبنائها ، ودعت الأحابيش وحلفاءها من قبائل كنانة ، وأهل تهامة وثقيف للانضمام إليها فبلغوا ثلاثة آلاف رجل ومعهم سبعمائة درع ومائتا فرس وثلاثة آلاف بعير، واستدعيت النساء للخروج لكي يثرن الحمية في نفوس المقاتلين ويمنعهم من الفرار. وتولى القيادة أبو سفيان ، فسـار بهم طاوياً الصحــراء حتـى نزل قريباً من جبل أحـد شمـال المدينة. ولما وصل الأمر للمسلمين، أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بتشديد الحراسة على المدينة، وأرسل بعض أصحابة يتحسسون الأخبار ثم أمر أصحابة أن يظلوا في المدينة ويتركوا قريشاً حيث نزلت فإن أقاموا أقاموا بشر مقام ، وإن هم دخلوا قاتلوهم فيها.
وهذا هو رأي النبي صلى الله عليه وسلم ولكن بعض الصحابة رأوا غير ذلك وهو الخروج إلى الكفار ومحاربتهم فألحوا بذلك على الرسول صلى الله عليه وسلم ، فاستجاب لهم ثم غادر المدينة على رأس ألف مقاتل ، بعد أن وضع نساءها وصبيانها في الحصون والآطام حتى إذا قطعوا شوطاً من الطريق إلى أحد انسحب عبد الله بن أُبي بن أبي سلول بثلث الناس وقال مبرراً ذلك : أطاعهم وعصاني ، ما ندري علام نقتل أنفسنا هاهنا أيها الناس ؟.
خريطة توضيحية لغزوة أحد
لمحة موجزة عن
الحجاز قبيل البعثة النبوية
تمهيدالحمد لله رب العالمين والصلاة على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
فإنه يتحتم علينا ونحن ندرس السيرة النبوية أن نعطي ولو لمحه موجزة عن الحجاز قبيل البعثة النبوية الذي أخذ يتهيأ لاستقبال الدين الجديد والرسالة السماوية في جميع نواحي الحياة سواء السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية .
أولاً: مكة المكرمة
لقد حافظ الحجاز على استقلاله منذ أقدم العصور ، فلم يعبث بحريته الملوك الفاتحون، في الوقت الذي عبث فيه ملوك الفرس والروم باستقلال كثير من الأمم كذلك ظل محافظا على استقلاله أيام الاسكندر المقدوني الذي تمكن من الوصول الى بعض المناطق العربية والسيطرة عليها.
وكان من اثر تمتع أهل الحجاز بالإستقلال طول حياتهم، أن ظهرت فيهم طبائع خاصة بهم، من حيث عراقة أصلهم وشرف آبائهم وشهامتهم التى كانت ولا تزال مضرب الأمثال ولغتهم التي حافظت على نقائها وصفائها.
وكان لبلاد العرب دين واحد وعقيدة مشتركه مركزها مكة وكان العمالقة أول من نزل مكة وثم خلفهم قبيلة جرهم الثانية، وفي عهدهم نزل اسماعيل وأمه بوادي مكة وصاهرهم اسماعيل. ولما مات تولى البيت بعده ابنه ثابت، وهو أكبر أولاده، ثم تولى ولاة من جرهم استمرت ولايتهم إلى سنه 207 م.
ولما قدمت خزاعة من اليمن أجلت جرهم وانتزعت منها السيادة واستمرت خزاعة على ولاية البيت نحوا من ثلاثمائة سنه أحدثوا فيها الكثير من الأوهام الفاسدة ولا سيما عبادة هبل.
ثانيا : انتقال السيادة إلى قريش :
استمرت خزاعة على ولاية البيت حتى قويت قريش وتغلبت عليها في القرن الخامس الميلادي، وكانت على درجة كبيرة من الرقي، فاستولى قصي بن كلاب على أمر مكة والبيت الحرام سنه 440م من يد خزاعة وأجلاهم عنها بما كان له من العصبية، فرحلت خزاعة ونزلت في بطن مر (وادي فاطمة) ومن ثم عظم نفوذه واجتمعت له السقاية، والحجابة، والرفادة، واللواء، ولم تجتمع في رجل من قبله.
وإلى قريش يرجع الفضل في توثيق الروابط التي تربط من يؤمون البيت الحرام كل عام من مختلف القبائل، إذ أصبحت مكة المكان الذي تفد إليه القبائل من كافة أرجاء بلاد العرب حيث يجتمعون للحج والتجارة، وقد جعل هذا الأمر لقريش مكانةً خاصة في نفوس القبائل .
ثالثا : الحكومة في قريش:
ذكر المؤرخون أن بني سهم (ومنهم عمرو بن العاص) كانوا أصحاب الحكومة في قريش قبل الإسلام، ولعل هذه الحكومة كانت شيئا يشبه القضاء بحيث يحتكم القرشيون وغيرهم ممن يفدون على مكة من العرب إلى بني سهم، فيما كان يقع بينهم من الخصومات، وكان يلي الحكومة من قريش أصحاب الرأي والحلم والدهاء فيها.
رابعا : مكة في عهد عبد المطلب:
مازال فضل قريش يزداد بين القبائل حتى جاء عبد المطلب الذي اشتهر بتجديد حفر بئر زمزم سنه 540 م، وفي عهده خذل الله أبرهه الأشرم، وصده عن مكة والبيت الحرام ونجت مكة في أيامه من خطر الحبشة، فذاعت شهرته وقصدته القبائل من كافة أطراف الجزيرة.
وفي موسم الحج يأتي الناس من أصناف القبائل إلى مكة ويلتقون عند الكعبة وفي الأسواق، فيتعارفون ويتبادلون البضائع من بيع وشراء ومبادلة ويعقدون المجالس للمفاخرات والمشاورات وحل المشاكل، فساعد ذلك على تقريب العرب بعضهم من بعض واستقرار معنى القومية المشتركة في أذهانهم وتوحيد اللغة وتصفيتها. وقد استفادت قريش كثيرا من هذا الاحتكاك بجميع نواحيه سواء الدينية أو التجارية أو الفكرية.
خامسا : علاقة قريش الخارجية:
شهدت الفترة التى سبقت ظهور النبي صلى الله عليه وسلم صراعات عنيفة بين الفرس والروم وهما أعظم دولتين في ذلك الوقت وقد امتد صراع هاتين الإمبراطورتين حتى وصل إلى شبه الجزيرة العربية. وسقطت اليمن تحت الإحتلال الحبشي ثم الفارسي إلا أن مكة كانت بعيده عن ذلك الصراع بل انها قامت بنقل التجارة إلى خارج الجزيرة العربية، وقد حرص رجال مكة القرشيون على أن لا يزجوا بأنفسهم في مجال الصراع الدولي بل حرصوا على اتخاذ موقف الحياد.
وقد توسعت قريش في علاقاتها التجارية مع الجنوب والشمال والشرق فكانت لها علاقات طيبة مع زعماء اليمن وكذلك النجاشي زعيم الحبشة وكذلك الغساسنة والروم.
أما علاقة مكة بالفرس والحيرة ، فإنه في الوقت الذي حصل فيه رجال مكة على عهود من اليمنيين والحبشة والروم للمتاجرة في بلادهم فإن أحد زعماء قريش وهو نوفل بن عبد مناف أخذ عهدا مماثلا من كسرى للمتاجرة في بلاد الدولة الفارسية.
وبهذه العلاقات التجارية الواسعة خرجت مكة من عزلتها الى المجال الخارجي واستطاعت أن تحتل دور الوسيط التجاري بين الدول المجاورة للجزيرة العربية.
سادسا : نشاط أهل مكة التجاري :
لقد قامت قريش على ترتيب قوافلها التجارية على إثر تلك العلاقات التي نشأت بينها وبين الدول المجاورة، فجعلت لتلك القوافل رحلتين في السنة، رحله في أشهر الصيف إلى الشمال، ورحله في أشهر الشتاء إلى الجنوب، وقد عملت على تأمين طرق القوافل بما عقدته من محالفات مع رؤساء القبائل الضاربة على جنبات هذه الطرق، فسيطرت قريش على التبادل التجاري بين الشمال والجنوب وعظمت قوافلها حتى لتبلغ القافلة الواحدة خمسمائة ألف بعير تحمل عروض التجارة المختلفة.
وكانت التجارة التي تحمل من الجنوب أو الشمال أو الشرق تفرق في مكة حيث تستهلك البيئة المحلية منها ما تحتاج إليه ثم يحمل الباقي إلى الجهات المختلفة.
وكانت في مكة سوق دائمة للتبادل التجاري، وخاصة مع القبائل القريبة منها، ولم تكن قوافل مكة تجارة أفراد، وإنما كانت تجارة مدينة، وكانت قريش كلها تشارك فيها، وكان كبار التجار يقومون على هذه القوافل التي تضم أموالا لأفراد متعددين منهم من يسافر على تجارته ومنهم من يستأجر آخرين.
سابعاً : الحياة الاجتماعية في مكة قبل الاسلام
كان التشكيل الإجتماعي للسكان في مكة هو التشكيل القبلي شأنها في ذلك شأن أجزاء الجزيرة العربية الأخرى، وكانت القبيلة الأساسية بمكة في منتصف القرن الخامس الميلادي هي قبيلة قريش التى جمعها قصي بن كلاب، ومن ثم فإن التشكيل الإجتماعي لسكان مكة كان يتكون من طبقات ثلاث:
كان التشكيل الإجتماعي للسكان في مكة هو التشكيل القبلي شأنها في ذلك شأن أجزاء الجزيرة العربية الأخرى، وكانت القبيلة الأساسية بمكة في منتصف القرن الخامس الميلادي هي قبيلة قريش التى جمعها قصي بن كلاب، ومن ثم فإن التشكيل الإجتماعي لسكان مكة كان يتكون من طبقات ثلاث:
1. طبقة الصرحاء .
2. طبقة الموالي .
3. طبقة الأرقاء ( يضاف إليها الجاليات الأجنبية وأكثرهم من النصارى وقليل من اليهود ) .
المرأة في المجتمع المكي القديم
كان العربي في الجاهلية لا يكتفي بزوجة واحدة ، إما بقصد اعالتهن أو لغرض سياسي اذا كان رئيساً بين قومه ، أو بقصد الإكثار من الذرية والتناسل وكان الزواج أنواعا منه :
كان العربي في الجاهلية لا يكتفي بزوجة واحدة ، إما بقصد اعالتهن أو لغرض سياسي اذا كان رئيساً بين قومه ، أو بقصد الإكثار من الذرية والتناسل وكان الزواج أنواعا منه :
1. زواج الصداق أو البعولة .
2. زواج المتعة .
3. زواج السبي .
4. زواج الإماء .
5. زواج المقت .
وقد بالغ بعض الناس في بغضهم للبنات عند ولادتهن إلى حد الوأد : وهو أن يحفر الرجل للمولودة حفرة
ثم يضع ابنته فيها ويهيل عليها التراب وشاعت هذه العادة الذميمة في
بعض القبائل العربية كتميم وقيس وهذيل وكنده وبكر وقريش.
وتدل دلائل كثيرة على أن بنات الأشراف والسادة كانت لهن منزلة سامية فكن يخترن أزواجهن بأنفسهن ، ويتركنهم إذ لم يحسنوا معاملتهن . وبلغ من منزلة بعض شريفاتهن أنهن كن يحمين من يستجير بهن إذا استشفع بهن .
وكانت من عادات العرب في الجاهلية أنهم يصحبون نساءهم في الحرب لكي يشجعونهم على الحرب والقتال, أما في السلم فإن المرأة في الجاهلية تقضي وقتها بين مساعدة زوجها في الزراعة أو الطهي أو حلب الأغنام وما إلى ذلك من مهن أخرى.
ثامناً : الحياة الدينية في مكة قبل الاسلام
كان معظم العرب في الجاهلية ومن بينها قريش وثنيه تؤمن بقوى الهية كثيرة تنبت في الكواكب ومظاهر الطبيعية، وفي أسماء قبائلهم مايدل على أنهم كانوا قريبي عهد بالطوطمية.
ثم تطورت وثنية العربي إلى عبادة قطع الصخور التى يستحسن مظهرها وهيأتها, وبعضها كانت بيضاء اللون, ومن أمثلة هذه الصخور ”الجلسد“ وكان بحضرموت على شكل جثة الرجل العظيم وهو من صخرة بيضاء لها رأس أسود وإذا تأملة الناظر رأى فيه كصورة وجه الإنسان ومنها ”ذو الخلصة“ وكان صخرة بيضاء منقوش عليها كهيئة التاج وكانت بين مكة واليمن.
كذلك كان للقمر منزلةً عظيمة, وهو الإله الأثير, ومكانته عند عرب الجنوب أسمى من مكانة الشمس التي كانت لحرارتها في الصيف تعرف بذات حميم ومثلت الشمس بصنم عبده العرب في فترة ما قبل الميلاد، وتسمى بها كثير من الأشخاص فعرفوا بعبد شمس.
وقد استعمل العرب اصطلاحين للدلاله على التماثيل التي كانوا يعبدونها في الجاهلية هما "أصنام" و "أوثان" ويذكر هشام بن محمد الكلبي: أن التمثال إذا كان معمولاً من خشب أو فضة أو ذهب وكان على شكل إنسان فهو صنم, وإذا كان من حجارة فهو وثن, أما النُصُب فهي أحجار كانت تنصب في الجاهلية ويذبح عليها العرب ذبائحهم وقرابينهم, وقد ذكرها الله في كتابه الكريم فقال: " يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون"
مثلث الشرك الأعظم ( اللات والعزىومناة ) :
لم تعظم قريش بمكة ولا من أقام بها من العرب من الأصنام تعظيمها العزى, ومناة, واللات, بحيث بات لهذه الآلهه من الشهرة ما لم يكن لغيرها من الأصنام.
ولقد بلغ من شدة تعصب العرب لهذه الآلهة الثلاث أنهم دافعوا عنها مخلصين وكانوا يُعذبون كل من يتخلى عن عبادتها، ويُسيمونه سوء العذاب والنكال.
وتدل دلائل كثيرة على أن بنات الأشراف والسادة كانت لهن منزلة سامية فكن يخترن أزواجهن بأنفسهن ، ويتركنهم إذ لم يحسنوا معاملتهن . وبلغ من منزلة بعض شريفاتهن أنهن كن يحمين من يستجير بهن إذا استشفع بهن .
وكانت من عادات العرب في الجاهلية أنهم يصحبون نساءهم في الحرب لكي يشجعونهم على الحرب والقتال, أما في السلم فإن المرأة في الجاهلية تقضي وقتها بين مساعدة زوجها في الزراعة أو الطهي أو حلب الأغنام وما إلى ذلك من مهن أخرى.
ثامناً : الحياة الدينية في مكة قبل الاسلام
كان معظم العرب في الجاهلية ومن بينها قريش وثنيه تؤمن بقوى الهية كثيرة تنبت في الكواكب ومظاهر الطبيعية، وفي أسماء قبائلهم مايدل على أنهم كانوا قريبي عهد بالطوطمية.
ثم تطورت وثنية العربي إلى عبادة قطع الصخور التى يستحسن مظهرها وهيأتها, وبعضها كانت بيضاء اللون, ومن أمثلة هذه الصخور ”الجلسد“ وكان بحضرموت على شكل جثة الرجل العظيم وهو من صخرة بيضاء لها رأس أسود وإذا تأملة الناظر رأى فيه كصورة وجه الإنسان ومنها ”ذو الخلصة“ وكان صخرة بيضاء منقوش عليها كهيئة التاج وكانت بين مكة واليمن.
كذلك كان للقمر منزلةً عظيمة, وهو الإله الأثير, ومكانته عند عرب الجنوب أسمى من مكانة الشمس التي كانت لحرارتها في الصيف تعرف بذات حميم ومثلت الشمس بصنم عبده العرب في فترة ما قبل الميلاد، وتسمى بها كثير من الأشخاص فعرفوا بعبد شمس.
وقد استعمل العرب اصطلاحين للدلاله على التماثيل التي كانوا يعبدونها في الجاهلية هما "أصنام" و "أوثان" ويذكر هشام بن محمد الكلبي: أن التمثال إذا كان معمولاً من خشب أو فضة أو ذهب وكان على شكل إنسان فهو صنم, وإذا كان من حجارة فهو وثن, أما النُصُب فهي أحجار كانت تنصب في الجاهلية ويذبح عليها العرب ذبائحهم وقرابينهم, وقد ذكرها الله في كتابه الكريم فقال: " يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون"
مثلث الشرك الأعظم ( اللات والعزىومناة ) :
لم تعظم قريش بمكة ولا من أقام بها من العرب من الأصنام تعظيمها العزى, ومناة, واللات, بحيث بات لهذه الآلهه من الشهرة ما لم يكن لغيرها من الأصنام.
ولقد بلغ من شدة تعصب العرب لهذه الآلهة الثلاث أنهم دافعوا عنها مخلصين وكانوا يُعذبون كل من يتخلى عن عبادتها، ويُسيمونه سوء العذاب والنكال.
1. اللات: جاء في بعض كتب التفاسير أن اللات بأرض نخلة،
وكانت خاصة بقريش، وهي مشتقة من (لوى) لأنهم كانوا يلوون عليها
ويعكفون عندها متعبدين، أو يلتوون عليها أي يطوفون وزعموا أنها إنما سميت برجل منهم كان
يلُت عندهم السمن بالزيت ويطعمها الحجاج.
2. العزى: وهي من أعظم أصنام قريش على الإطلاق, وكانت في الأصل لغطفان وهي عبارة عن سمرة أي
شجرة أو ثلاث سمرات بأرض نخلة.
3. مناة: وهي ثالثة الآلهة إضافة إلى العزى, واللات,
ويبدو أنها كانت دون الأخريين غير أنها كانت أقدم عهدا من العزى
واللات, وهي أول ما عبد من الحجارة, وكانت للأوس والخزرج, ومن دان بدينهم من أهل
يثرب على ساحل البحر الأحمر, وقيل أنها كانت لهذيل وخزاعة . ولعل اسم مناه مأخوذ من
القول منيت الدم وغيره , إذا صببته لأن الدماء كانت كما نعلم كانت تُمنى عندها
تقرُباً إليها .
نسب
الرسول صلى الله عليه وسلم ونشأته
وحوادث هامة متعلقة بسيرته قبل البعثة
وحوادث هامة متعلقة بسيرته قبل البعثة
أولاً: نسب النبي صلى الله عليه وسلم :
نسب النبي صلى الله عليه وسلم ينقسم الى ثلاثة أجزاء جزء اتفق على صحته أهل السير والأنساب وهو إلى عدنان , وجزء اختلفوا فيه مابين متوقف وقائل به وهو ما فوق عدنان إلى إبراهيم عليه السلام , وجزء لا شك أن فيه أموراً غير صحيحة وهو من إبراهيم الى آدم عليهما السلام .
والذي يهمنا هنا هو الجزء الأول من نسبه عليه الصلاة والسلام وهو المتفق على صحته وهو كالتالي:
محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مره بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر وهو الملقب بقريش (وإليه تنسب القبيلة) بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
فالرسول صلى الله عليه وسلم يعود نسبه الى إبراهيم عليه السلام وهذا ثابت لقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي أخرجه مسلم (إن الله عز وجل اصطفى كنانة من ولد اسماعيل عليه السلام واصطفى قريشا من كنانة, واصطفى من قريش بني هاشم, واصطفاني من بني هاشم) أما الذي فيه خلاف فهم أسماء أبناء إسماعيل إلى عدنان, وما فوق إبراهيم إلى نوح عليهما السلام.
الأسرة النبوية :
هاشم :ان هاشم هو الذي تولى السقاية والرفاده من بني عبد مناف حيث تصالح بنو عبد مناف وبنو عبد الدار على اقتسام المناصب فيما بينهم , وهاشم كان موسراً ذا شرف كبير وهو أول من أطعم الثريد للحجاج بمكة , وكان اسمه عمرو فما سمي هاشما الا لهشمه الثريد وهو أول من سن الرحلتين لقريش , رحلة الشتاء والصيف وفيه يقول الشاعر :
عمرو الذي هشم الثريد لقومه قوم بمكــة
مسنتين عجـــــاف
سنت إليه الرحلتـان كلاهمـــا سفر الشتاء ورحلة الأصياف
سنت إليه الرحلتـان كلاهمـــا سفر الشتاء ورحلة الأصياف
عبد المطلب: وأهم ما وقع له من أمور البيت شيئان حفر بئر زمزم
ووقعة الفيل أما وقعة الفيل فقد تحدثنا عنها في المحاضرة السابقة , أما حفر بئر زمزم
فتذكر المصادر أنه أمر فى المنام بحفر زمزم ووصف له موضعها, فقام يحفر فوجد فيه
الأشياء التى دفنها الجراهمه حين لجأوا إلى الجلاء , أي السيوف والدروع وغزالين من
الذهب فضرب الأسياف بابا للكعبة وضرب في الباب الغزالين , وأقام سقاية زمزم للحجاج.
ولما بدت بئر زمزم نازعت قريش عبد المطلب وقالو له: أشركنا قال ما أنا بفاعل هذا أمر خصصت به فلم يتركوه حتى خرجوا به للمحاكمة عند كاهنة ببلاد الشام وفي أثناء الطريق نفذ ماؤوهم حتى أوشكوا على الهلاك فاذا بالماء يخرج من تحت خف راحلته ففرح عبد المطلب وفرح أصحابه فشربوا من الماء حتى رووا ثم قالوا: قد والله قضي لك علينا يا عبد المطلب,والله لا نخاصمك في زمزم أبداً. إن الذي سقاك هذا الماء بهذه الفلاة لهو الذي سقاك زمزم. حينها نذر عبد المطلب لئن آتاه الله عشرة أبناء لينحرن أحدهم عند الكعبة.
- عبد الله بن عبد المطلب:
وهو والد الرسول صلى الله عليه وسلم وأمه زوجة عبد المطلب فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن محزوم بن يقظه بن مرة, وكان عبد الله أحسن أولاد عبد المطلب, وأعفهم وأحبهم إلية وهو الذبيح وذلك أن عبد المطلب لما رزق عشرة أبناء ضرب على أبنائه فخرج على عبدالله فأخذه عبد المطلب إلى الكعبة يريد ذبحه فمنعته قريش ولا سيما أخواله من بني مخزوم فقال عبد المطلب كيف أصنع بنذري فقالوا له تأتي عرافة فتستأمرها, فأشارت عليه بأن يضرب القداح على
عبد الله وعلى عشرة من الإبل فإن خرجت على عبد الله يزيد عشرا من الإبل وهكذا حتى يرضى ربه ففعل ما أمرته به ولما وصل عدد الإبل إلى مائه فإن القدح ظهر على الإبل فنحرها عند الكعبة ولم يمنع أحدا منها.
- والدة النبي صلى الله علية وسلم
اختار عبد المطلب لولده عبد الله آمنه بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب وهي يومئذ تعد أفضل امرأة في قريش نسباً وموضعاً وأبوها سيد بني زهره نسباً وشرفاً فبنى بها عبد الله في مكة, وبعد مدة بسيطة أرسله عبد المطلب إلى المدينة يمتار منها تمراً فمات بها, وقيل بل خرج تاجرا إلى الشام فأقبل في قريش فنزل بالمدينة وهو مريض فتوفي بها, ودفن في دار النابغة الجعدي, وله من العمر خمس وعشرون سنه, وكانت وفاته قبل أن يولد رسول الله صلى الله عليه وسلم و به يقول أكثر المؤرخين. ولما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ست سنين توفيت أمه بالأبواء بين مكة والمدينة, وكانت قد قدمت به على أخواله من بنى عدي بن النجار تزيره إياهم فماتت وهي راجعة به إلى مكة.
ثانياً: ولادته صلى الله علية وسلم :
ولد الرسول صلى الله علية وسلم بشعب بني هاشم في صبيحة يوم الاثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول من عام
الفيل سنه 571 م. وروى ابن سعد أن أم الرسول الله صلى الله عليه وسلم آمنه بنت وهب قالت لما ولدته خرج مني نور أضاءت له قصور الشام.
ولما ولدته امه أرسلت الى جده عبد المطلب تبشره بحفيدة فجاء مستبشرا ودخل به الكعبة فحمد الله وشكر له واختار له اسم محمد - وهذا الاسم لم يكن معروفا في العرب- وختنه في اليوم السابع كما كان العرب يفعلون.
فترة حضانته صلى الله عليه وسلم :
كان من عادة أشراف قريش دفع أولادهم إلى المراضع من أهل البادية لإكسابهم الغذاء الطيب , ومنحهم الهواء الصافي وتعويد أجسامهم على الجلد وتحمل الأجواء.
وقدر لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ولادته بفترة قصيرة أن تأخذه حليمة بنت أبي ذؤيب من بنى سعد لترضعه وتعتني به وهي التي عرفت بحليمة السعدية.
وربما كان السبب في الإسراع بدفع رسول الله إلى حليمة وهو في أيامه الأولى ما شعرت به والدته من عدم كفاية لبنها لتغذيته بسبب ما نالها من حزن عميق على وفاة زوجها عبد الله.
لقد رأت حليمة من بركته صلى الله عليه وسلم ما قصّت منه العجب نوجزها في النقاط الآتية:
ولما بدت بئر زمزم نازعت قريش عبد المطلب وقالو له: أشركنا قال ما أنا بفاعل هذا أمر خصصت به فلم يتركوه حتى خرجوا به للمحاكمة عند كاهنة ببلاد الشام وفي أثناء الطريق نفذ ماؤوهم حتى أوشكوا على الهلاك فاذا بالماء يخرج من تحت خف راحلته ففرح عبد المطلب وفرح أصحابه فشربوا من الماء حتى رووا ثم قالوا: قد والله قضي لك علينا يا عبد المطلب,والله لا نخاصمك في زمزم أبداً. إن الذي سقاك هذا الماء بهذه الفلاة لهو الذي سقاك زمزم. حينها نذر عبد المطلب لئن آتاه الله عشرة أبناء لينحرن أحدهم عند الكعبة.
- عبد الله بن عبد المطلب:
وهو والد الرسول صلى الله عليه وسلم وأمه زوجة عبد المطلب فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن محزوم بن يقظه بن مرة, وكان عبد الله أحسن أولاد عبد المطلب, وأعفهم وأحبهم إلية وهو الذبيح وذلك أن عبد المطلب لما رزق عشرة أبناء ضرب على أبنائه فخرج على عبدالله فأخذه عبد المطلب إلى الكعبة يريد ذبحه فمنعته قريش ولا سيما أخواله من بني مخزوم فقال عبد المطلب كيف أصنع بنذري فقالوا له تأتي عرافة فتستأمرها, فأشارت عليه بأن يضرب القداح على
عبد الله وعلى عشرة من الإبل فإن خرجت على عبد الله يزيد عشرا من الإبل وهكذا حتى يرضى ربه ففعل ما أمرته به ولما وصل عدد الإبل إلى مائه فإن القدح ظهر على الإبل فنحرها عند الكعبة ولم يمنع أحدا منها.
- والدة النبي صلى الله علية وسلم
اختار عبد المطلب لولده عبد الله آمنه بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب وهي يومئذ تعد أفضل امرأة في قريش نسباً وموضعاً وأبوها سيد بني زهره نسباً وشرفاً فبنى بها عبد الله في مكة, وبعد مدة بسيطة أرسله عبد المطلب إلى المدينة يمتار منها تمراً فمات بها, وقيل بل خرج تاجرا إلى الشام فأقبل في قريش فنزل بالمدينة وهو مريض فتوفي بها, ودفن في دار النابغة الجعدي, وله من العمر خمس وعشرون سنه, وكانت وفاته قبل أن يولد رسول الله صلى الله عليه وسلم و به يقول أكثر المؤرخين. ولما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ست سنين توفيت أمه بالأبواء بين مكة والمدينة, وكانت قد قدمت به على أخواله من بنى عدي بن النجار تزيره إياهم فماتت وهي راجعة به إلى مكة.
ثانياً: ولادته صلى الله علية وسلم :
ولد الرسول صلى الله علية وسلم بشعب بني هاشم في صبيحة يوم الاثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول من عام
الفيل سنه 571 م. وروى ابن سعد أن أم الرسول الله صلى الله عليه وسلم آمنه بنت وهب قالت لما ولدته خرج مني نور أضاءت له قصور الشام.
ولما ولدته امه أرسلت الى جده عبد المطلب تبشره بحفيدة فجاء مستبشرا ودخل به الكعبة فحمد الله وشكر له واختار له اسم محمد - وهذا الاسم لم يكن معروفا في العرب- وختنه في اليوم السابع كما كان العرب يفعلون.
فترة حضانته صلى الله عليه وسلم :
كان من عادة أشراف قريش دفع أولادهم إلى المراضع من أهل البادية لإكسابهم الغذاء الطيب , ومنحهم الهواء الصافي وتعويد أجسامهم على الجلد وتحمل الأجواء.
وقدر لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ولادته بفترة قصيرة أن تأخذه حليمة بنت أبي ذؤيب من بنى سعد لترضعه وتعتني به وهي التي عرفت بحليمة السعدية.
وربما كان السبب في الإسراع بدفع رسول الله إلى حليمة وهو في أيامه الأولى ما شعرت به والدته من عدم كفاية لبنها لتغذيته بسبب ما نالها من حزن عميق على وفاة زوجها عبد الله.
لقد رأت حليمة من بركته صلى الله عليه وسلم ما قصّت منه العجب نوجزها في النقاط الآتية:
1. أن صدرها كان ناشفاً من الحليب ولما أخذت الرسول صلى الله عليه وسلم امتلأ بالحليب فرضع
الرسول صلى الله عليه وسلم ورضع أخوه الذي كان لا يجد من أمه فيما سبق ما
يشبعه.
2. أن الله بارك لهما في ناقتهما المسنة فدرَّ ضرعها , فحلب منها
زوجها فشرب وشربت زوجته حليمة حتى شبعا.
3. أن الله بارك لهما في راحلتهما وهي حمار كانا
يركبانه فحملت النبي صلى الله علية وسلم معها عليه فأخذ يعدو عدواً سريعاً
حتى أنه سبق جميع الرواحل الأخرى التي كانت معهم.
4. أن الله بارك لهم في منازلهم فبعد ما كانت
الأرض مجدبة ونقصد بها أرض بنى سعد فإن الله بارك فيها
فأصبحت الغنم تشبع منها فتدر ضروعها.
5. أن الحضانة سنتين إلا أن حليمة حينما رأت
وزوجها تلك البركة فإنها طلبت من أمه صلى الله عليه وسلم أن يبقى في بني سعد
فوافقت والدته على ذلك إلى أن بلغ عمره أربع أو خمس سنوات حينها وقعت حادثة شق الصدر
فخشيت عليه حليمة فردته إلى أمه.
حديث شق الصدر:
عن أنس رضي الله عنه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل وهو يلعب مع الغلمان , فأخذه, فصرعه , فشق عن قلبه, فاستخرجه , فاستخرج منه علقة , فقال : هذا حظ الشيطان منك ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم ثم لأمه , ثم أعاده إلى مكانه. وجاء الغلمان يسعون إلى أمه - يعني مرضعته- أن محمدا قد قتل فاستقبلوه وهو منتقع اللون" حديث صحيح أخرجه مسلم وللحديث شواهد كثيرة تدل على صحته منها ما ذكره أنس بقوله في آخر الحديث " وكنت أرى أثر ذلك المخيط في صدره".
عن أنس رضي الله عنه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل وهو يلعب مع الغلمان , فأخذه, فصرعه , فشق عن قلبه, فاستخرجه , فاستخرج منه علقة , فقال : هذا حظ الشيطان منك ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم ثم لأمه , ثم أعاده إلى مكانه. وجاء الغلمان يسعون إلى أمه - يعني مرضعته- أن محمدا قد قتل فاستقبلوه وهو منتقع اللون" حديث صحيح أخرجه مسلم وللحديث شواهد كثيرة تدل على صحته منها ما ذكره أنس بقوله في آخر الحديث " وكنت أرى أثر ذلك المخيط في صدره".
كفالة جده له:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أمه آمنه بنت وهب وجده عبد المطلب بن هاشم في كلاءة الله وحفظه, فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ست سنين توفيت أمه بالأبواء بين مكة والمدينة كما ذكرنا ذلك سابقاً فأصبح رسول الله تحت رعاية جده عبد المطلب بن هاشم. وكان يوضع لعبد المطلب فراش في ظل الكعبة وكان بنوه يجلسون حول فراشه ذلك حتى يخرج إليه, لا يجلس عليه أحد من بنيه إجلالاً له, فكان رسول الله يأتي وهو (غلام فيه شدة) حتى يجلس عليه فيأخذه أعمامة ليؤخروه عنه, فيقول عبد المطلب إذا رأى ذلك منهم : دعوا ابني فو الله إن له لشأنا ثم يجلسه معه على الفراش ويمسح ظهره بيده, ويسره ما يراه يصنع. فلما بلغ رسول الله صلى الله علية وسلم ثماني سنين مات عبد المطلب وذلك بعد الفيل بثمان سنين.
كفالة عمه له:
بعد موت عبد المطلب قام بكفالة النبي صلى الله عليه وسلم عمه أبو طالب بوصية من عبد المطلب, فنهض أبو طالب بحق ابن أخيه على أكمل وجه, وضمه إلى ولده, وقدمه عليهم, واختصه بفضل واحترام وتقدير, وظل فوق أربعين سنة يعز جانبه. ويبسط عليه حمايته, ويصادق ويخاصم من أجله وسنأتي بنبذ من ذلك في مواضعها إن شاء الله.
ثالثا : حوادث هامة متعلقه بسيرته صلى الله عليه وسلم قبل البعثة :
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أمه آمنه بنت وهب وجده عبد المطلب بن هاشم في كلاءة الله وحفظه, فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ست سنين توفيت أمه بالأبواء بين مكة والمدينة كما ذكرنا ذلك سابقاً فأصبح رسول الله تحت رعاية جده عبد المطلب بن هاشم. وكان يوضع لعبد المطلب فراش في ظل الكعبة وكان بنوه يجلسون حول فراشه ذلك حتى يخرج إليه, لا يجلس عليه أحد من بنيه إجلالاً له, فكان رسول الله يأتي وهو (غلام فيه شدة) حتى يجلس عليه فيأخذه أعمامة ليؤخروه عنه, فيقول عبد المطلب إذا رأى ذلك منهم : دعوا ابني فو الله إن له لشأنا ثم يجلسه معه على الفراش ويمسح ظهره بيده, ويسره ما يراه يصنع. فلما بلغ رسول الله صلى الله علية وسلم ثماني سنين مات عبد المطلب وذلك بعد الفيل بثمان سنين.
كفالة عمه له:
بعد موت عبد المطلب قام بكفالة النبي صلى الله عليه وسلم عمه أبو طالب بوصية من عبد المطلب, فنهض أبو طالب بحق ابن أخيه على أكمل وجه, وضمه إلى ولده, وقدمه عليهم, واختصه بفضل واحترام وتقدير, وظل فوق أربعين سنة يعز جانبه. ويبسط عليه حمايته, ويصادق ويخاصم من أجله وسنأتي بنبذ من ذلك في مواضعها إن شاء الله.
ثالثا : حوادث هامة متعلقه بسيرته صلى الله عليه وسلم قبل البعثة :
1. قصة بحيرا الراهب:
لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم اثني عشرة سنه ارتحل به أبو طالب متاجرا إلى الشام حتى وصل إلى بصرى وهي معدودة من الشام وقصبة لحوران, وكانت في ذلك الوقت قصبة للبلاد العربية التي كانت تحت حكم الرومان وكان في هذه البلاد راهب عرف ببحيرا واسمه جرجيس فلما نزل الركب خرج إليهم, وأكرمهم با لضيافة وكان لا يخرج إليهم قبل ذلك وعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم بصفته, فقال وهو آخذ بيده هذا سيد العالمين, هذا يبعثه الله رحمة للعالمين. فقال أبو طالب: وما علمك بذلك؟ فقال إنكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق حجر ولا شجر إلا وخر ساجدا ولا تسجد إلا لنبي, وإني أعرفه بخاتم النبوة في أسفل غضروف كتفه مثل التفاحة, وإنا نجده في كتبنا, وسأل أبا طالب أن يرده ولا يقدم به إلى الشام, خوفا عليه من اليهود فبعثة عمه مع بعض غلمانه إلى مكة.
هذه خلاصة القصة وهناك روايات أخرى متعددة حول قصة بحيرا الراهب, وحقيقة لا يوجد كما ذكر الغزالي في السنن الصحاح أنباء تصف هذه الرحلة, وهناك من شكك في هذه الرواية إلا أن الغزالي يرجح صحتها, بقوله: (بل هي صحيحة فقد أخرجها الترمذي من حديث أبي موسى الأشعري وقال هذا حديث حسن, وقال الغزالي بأن إسناده صحيح نقلاً عن الجزري ) .
لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم اثني عشرة سنه ارتحل به أبو طالب متاجرا إلى الشام حتى وصل إلى بصرى وهي معدودة من الشام وقصبة لحوران, وكانت في ذلك الوقت قصبة للبلاد العربية التي كانت تحت حكم الرومان وكان في هذه البلاد راهب عرف ببحيرا واسمه جرجيس فلما نزل الركب خرج إليهم, وأكرمهم با لضيافة وكان لا يخرج إليهم قبل ذلك وعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم بصفته, فقال وهو آخذ بيده هذا سيد العالمين, هذا يبعثه الله رحمة للعالمين. فقال أبو طالب: وما علمك بذلك؟ فقال إنكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق حجر ولا شجر إلا وخر ساجدا ولا تسجد إلا لنبي, وإني أعرفه بخاتم النبوة في أسفل غضروف كتفه مثل التفاحة, وإنا نجده في كتبنا, وسأل أبا طالب أن يرده ولا يقدم به إلى الشام, خوفا عليه من اليهود فبعثة عمه مع بعض غلمانه إلى مكة.
هذه خلاصة القصة وهناك روايات أخرى متعددة حول قصة بحيرا الراهب, وحقيقة لا يوجد كما ذكر الغزالي في السنن الصحاح أنباء تصف هذه الرحلة, وهناك من شكك في هذه الرواية إلا أن الغزالي يرجح صحتها, بقوله: (بل هي صحيحة فقد أخرجها الترمذي من حديث أبي موسى الأشعري وقال هذا حديث حسن, وقال الغزالي بأن إسناده صحيح نقلاً عن الجزري ) .
2. حرب الفجار:
وحينما بلغ الرسول صلى الله علية وسلم الخامسة عشرة من عمره حدثت حرب الفجار بين قريش ومن معهم من كنانة وبين قيس عيلان, وكان قائد قريش وكنانة كلها حرب بن أميه لمكانته منهم سنناً وشرفاً وكان الظفر في أول النهار لقيس على كنانة, حتى إذا كان وسط النهار كان الظفر لكنانة على قيس. و سميت بحرب الفجار لانتهاك حرمات الحرم والأشهر الحرم منها, وقد حضر هذه الحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ينبل على عمومته أي يجهز لهم النبل.
وحينما بلغ الرسول صلى الله علية وسلم الخامسة عشرة من عمره حدثت حرب الفجار بين قريش ومن معهم من كنانة وبين قيس عيلان, وكان قائد قريش وكنانة كلها حرب بن أميه لمكانته منهم سنناً وشرفاً وكان الظفر في أول النهار لقيس على كنانة, حتى إذا كان وسط النهار كان الظفر لكنانة على قيس. و سميت بحرب الفجار لانتهاك حرمات الحرم والأشهر الحرم منها, وقد حضر هذه الحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ينبل على عمومته أي يجهز لهم النبل.
3. حلف الفضول:
وعلى أثر هذه الحرب وقع حلف الفضول في ذي القعدة من أشهر الله الحرام, فتداعت إليه قبائل من قريش بنو هاشم, وبنو عبد المطلب, وأسد بن عبد العزى, وزهره بن كلاب, وتميم بن مرة, فاجتمعوا في دار عبد لله بن جدعان التيمي لسنه وشرفه, فتعاقدوا وتعاهدوا على أن لا يجدوا بمكة مظلوما من أهلها وغيرهم من سائر الناس إلا قاموا معه, وكانوا على من ظلمه حتى ترد إليه مظلمته, وشهد هذا الحلف رسول الله صلى الله علية وسلم.
ويروى أن الرسول صلى الله علية وسلم قال بعد أن أكرمه الله بالرسالة: لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفاً ما أحب أن لي به حمر النعم, ولو دعيت به في الإسلام لأجبت وهذا الحلف روحه تنافي الحمية الجاهلية التي كانت العصبية الجاهلية تثيرها .
وعلى أثر هذه الحرب وقع حلف الفضول في ذي القعدة من أشهر الله الحرام, فتداعت إليه قبائل من قريش بنو هاشم, وبنو عبد المطلب, وأسد بن عبد العزى, وزهره بن كلاب, وتميم بن مرة, فاجتمعوا في دار عبد لله بن جدعان التيمي لسنه وشرفه, فتعاقدوا وتعاهدوا على أن لا يجدوا بمكة مظلوما من أهلها وغيرهم من سائر الناس إلا قاموا معه, وكانوا على من ظلمه حتى ترد إليه مظلمته, وشهد هذا الحلف رسول الله صلى الله علية وسلم.
ويروى أن الرسول صلى الله علية وسلم قال بعد أن أكرمه الله بالرسالة: لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفاً ما أحب أن لي به حمر النعم, ولو دعيت به في الإسلام لأجبت وهذا الحلف روحه تنافي الحمية الجاهلية التي كانت العصبية الجاهلية تثيرها .
4.
زواجه من خديجة:
لم يكن للرسول صلى الله علية وسلم عمل معين في حياته, إلا أن الروايات تشير إلى أنه كان يرعى غنما, رعاها في بني سعد وفي مكة لأهلها, وفي الخامسة والعشرين من سنه خرج تاجرا إلى الشام في مال خديجة رضى الله عنها, ولما رجع إلى مكة ورأت خديجة في مالها من الأمانة والبركة لم ترى قبل ذلك, أخبرها غلامها ميسره بما رأى منه صلى الله علية وسلم , من صفات حميدة وشمائل كريمة. فوجدت ضالتها المنشودة - وكان السادات والرؤساء يحرصون على زواجها فتأبى عليهم ذلك- فتحدثت بما في نفسها إلى إحدى صديقاتها نفيسة بنت منبه فذهبت نفيسة الى الرسول وفاتحته بذلك فرضي بذلك وكلم أعمامه فذهبوا إلى عم خديجة وخطبوها إليه وعلى أثر ذلك ثم الزواج, وكانت تبلغ من العمر إذ ذاك أربعين سنه وكانت من أفضل نساء قومها نسباً وثروة وعقلاً, ولم يتزوج عليها غيرها حتى ماتت.
وكل أولاده صلى الله عليه وسلم منها سوى إبراهيم, وقد ولدت له القاسم ثم زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة وعبد الله, ومات بنوه كلهم في صغرهم أما البنات فكلهن أدركن الإسلام فأسلمن وهاجرن.
لم يكن للرسول صلى الله علية وسلم عمل معين في حياته, إلا أن الروايات تشير إلى أنه كان يرعى غنما, رعاها في بني سعد وفي مكة لأهلها, وفي الخامسة والعشرين من سنه خرج تاجرا إلى الشام في مال خديجة رضى الله عنها, ولما رجع إلى مكة ورأت خديجة في مالها من الأمانة والبركة لم ترى قبل ذلك, أخبرها غلامها ميسره بما رأى منه صلى الله علية وسلم , من صفات حميدة وشمائل كريمة. فوجدت ضالتها المنشودة - وكان السادات والرؤساء يحرصون على زواجها فتأبى عليهم ذلك- فتحدثت بما في نفسها إلى إحدى صديقاتها نفيسة بنت منبه فذهبت نفيسة الى الرسول وفاتحته بذلك فرضي بذلك وكلم أعمامه فذهبوا إلى عم خديجة وخطبوها إليه وعلى أثر ذلك ثم الزواج, وكانت تبلغ من العمر إذ ذاك أربعين سنه وكانت من أفضل نساء قومها نسباً وثروة وعقلاً, ولم يتزوج عليها غيرها حتى ماتت.
وكل أولاده صلى الله عليه وسلم منها سوى إبراهيم, وقد ولدت له القاسم ثم زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة وعبد الله, ومات بنوه كلهم في صغرهم أما البنات فكلهن أدركن الإسلام فأسلمن وهاجرن.
5. بناء الكعبة وقضية التحكم:
وحينما بلغ الرسول صلى الله عليه وسلم خمساً وثلاثين قامت قريش ببناء الكعبة لأن سيلاً شديداً انحدر إلى البيت الحرام فأوشكت الكعبة منه على الانهيار فاضطرت قريش إلى تجديد بنائها حرصاً على مكانتها, واشتركت معها قبائل أخرى في بنائها, ولما بلغ البنيان موضع الحجر الأسود اختلفوا فيمن يمتاز بشرف وضعه في مكانه, واستمر النزاع أربع ليال أو خمساً , واشتد حتى كاد يتحول إلى حرب ضروس في أرض الحرم, إلا أن أبا أمية بن المغيرة المخزومي عرض عليهم أن يحكموا فيما شجر بينهم أول داخل عليهم من باب المسجد فارتضوه, وشاء الله أن يكون ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأوه هتفوا هذا الأمين رضيناه هذا محمد, فلما وصلهم أخبروه الخبر فطلب رداء فوضع الحجر وسطه, وطلب من رؤساء القبائل المتنازعين أن يمسكوا جميعا بأطراف الرداء, وأمرهم أن يرفعوه حتى أذا أوصلوه إلى موضعه أخذه بيده فوضعه في مكانه فرضي القوم بذلك.
وحينما بلغ الرسول صلى الله عليه وسلم خمساً وثلاثين قامت قريش ببناء الكعبة لأن سيلاً شديداً انحدر إلى البيت الحرام فأوشكت الكعبة منه على الانهيار فاضطرت قريش إلى تجديد بنائها حرصاً على مكانتها, واشتركت معها قبائل أخرى في بنائها, ولما بلغ البنيان موضع الحجر الأسود اختلفوا فيمن يمتاز بشرف وضعه في مكانه, واستمر النزاع أربع ليال أو خمساً , واشتد حتى كاد يتحول إلى حرب ضروس في أرض الحرم, إلا أن أبا أمية بن المغيرة المخزومي عرض عليهم أن يحكموا فيما شجر بينهم أول داخل عليهم من باب المسجد فارتضوه, وشاء الله أن يكون ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأوه هتفوا هذا الأمين رضيناه هذا محمد, فلما وصلهم أخبروه الخبر فطلب رداء فوضع الحجر وسطه, وطلب من رؤساء القبائل المتنازعين أن يمسكوا جميعا بأطراف الرداء, وأمرهم أن يرفعوه حتى أذا أوصلوه إلى موضعه أخذه بيده فوضعه في مكانه فرضي القوم بذلك.
صفة النبي صلى الله عليه وسلم :
قال ابن حزم في وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بالطويل البائن ولا بالقصير, ولا بالأبيض الأمهق, ولا الآدم, ولا بالجعد القطط, ولا السبط, رجل الشعر, أزهر اللون, مشرباً بحمرة في بياض ساطع كأن وجهه القمر حسنا, ضخم الكراديس, أوطف الأشفار, أدعج العينين في بياضهما عروق حمر رقاق, حسن الثغر واسع الفم حسن الأنف إذا مشى كأنه يتكفأ, إذا التفت التفت بجميعه, كثير النظر إلى الأرض,ضخم اليدين لينهما قليل لحم العقبين, كث اللحية واسعها, أسود الشعر, اذ طول شعره فالى شحمة أذنيه وإذا قصره فإلى أنصاف أذنيه, لم يبلغ شيب رأسه ولحيته عشرين شيبه.
قال ابن حزم في وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بالطويل البائن ولا بالقصير, ولا بالأبيض الأمهق, ولا الآدم, ولا بالجعد القطط, ولا السبط, رجل الشعر, أزهر اللون, مشرباً بحمرة في بياض ساطع كأن وجهه القمر حسنا, ضخم الكراديس, أوطف الأشفار, أدعج العينين في بياضهما عروق حمر رقاق, حسن الثغر واسع الفم حسن الأنف إذا مشى كأنه يتكفأ, إذا التفت التفت بجميعه, كثير النظر إلى الأرض,ضخم اليدين لينهما قليل لحم العقبين, كث اللحية واسعها, أسود الشعر, اذ طول شعره فالى شحمة أذنيه وإذا قصره فإلى أنصاف أذنيه, لم يبلغ شيب رأسه ولحيته عشرين شيبه.
مبعثه
صلى الله عليه وآله وسلم
وحياته
الجهادية في مكة
أولاً: بعثته صلى الله عليه وسلم:
لما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أربعين سنه بعثه الله رحمة للعالمين وكافة للناس بشيرا , وكان الله تبارك وتعالى قد أخذ الميثاق على كل نبي يبعثه قبله بالإيمان به , والتصديق له ثم أخذ عليهم أن يبلغوا ذلك إلى كل من يؤمن بهم ويصدقهم ففعلوا ذلك , وعن عائشة رضي الله عنها : قالت : " إن أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من النبوة , حين أراد الله كرامته ورحمة العباد, الرؤيا الصادقة , لا يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤيا في منامه إلا جاءت كفلق الصبح وحبب الله تعالى إليه الخلوة , فلم يكن شئ أحب اليه من أن يخلو وحده”.
وتذكر الروايات أنه كان يجاور في حراء من كل سنه شهرا فإذا قضى شهره ذاك انصرف الى الكعبة فطاف بها سبعاً ثم عاد إلى بيته , وفي رمضان من السنة الأربعين من عمره خرج محمد صلى الله عليه وسلم كعادته الى غار حراء متأملاً متفكراً مقلباً وجهه في السموات , وفي ليلة اثنين من الليالي الأخيرة من الشهر نفسه جاءه جبريل عليه السلام بأمر الله تعالى.
جاءه جبريل عليه السلام وهو نائم فقال له اقرأ فقال له : ما أنا بقارئ فعصره عصراً شديداً ثم كرر عليه ما قاله أربع مرات حينها قال له جبريل : (اقرأ باسم ربك الذي خلق, خلق الإنسان من علق , أقرأ وربك الأكرم , الذي علم بالقلم, علم الإنسان ما لم يعلم ) قال : فقرأتها ثم انصرف عني , وهببت من نومي فكأنما كتبت في قلبي كتاباً.
فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان في وسط من الجبل سمع صوتاً من السماء يقول يا محمد : أنت رسول الله وأنا جبريل , فرفع رأسه الى السماء ينظر , فاذا جبريل في صورة رجل , وجعل يصرف وجهه عنه في آفاق السماء فلا ينظر في ناحية منها إلا ويراه كذلك . حتى انصرف راجعاً الى أهله فأتى خديجة فجلس قريباً منها ملتصقاً بها فقالت : يا أبا القاسم أين كنت ؟ فوالله لقد بعثت رسلي في طلبك حتى بلغوا أعلى مكة ورجعوا إلي. ثم حدثها بالذي رأى فقالت : أبشر يا ابن عم واثبت , فوالذي نفس خديجة بيده اني لأرجو أن تكون نبي هذه الأمة .
وفي رواية أخرى أنه جاء الى خديجة فقال : دثروني , فدثروه وصبوا عليه ماء فنزلت ( يا أيها المدثر , قم فأنذر , وثيابك فطهر ........الخ السورة ) ...
ثم انطلقت خديجة رضي الله عنها الى ابن عمها ورقة بن نوفل الذي كان قد تنصر وقرأ الكتب وسمع أهل التوراة والإنجيل فأخبرته بما أخبرها به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ورقة : " قدوس قدوس, والذي نفس ورقة بيده لئن كنت صدقتني يا خديجة لقد جاءه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى وانه لنبي هذه لأمة فقولي له فليثبت ".
ثانياً: إسلام خديجة:
كانت خديجة رضي الله عنها أول المؤمنين بدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم, وكان لإيمانها ذاك أثر عميق في معنوية الرسول صلى الله عليه وسلم, وهو يجابه بالتوحيد شرك العرب جميعاً.
ثالثاً: إسلام علي بن أبي طالب:
وكان علي رضي الله عنه أول من آمن بالرسول صلى الله عليه وسلم من الذكور,وصلى معه وصدقه وكان عمره يومئذ عشر سنين. وكان علي يقيم عند النبي صلى الله عليه وسلم, لأن والده أبو طالب كان كثير العيال فأراد الني صلى الله علي وسلم أن يخفف على عمه لأنه أصابتهم أزمة شديدة فضم علي إليه, ولم يزل مع رسول الله حتى بعثه الله نبياً .
لما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أربعين سنه بعثه الله رحمة للعالمين وكافة للناس بشيرا , وكان الله تبارك وتعالى قد أخذ الميثاق على كل نبي يبعثه قبله بالإيمان به , والتصديق له ثم أخذ عليهم أن يبلغوا ذلك إلى كل من يؤمن بهم ويصدقهم ففعلوا ذلك , وعن عائشة رضي الله عنها : قالت : " إن أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من النبوة , حين أراد الله كرامته ورحمة العباد, الرؤيا الصادقة , لا يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤيا في منامه إلا جاءت كفلق الصبح وحبب الله تعالى إليه الخلوة , فلم يكن شئ أحب اليه من أن يخلو وحده”.
وتذكر الروايات أنه كان يجاور في حراء من كل سنه شهرا فإذا قضى شهره ذاك انصرف الى الكعبة فطاف بها سبعاً ثم عاد إلى بيته , وفي رمضان من السنة الأربعين من عمره خرج محمد صلى الله عليه وسلم كعادته الى غار حراء متأملاً متفكراً مقلباً وجهه في السموات , وفي ليلة اثنين من الليالي الأخيرة من الشهر نفسه جاءه جبريل عليه السلام بأمر الله تعالى.
جاءه جبريل عليه السلام وهو نائم فقال له اقرأ فقال له : ما أنا بقارئ فعصره عصراً شديداً ثم كرر عليه ما قاله أربع مرات حينها قال له جبريل : (اقرأ باسم ربك الذي خلق, خلق الإنسان من علق , أقرأ وربك الأكرم , الذي علم بالقلم, علم الإنسان ما لم يعلم ) قال : فقرأتها ثم انصرف عني , وهببت من نومي فكأنما كتبت في قلبي كتاباً.
فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان في وسط من الجبل سمع صوتاً من السماء يقول يا محمد : أنت رسول الله وأنا جبريل , فرفع رأسه الى السماء ينظر , فاذا جبريل في صورة رجل , وجعل يصرف وجهه عنه في آفاق السماء فلا ينظر في ناحية منها إلا ويراه كذلك . حتى انصرف راجعاً الى أهله فأتى خديجة فجلس قريباً منها ملتصقاً بها فقالت : يا أبا القاسم أين كنت ؟ فوالله لقد بعثت رسلي في طلبك حتى بلغوا أعلى مكة ورجعوا إلي. ثم حدثها بالذي رأى فقالت : أبشر يا ابن عم واثبت , فوالذي نفس خديجة بيده اني لأرجو أن تكون نبي هذه الأمة .
وفي رواية أخرى أنه جاء الى خديجة فقال : دثروني , فدثروه وصبوا عليه ماء فنزلت ( يا أيها المدثر , قم فأنذر , وثيابك فطهر ........الخ السورة ) ...
ثم انطلقت خديجة رضي الله عنها الى ابن عمها ورقة بن نوفل الذي كان قد تنصر وقرأ الكتب وسمع أهل التوراة والإنجيل فأخبرته بما أخبرها به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ورقة : " قدوس قدوس, والذي نفس ورقة بيده لئن كنت صدقتني يا خديجة لقد جاءه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى وانه لنبي هذه لأمة فقولي له فليثبت ".
ثانياً: إسلام خديجة:
كانت خديجة رضي الله عنها أول المؤمنين بدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم, وكان لإيمانها ذاك أثر عميق في معنوية الرسول صلى الله عليه وسلم, وهو يجابه بالتوحيد شرك العرب جميعاً.
ثالثاً: إسلام علي بن أبي طالب:
وكان علي رضي الله عنه أول من آمن بالرسول صلى الله عليه وسلم من الذكور,وصلى معه وصدقه وكان عمره يومئذ عشر سنين. وكان علي يقيم عند النبي صلى الله عليه وسلم, لأن والده أبو طالب كان كثير العيال فأراد الني صلى الله علي وسلم أن يخفف على عمه لأنه أصابتهم أزمة شديدة فضم علي إليه, ولم يزل مع رسول الله حتى بعثه الله نبياً .
رابعاً: انتشار الإسلام في أهل مكة: ثم أسلم زيد بن حارثة وكان يقطن مع الرسول صلى الله علية وسلم في بيته وكان مولاً لرسول الله إلا أنه أعتقه وتبناه عليه الصلاة والسلام, ثم بعد ذلك أسلم أبو بكر الصديق رضي الله عنه ثم عثمان بن عفان, والزبير بن العوام, وعبد الرحمن بن عوف, وسعد بن أبي وقاص, وطلحه بن عبيد الله. ثم تلا هذه المجموعة مجموعة أخرى منهم: أبو عبيده بن الجراح, وأبو مسلمة بن عبد الأسد, والأرقم بن أبي الأرقم, وعثمان بن مظعون, وأخواه قدامه وعبد الله, وعبيد بن الحارث وغيرهم.
ويلاحظ أن أول من أسلم كانوا من أحداث الرجال أو من أسنان النبي صلى الله عليه وسلم أو ممن لا يكبره في السن كثيرا, أما الشيوخ المسنون فلم يستجيبوا لدعوته استكباراً وأنفه, فللسن عند العرب منزله .. والعرف أعمق جذورا في نفوس المسنين. ولم يكن عدد المسلمين في هذه الفترة قد تجاوز الستين شخصاً وقد أسلموا في مدة تتراوح بين ثلاث أو أربع سنوات.
وكانت الدعوة تتميز بالسرية لأنها لم يتوجب بعد الجهر بها. فكان المسلمون يجتمعون سراً في دار الأرقم بن أبي الأرقم يتدارسون القرآن, وإذا حضرت الصلاة فإن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يذهبون في الشعاب ويمارسون صلاتهم بعيدا عن أعين قومهم.
خامساً: الجهر بالدعوة:
وما لبث الوقت أن حان لإعلان الدعوة وأصدر الله سبحانه أمره إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أن يصدع بما جاءه منه, وأن يتجاوز الطور السري للدعوة الذي استغرق ما يزيد على الثلاث سنوات إلى الجهر والعلن تنفيذاً لأمر الله ( فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين) ولقوله تعالى (وأنذر عشيرتك الأقربين, واخفض جناحك لمن تبعك من المؤمنين ) .
وقد بدأ الرسول صلى الله علية وسلم الدور الجديد للدعوة بأن صعد الى الصفّا ودعا بني المطلب أن يجتمعوا إليه, فاجتمع إليه منهم حوالي الأربعين , فيهم عدد من أعمامه وبدأ حديثه معهم : يا بني فلان , يا بني عبد المطلب, يا بني عبد مناف, أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً تخرج بسفح هذا الجبل أكنتم مصدقي ؟ قالوا : ما جربنا عليك كذبا , قال : فاني نذير لكم بين يدي عذاب شديد, فقاطعه أبو لهب ساخراً : تباً لك. ما جمعتنا إلا لهذا. ثم انصرف وانصرف بنو عبد المطلب في أعقابه.
سادساً: مقاومة المشركين لدعوة النبي صلى الله عليه وسلم:
بدأت عداوة قريش بعد ذلك تظهر ظهوراً جلياً, وأيقنوا أن انتصار الدين الجديد معناه تحطيم دين العرب الموروث والعبادة القومية وضياع ما كان يتمتع به سدنة الكعبة من ثروة. فناصبته قريش العداء وأجمعوا على خلافه والوقوف في سبيل دعوته وإيذاء أتباعه ليفتنوهم عن دينهم فلم يزدهم ذلك إلا إيماناً. وقد وقف أبو طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم ينافح عنه ضد قريش, فرأى زعماءها أن يبعثوا إليه وفداً من أشرافهم لعلهم يقنعونه بوقف ابن أخيه عن المضي في دعوته- أو على الأقل بالتخلي عن اسناده وحمايته, وبالفعل أرسلوا له وفداً إلا أن أبا طالب ردهم رداً جميلاً فانصرفوا عنه.
ثم مضى النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته , واشتد العداء بين محمد والوثنية عمقا, وامتلأت صدور المشركين حقداً عليه, وراحوا يكثرون الحديث في أمره, ويتآمرون ضده, ويحض بعضهم بعضاً عليه, ثم رأوا أن يقابلوا عمه أبا طالب مرةً أخرى وقالوا: يا أبا طالب إن لك سناً وشرفاً ومنزلةً فينا, وقد طلبنا منك أن تكف ابن أخيك عنا ولم تفعل, وإنا والله لا نصبر على هذا من شتم آبائنا وتسفيه أحلامنا وعيب آلهتنا حتى تكفه عنا, أو ننازله وإياك في ذلك حتى يهلك أحد الفريقين. فبعث أبو طالب إلى ابن أخيه وقال له: يا ابن أخي إن قومك قد جاؤوني فقالوا لي كذا و كذا فابق علي وعلى نفسك, ولا تحملني من الأمر مالا أطيق.
فقال :" يا عم والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك فيه " فما كان جواب عمه إلا أن قال: "اذهب يا ابن أخي فقل ما أحببت فو الله لا أسلمك لشيء أبدا".
ولما علمت قريش بموقف أبو طالب من ابن أخيه, وكيف أنه أبى خذلانه والتخلي عنه, حينها مشوا إليه بعمارة بن الوليد
بن المغيرة فقالوا له: يا أبا طالب هذا عمارة بن الوليد, أنهد فتى في قريش وأجمله, اتخذه ولدا فهو لك, وأسلم إلينا ابن أخيك هذا الذي خالف دينك ودين آبائك, وفرق جماعة قومك وسفه أحلامهم فنقتله, فإنما هو رجل برجل. فقال والله لبئس ما تسومونني أتعطونني ابنكم أغذوه لكم, وأعطيكم ابني تقتلونه؟ هذا والله لا يكون أبدا.
فزاد العداء وحميت الحرب. ثم إن قريش تآمروا فيما بينهم على من في القبائل منهم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين أسلموا معه, فوثبت كل قبيلة على من فيهم من المسلمين يعذبونهم ويفتنونهم عن دينهم.
وقد قام أبو طالب حين رأى قريشاً يصنعون ما يصنعون, في بني هاشم وبني عبد المطلب, فدعاهم إلى ما هو عليه من منع رسول الله صلى الله عليه وسلم والقيام دونه, فاجتمعا إليه وقاموا معه, وأجابوه إلى ما دعاهم إليه, إلا ما كان من أبي لهب عدو الله.
قول الوليد بن المغيرة في القرآن:
وحينما اقترب موسم الحج خاف زعماء قريش أن يستفيد الرسول صلى الله عليه وسلم من فرصة التجمع البشرى, فيتصل بوفود العرب وقبائلها ويعرض عليها الإسلام. فدعاد أحد كبارهم وهو الوليد بن المغيرة قومه إلى أن يجتمعوا إليه وأعلمهم أن الموسم قد حضر وأن وفود العرب قادمة إلى مكة وأن عليهم أن يصدروا في أمر الرسول رأياً واحداً كيلا يختلفوا ويكذب بعضهم بعضا. فقال بعضهم: نقول كاهن، فأجاب الوليد لا والله ما هو بكاهن لقد رأينا الكُهان فما هو بزمزمة الكاهن ولا سجعه، فقال آخرون نقول مجنون. فقال ماهو بمجنون لقد رأينا الجنون وعرفناه فما هو بخنقه ولا وسوسته. فقالت فئة ثالثة نقول شاعر, وأجاب الوليد ماهو بشاعر, لقد عرفنا الشعر كله برجزه وهزجه وقريضه ومقبوضه ومبسوطه فما هو بالشعر.
قال بعضهم فنقول ساحر: فأجاب الوليد ماهو بساحر، لقد رأينا السحار وسحرهم فما هو بنفثهم ولا عقدهم. قالوا فما تقول أنت ؟ قال:" والله إن لقوله لحلاوة وإن أصله لعذق، وإن فرعه لجناه وما أنتم بقائلين من هذا شيئاً إلا عرف أنه باطل. وإن أقرب القول فيه لأن تقولوا: ساحر, جاء بقول هو سحر يفرق بين المرء وأخيه, وبين المرء وزوجه, وبين المرء وعشيرته. وتفرق القوم على هذا الرأي. فانتشروا في مداخل مكة ومسالكها حيث تمر الوفود لأداء مناسك الحج فكلما مر بهم وفد حذروه من الرسول صلى الله عليه وسلم ودعوته واتهموه بالسحر. وجاءت محاولتهم هذه بعكس ما توقعوه لأن ذكر النبي انتشر في بلاد العرب كلها. فكأن قريش من حيث لا تعلم ساعدت على نشر الدعوة في الآفاق.
سابعاً: بعض ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم من قومه:
لما اشتهر أمر الرسول صلى الله عليه وسلم في القبائل وذاع صيته، فإن قريشاً زادت في عدائها للنبي صلى الله عليه وسلم والذين أسلموا معه، فتعرضوا للنبي صلى الله عليه وسلم بأنواع شتى من الأذى، فأغروا به سفهاءهم فكذبوه وآذوه، ورموه بالشعر والسحر والكهانة والجنون، والرسول صلى الله عليه وسلم مظهر لأمر الله لا يستخفي به، فكان يعيب دينهم ويعتزل أوثانهم .
ثامناً : إسلام حمزة رضى الله عنه:
وكان سبب إسلامه أن أبا جهل مر برسول الله صلى الله عليه وسلم عند الصفا فآذاه وشتمه ، ونال منه بعض ما يكره من العيب لدينه والتضعيف لأمره فلم يكلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت مولاه لعبد الله بن جدعان في مسكن لها تسمع ذلك.
فلم يلبث حمزة أن أقبل متوشحاً قوسه راجعاً من قنص له، فلما مر بالمولاة قالت له يا أبا عماره: لو رأيت مالقي ابن أخيك محمد من أبي الحكم بن هشام؟ وجده هنا فآذاه وسبه وبلغ منه ما يكره ثم انصرف عنه ولم يكلمه محمد صلى الله عليه وسلم . فاحتمل حمزه الغضب ، فخرج يسعى ولم يقف على أحد، معداً لأبي جهل إذا لقيه أن يوقع به، فلما دخل المسجد نظر إليه جالساً في القوم، فأقبل نحوه حتى إذا قام على رأسه رفع القوس فضربه بها فشجه شجةً منكرة، ثم قال: أتشتمه وأنا على دينه أقول ما يقول؟ فرد ذلك علي إن استطعت. فقام رجال من بني محزوم إلى حمزة لينصروا أبا جهل، فقال أبو جهل: دعوا أبا عمارة فإني والله قد سببت ابن أخيه سباً قبيحاً. وبعد هذه الحادثة أسلم حمزة، ولما لا أسلم حمزة عرفت قريش أن رسول الله قد عز وامتنع، وأن حمزة سيمنعه. فكفوا عن بعض ما كانوا ينالون منه.
تاسعاً: اعتداء المشركين على من أسلم من المستضعفين:
لما عجز المشركون عن رسول الله واقناعه بالانصراف عن الدين الذي جاء به وذلك بعد ما عرضوا عليه شتى الأموال والمناصب والجاه وما إلى ذلك من أمور دنيويه، إلا أن الرسول رفضها كلها. فلم يجد المشركون أمامهم إلا أولئك المستضعفين الذين لا يجدون من يحميهم بعد أن دخلوا في الإسلام، فقاموا بتعذيبهم بالضرب والجوع والعطش وبرمضاء مكة إذا اشتد الحر، يريدون فتنتهم عن دينهم.
ومن الذين عذبوا بلال مولى أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، ومنهم عمار بن ياسر كان مولا لبني مخزوم فكانوا يخرجونه مع أمه وأبيه، حتى إذا حميت الظهيرة يعذبونهم برمضاء مكة فيمر الرسول صلى الله عليه وسلم فيقول: صبراً آل ياسر إن موعدكم الجنة، فأما أمه فقتلوها وهي تأبى إلا الإسلام.
وكان أبو جهل إذا سمع بالرجل قد أسلم له شرف ومنعه، أنبه وأخزاه وقال: تركت دين أبيك وهو خير منك، لنسفهن حلمك، ولنضعفن من شرفك. وان كان تاجراً قال والله لنكسدن تجارتك، ولنهلك مالك. وإن كان ضعيفاً ضربه وأغرى به.
الهجرة
إلى الحبشة وحياة المقاومة في مكة
أولاً : الهجرة إلى بلاد الحبشة
أ- أسباب الهجرة إلى الحبشة:
إن من أهم الأسباب الواضحة والتي دفعت المسلمين إلى الخروج من مكة، هو تعذيب المشركين للمسلمين إلى درجه أنهم لا يسمحون لهم بالصلاة، واذا رأوا أحداً يصلي هجموا عليه وضربوه، حتى أن البعض منهم كاد يهلك من هذا التعذيب، لذلك أمرهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالهجرة الى الحبشة بقوله صلى الله عليه وسلم لو خرجتم إلى أ رض الحبشة فإن بها ملكاً لا يظلم عنده أحد وهي أرض صدق, حتى يجعل الله لكم فرجاً مما أنتم فيه.
- والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو لماذا اختار الرسول صلى الله عليه وسلم الحبشة بالذات دون غيرها من البلدان الأخرى ؟
من الواضح أن هناك أسباباً دعت النبي صلى الله عليه وسلم لاختيار أرض الحبشة بالذات نذكر من أهمها ما يلي :
1. إن الحبشة كانت أقرب إقليم هادئ إلى مكة، يمكن أن يجد فيه المسلمون الأمن على حياتهم فلم يكن
بين الشعيبه والحبشة سوى البحر, الذى يفصل بين الحجاز وأرض الحبشة,
وإذا كانت الرياح جنوبيه فإن ذلك سوف يساعدهم على سرعة الوصول إليها بينما لو
اتجهوا الى أي مدينه سواء في الجزيرة أو غير الجزيرة عن طريق البر فإنهم سوف يكونون عرضه
لمطاردة قريش أو القبائل الموالية لها والمتحالفة معها.
لقد كانت الحبشة متجراً من متاجر قريش التى يتجرون فيها لذلك حرص الرسول صلى الله عليه وسلم بتوجيه أصحابه إليها لعلمهم يجدون فيها رزقا , وخاصة أن معظم المهاجرين كانوا من الفقراء.
لقد كانت الحبشة متجراً من متاجر قريش التى يتجرون فيها لذلك حرص الرسول صلى الله عليه وسلم بتوجيه أصحابه إليها لعلمهم يجدون فيها رزقا , وخاصة أن معظم المهاجرين كانوا من الفقراء.
2. الرغبة في حرية ممارسة العبادة, وكانت أرض الحبشة تحظى بالحرية الدينية.
وبالفعل مارس المسلمون فيها كل العبادات المفروضة عليهم بدون أي مضايقه وبدون أي
استهزاء.
3. خوف الرسول صلى الله عليه وسلم عليهم من الفتنة والارتداد عن دين الله وخاصة أنهم
كانوا حديثي عهد بالإسلام.
4. لعل الرسول صلى الله عليه وسلم كان يسعى
للحصول على مساعدة حربيه من ملك الحبشة تعينهم عل مقاومة كفار قريش,
أو على الأقل يضمن لهم الحماية من اعتداء المشركين عليهم.
5. محاولة لفت الأنظار لما يلاقيه المسلمون من
عذاب بسبب اعتناقهم للإسلام , وخاصة خارج الجزيرة
العربية , وهذا بدوره أيضا يساعد على اشتهار أمر الإسلام.
ب - مراحل الهجرة إلى الحبشة:
1. الهجرة الأولى الى الحبشة:
بعد ما أصدر الرسول صلى الله عليه وسلم أمره إلى أصحابه بالهجرة إلى أرض الحبشة أخذوا يتجهزون فمنهم من هاجر بنفسه , ومنهم من هاجر بنفسه وأهله.
ومن هؤلاء : عثمان بن عفان, وامرأته رقية بنت الرسول صلى الله عليه وسلم, وأبو حذيفة بن عتبه بن ربيعه, وامرأته سهله بنت سهيل, والزبير بن العوام, ومصعب بن عمير بن عبد شمس, وأبو سبره بن أبي راهم, وسهيل بن بيضاء , وعبد الله بن مسعود , وعامر بن ربيعة العنزي , وامرأته ليلى بنت أبي خيثمة.
بعد ما أصدر الرسول صلى الله عليه وسلم أمره إلى أصحابه بالهجرة إلى أرض الحبشة أخذوا يتجهزون فمنهم من هاجر بنفسه , ومنهم من هاجر بنفسه وأهله.
ومن هؤلاء : عثمان بن عفان, وامرأته رقية بنت الرسول صلى الله عليه وسلم, وأبو حذيفة بن عتبه بن ربيعه, وامرأته سهله بنت سهيل, والزبير بن العوام, ومصعب بن عمير بن عبد شمس, وأبو سبره بن أبي راهم, وسهيل بن بيضاء , وعبد الله بن مسعود , وعامر بن ربيعة العنزي , وامرأته ليلى بنت أبي خيثمة.
فهؤلاء الأحد عشر رجلاً وامرأة كانوا أول من هاجر إلى الحبشة خرجوا سرا
متسللين , حتى انتهوا إلى الشعيبه منهم الراكب والماشي , ثم أبحروا إلى الحبشة في
السنة الخامسة من بعثته صلى الله عليه وسلم, وخرجت قريش في آثارهم حتى جاءوا البحر,
حيث ركبوا فلم يدركوا منهم أحداً.
جهود المشركين في إرجاع
المسلمين من الحبشة:
ما أن علم المشركون بمكان المهاجرين من المسلمين , حتى أخذوا يتآمرون عليهم يريدون إرجاعهم فاتفقوا فيما بينهم أن يرسلوا إلى النجاشي ليخرجهم من بلاده , فبعثوا عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعه وحملوهما بالهدايا لملك الحبشة يريدون إغراءه, ولما وصل هذين الرجلين طلبا من النجاشي أن يعيد المهاجرين إلى بلادهم بعدما قالوا عنهم أنهم سفهاء, وأن لا يكلمهم في أمرهم , فقال النجاشي : لا لعمرو الله , لا أردهم عليكم حتى أدعوهم فأكلمهم وأنظر في أمرهم, قوم لجأوا إلى بلادي واختاروا جواري على جوار غيري فإن كانوا كما يقولون رددتهم عليكم, وإن كانوا على غير ذلك منعتهم ولم أدخل بينهم. فطلبهم النجاشي ثم أخذ يتحاور معهم ويسألهم عن الدين الجديد وعن الرسول صلى الله عليه وسلم, ثم سألهم عن القرآن وهل يحفظون منه شيئاً, ثم قام أحدهم فتلى عليه صدراً من (كهيعص) فبكى النجاشي حتى اخضلت لحيته, وبكى أساقفته فقال النجاشي: إن هذا الكلام ليخرج من المشكاة التى جاء بها عيسى, انطلقوا راشدين, لا والله لا أردهم عليكم ولا أنعمكم عينا.
وهكذا لم ينجح المشركون من إعادة المسلمين إلى مكة بل رجعوا على أعقابهم خاسرين.
- رجوع المهاجرين إلى مكة :
حينما كان المسلمون المهاجرون في الحبشة نمى اليهم علم مفاده أن قريش سجدت مع النبي صلى الله عليه وسلم , ولم يتحققوا من ذلك الأمر , ولما وصلوا إلى مكة , وجدوا أن قريشاً مازالت على الكفر وعلى الأذية للرسول صلى الله عليه وسلم , بل إنهم زادوا في ذلك التعذيب وفي تلك الأذية , حينها اضطر المهاجرون أن يدخل كل واحد منهم بحوار رجل من قريش حتى لا يؤذيهم أحد .
ما أن علم المشركون بمكان المهاجرين من المسلمين , حتى أخذوا يتآمرون عليهم يريدون إرجاعهم فاتفقوا فيما بينهم أن يرسلوا إلى النجاشي ليخرجهم من بلاده , فبعثوا عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعه وحملوهما بالهدايا لملك الحبشة يريدون إغراءه, ولما وصل هذين الرجلين طلبا من النجاشي أن يعيد المهاجرين إلى بلادهم بعدما قالوا عنهم أنهم سفهاء, وأن لا يكلمهم في أمرهم , فقال النجاشي : لا لعمرو الله , لا أردهم عليكم حتى أدعوهم فأكلمهم وأنظر في أمرهم, قوم لجأوا إلى بلادي واختاروا جواري على جوار غيري فإن كانوا كما يقولون رددتهم عليكم, وإن كانوا على غير ذلك منعتهم ولم أدخل بينهم. فطلبهم النجاشي ثم أخذ يتحاور معهم ويسألهم عن الدين الجديد وعن الرسول صلى الله عليه وسلم, ثم سألهم عن القرآن وهل يحفظون منه شيئاً, ثم قام أحدهم فتلى عليه صدراً من (كهيعص) فبكى النجاشي حتى اخضلت لحيته, وبكى أساقفته فقال النجاشي: إن هذا الكلام ليخرج من المشكاة التى جاء بها عيسى, انطلقوا راشدين, لا والله لا أردهم عليكم ولا أنعمكم عينا.
وهكذا لم ينجح المشركون من إعادة المسلمين إلى مكة بل رجعوا على أعقابهم خاسرين.
- رجوع المهاجرين إلى مكة :
حينما كان المسلمون المهاجرون في الحبشة نمى اليهم علم مفاده أن قريش سجدت مع النبي صلى الله عليه وسلم , ولم يتحققوا من ذلك الأمر , ولما وصلوا إلى مكة , وجدوا أن قريشاً مازالت على الكفر وعلى الأذية للرسول صلى الله عليه وسلم , بل إنهم زادوا في ذلك التعذيب وفي تلك الأذية , حينها اضطر المهاجرون أن يدخل كل واحد منهم بحوار رجل من قريش حتى لا يؤذيهم أحد .
2. الهجرة الثانية إلى الحبشة:
روى ابن سعد عن الواقدي أنه قال: لما قدم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم, مكة بعد الهجرة الأولى فإن قومهم اشتدوا عليهم وسطت بهم عشائرهم ولقوا منهم أذى شديدا فأذن لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم, بالخروج إلى الحبشة ثانية وكان خروجهم في المرة الثانية إلى الحبشة أعظم مشقة, ولقوا من قريش تعنيفا شديدا ونالوهم بالأذى فقال عثمان رضي الله عنه: يا رسول الله هاجرنا الهجرة الأولى ولست معنا وهذه الثانية إلى النجاشي ولست معنا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنتم مهاجرون إلى الله وإلى رسوله, ولكم هاتين الهجرتين جميعا, قال عثمان : فحسبنا هذا يا رسول الله.
وكان عدد من خرج في هذه الهجره من الرجال ثلاثة وثمانين رجلا ومن النساء احدى عشرة إمرأة قرشية وسبع غرائب , فأقام المهاجرون بأرض الحبشة عند النجاشي في أحسن جوار, ولما علموا بهجرة النبي صلى الله عليه وسلم الى لمدينة فإن ثلاثاً وثلاثين رجلاً رجعوا إلى مكة والمدينة وثماني نسوة, وفي سنه 7 هـ وفي يوم فتح خيبر رجع باقي المهاجرين إلى المدينة, بعد أن كتب النبى صلى الله علية وسلم خطاباً الى النجاشي يدعوه فيه الى الإسلام, فأسلم ثم أمره بأن يرجع المهاجرين الى المدينة وأن يزودهم بكل ما يحتاجونه من زاد ورواحل. ففعل ذلك النجاشي وقال: لو قدرت أن آتيه يعنى النبى صلى الله عليه وسلم لآتيته.
روى ابن سعد عن الواقدي أنه قال: لما قدم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم, مكة بعد الهجرة الأولى فإن قومهم اشتدوا عليهم وسطت بهم عشائرهم ولقوا منهم أذى شديدا فأذن لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم, بالخروج إلى الحبشة ثانية وكان خروجهم في المرة الثانية إلى الحبشة أعظم مشقة, ولقوا من قريش تعنيفا شديدا ونالوهم بالأذى فقال عثمان رضي الله عنه: يا رسول الله هاجرنا الهجرة الأولى ولست معنا وهذه الثانية إلى النجاشي ولست معنا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنتم مهاجرون إلى الله وإلى رسوله, ولكم هاتين الهجرتين جميعا, قال عثمان : فحسبنا هذا يا رسول الله.
وكان عدد من خرج في هذه الهجره من الرجال ثلاثة وثمانين رجلا ومن النساء احدى عشرة إمرأة قرشية وسبع غرائب , فأقام المهاجرون بأرض الحبشة عند النجاشي في أحسن جوار, ولما علموا بهجرة النبي صلى الله عليه وسلم الى لمدينة فإن ثلاثاً وثلاثين رجلاً رجعوا إلى مكة والمدينة وثماني نسوة, وفي سنه 7 هـ وفي يوم فتح خيبر رجع باقي المهاجرين إلى المدينة, بعد أن كتب النبى صلى الله علية وسلم خطاباً الى النجاشي يدعوه فيه الى الإسلام, فأسلم ثم أمره بأن يرجع المهاجرين الى المدينة وأن يزودهم بكل ما يحتاجونه من زاد ورواحل. ففعل ذلك النجاشي وقال: لو قدرت أن آتيه يعنى النبى صلى الله عليه وسلم لآتيته.
النتائج التى ترتبت على
هجرة المسلمين إلى الحبشة:
هناك نتائج عديدة ترتبت على هجرة المسلمين إلى الحبشة ومعظم هذه النتائج ايجابيه وكانت في صالح المسلمين ونستطيع أن نوجزها في الاتي :
هناك نتائج عديدة ترتبت على هجرة المسلمين إلى الحبشة ومعظم هذه النتائج ايجابيه وكانت في صالح المسلمين ونستطيع أن نوجزها في الاتي :
§
استراحة المسلمين من العذاب والتنكيل الذي
لحق بهم من مشركي قريش.
§
الحرية في ممارسة شعائر العبادة المفروضة عليهم كمسلمين
من الله, فكانوا يمارسون العبادة بدون مضايقة من أحد.
§
أتيحت لهم الفرصة لممارسة بعض الأعمال
التجارية, وخاصة أن الحبشة كما ذكرنا كانت من المراكز التجارية
لقريش , فاستغل المسلمون هذه الفرصة فمارسوا التجارة واستفادوا استفادة كبيرة
منها.
§
إن وجودهم في الحبشة أتاح لهم فرصة الدعوة إلى الله وتبليغ
الرسالة السماوية التى جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم , وكان لهذا الأمر أثاراً إيجابيه
حيث دخل أناس من الأحباش في الإسلام بما فيهم ملكهم النجاشي.
§
أن الهجرة كانت بمثابة الاعلان عن الدين
الجديد سواء في الحبشة أو خارجها , فاشتهر أمر المسلمين وأمر
الإسلام.
§
أن الهجرة إلى الحبشة أعطت بعض كفار قريش فرصة لكي يراجعوا
حساباتهم ومواقفهم تجاه الدين الجديد. فاقتنع بعضهم بالإسلام فدخل فيه وأصر بعضهم على
الكفر.
ثانيا : إسلام عمر بن الخطاب
رضي الله عنه:
تذكر الروايات أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه , أسلم بعد الهجرة الأولى إلى الحبشة وبالتحديد في ذي الحجة من سنة ست من النبوة .
سبب إسلامه
تقول الروايات أن عمر بن الخطاب , كان خارجاً في يوم من الأيام متوشحاً سيفه , كان يريد القضاء على رسول الله , فلقيه نعيم بن عبد الله فقال له : أين تريد يا عمر ؟ قال : أريد أن أقتل محمدا , ثم قال له : أفلا أدلك على العجب يا عمر : إن أختك وختنك قد صبئا , وتركا دينك الذي أنت عليه , فكر عمر راجعاً .
يريد أخته وزوجها فلما وصل إلى باب المنزل سمع صوت خباب بن الأرت يعلمهما القرآن, ثم دخل عليهم فلما أحس خباب بعمر اختبأ في المنزل, فسألهما عمر عن هذا الذي سمعه, فأخبراه بأنهما أسلما فضرب زوج أخته ثم ضرب أخته فشجها في وجهها, ثم لم يلبث عمر أن ندم لما رأى الدم على وجه أخته فقال: أعطوني هذا الكتاب الذي عندكم فقالت له أخته إنك نجس و انه لا يمسه إلا المطهرون, فقام واغتسل ثم أخذ الكتاب, فقرأ ”بسم الله الرحمن الرحيم“ فقال أسماء طيبة طاهرة, ثم قرأ ”طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى“ حتى انتهى إلى قوله تعالى ”إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري“ فقال ما أحسن هذا الكلام وأكرمه, دلوني على محمد. ثم ذهب إلى النبى صلى الله عليه وسلم فأعلن إسلامه وكان النبى صلى الله عليه وسلم قد دعا له فقال:
”اللهم أعز الإسلام بأحد العمرين ” يعني عمر بن الخطاب وأبو جهل عمرو بن هشام, ففرح به النبي صلى الله عليه وسلم وفرح أصحابه بإسلام عمر.
وكان لإسلام حمزة وعمر رضى الله عنهما أطيب الأثر في نفوس المسلمين لما لهذين الرجلين من مكانة وشجاعة يقول ابن مسعود رضى الله عنه: (ما كنا نقدر أن نصلي عند الكعبة حتى أسلم عمر) وعن صهيب الرومي رضي الله عنه قال: لما أسلم عمر ظهر الإسلام, ودعي إليه علانية, وجلسنا حول البيت حلقاً, وطفنا بالبيت, وانتصفنا ممن غلظ علينا ورددنا عليه بعض ما يأتي به.
ثالثا: مقاطعة بني هاشم وبنى عبد المطلب :
عندما أيقنت قريش انها قد هزمت فى محاولتها استرداد المهاجرين إلى الحبشة, وأن الإسلام أخذ ينتشر بين القبائل, فضلاً عن إسلام عمر بن الخطاب الذي عزز جانب المسلمين في صراعهم ضد الوثنية, حينها عقدت قريش اجتماعا في مطلع السنة السابعة من بعثة النبي صلى الله عليه وسلم, يدعوا إلى مقاطعة بني هاشم وبني عبد المطلب -الذين كان أبو طالب قد دعاهم إلى ما هو فيه من منع الرسول صلى الله عليه وسلم دون قريش- وكل من يساندهم وينتمي اليهم مسلمين ومشركين, وأن تكون هذه المقاطعة شاملة لكافة المعاملات والعلاقات الاجتماعيه والمالية.
وكانت قريش قد توعدت بمقتل النبى صلى الله علية وسلم. سراً أو علانية فعمد أبو طالب إلى الشعب بابن أخيه وبنى هاشم وبنى المطلب, وكان أمرهم واحداً, وقال: نموت من عند آخرنا قبل أن يوصل إلى رسول الله. وخرج أبو لهب إلى قريش فظاهرهم على بني المطلب, ودخل الشعب من كان من هؤلاء مؤمناً أو كافرا.
كتبت قريش صحيفة بالمقاطعة وتعاهدت على تنفيذ بنودها وعلقتها في جوف الكعبة توكيداً على أنفسهم وقد جاء فيها ”باسمك اللهم, على هاشم وبنى المطلب, على ألا ينكحوا إليهم ولا ينكحوهم, ولا يبيعوهم شيئاً ولا يبتاعوا منهم ولا يعاملوهم حتى يدفعوا إليهم محمداً فيقتلوه“.
استمرت المقاطعة سنتين وعدة أشهر , كان لا يصل للمسلمين خلالها شيء إلا سرا, يحمله إليهم مستخفياً من أراد مساعدتهم من قريش بدافع من عصبيه أو نخوة أو عطف. ولاقى المسلمون ومن بينهم الرسول صلى الله عليه وسلم خلال ذلك آلا ماً قاسية من الجوع والخوف والعزلة والحرب النفسية .
انتهاء الحصار :
طالت أيام الحصار واشتد الأذى بالمنقطعين في شعب أبي طالب, ولم يكن لأحد من قريش أن يزوجهم أو يتزوج منهم, ولا أن يبيعهم أو يبتاع منهم فعصرهم الجوع عصراً حتى مات منهم قوما, حينها بدأ بعض رجالات قريش وشبابها يتذمرون للظلم الصارخ الذي نزل ببني هاشم وبني المطلب, فسعوا إلى وقف القطيعة, وتمزيق الصحيفة الغادرة, وكان على رأس هؤلاء هشام بن عمرو, وزهير بن أبي أميه, والمطعم بن عدي, وأبو البختري بن هشام, وزمعه بن الأسود بن المطلب.
فتواعد هؤلاء الخمسة على تمزيق الصحيفة, وفي الصباح أقبل زهير وأعلن أمام الناس بأنهم سوف يمزقون الصحيفة, فاعترض عليه أبو جهل إلا أن الخمسة أجمعوا على تمزيقها, فقام المطعم إليها فمزقها, ثم لبس ورفاقه السلاح واتجهوا إلى الشعب وأمروا بني هاشم وبني المطلب بالخروج إلى مساكنهم ففعلوا. وفي رواية أخرى أنهم لما جاءوا يريدون تمزيق الصحيفة وجدوا أن الأرضة أكلتها ولم يبق منها إلا ”بسمك اللهم“.
تذكر الروايات أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه , أسلم بعد الهجرة الأولى إلى الحبشة وبالتحديد في ذي الحجة من سنة ست من النبوة .
سبب إسلامه
تقول الروايات أن عمر بن الخطاب , كان خارجاً في يوم من الأيام متوشحاً سيفه , كان يريد القضاء على رسول الله , فلقيه نعيم بن عبد الله فقال له : أين تريد يا عمر ؟ قال : أريد أن أقتل محمدا , ثم قال له : أفلا أدلك على العجب يا عمر : إن أختك وختنك قد صبئا , وتركا دينك الذي أنت عليه , فكر عمر راجعاً .
يريد أخته وزوجها فلما وصل إلى باب المنزل سمع صوت خباب بن الأرت يعلمهما القرآن, ثم دخل عليهم فلما أحس خباب بعمر اختبأ في المنزل, فسألهما عمر عن هذا الذي سمعه, فأخبراه بأنهما أسلما فضرب زوج أخته ثم ضرب أخته فشجها في وجهها, ثم لم يلبث عمر أن ندم لما رأى الدم على وجه أخته فقال: أعطوني هذا الكتاب الذي عندكم فقالت له أخته إنك نجس و انه لا يمسه إلا المطهرون, فقام واغتسل ثم أخذ الكتاب, فقرأ ”بسم الله الرحمن الرحيم“ فقال أسماء طيبة طاهرة, ثم قرأ ”طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى“ حتى انتهى إلى قوله تعالى ”إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري“ فقال ما أحسن هذا الكلام وأكرمه, دلوني على محمد. ثم ذهب إلى النبى صلى الله عليه وسلم فأعلن إسلامه وكان النبى صلى الله عليه وسلم قد دعا له فقال:
”اللهم أعز الإسلام بأحد العمرين ” يعني عمر بن الخطاب وأبو جهل عمرو بن هشام, ففرح به النبي صلى الله عليه وسلم وفرح أصحابه بإسلام عمر.
وكان لإسلام حمزة وعمر رضى الله عنهما أطيب الأثر في نفوس المسلمين لما لهذين الرجلين من مكانة وشجاعة يقول ابن مسعود رضى الله عنه: (ما كنا نقدر أن نصلي عند الكعبة حتى أسلم عمر) وعن صهيب الرومي رضي الله عنه قال: لما أسلم عمر ظهر الإسلام, ودعي إليه علانية, وجلسنا حول البيت حلقاً, وطفنا بالبيت, وانتصفنا ممن غلظ علينا ورددنا عليه بعض ما يأتي به.
ثالثا: مقاطعة بني هاشم وبنى عبد المطلب :
عندما أيقنت قريش انها قد هزمت فى محاولتها استرداد المهاجرين إلى الحبشة, وأن الإسلام أخذ ينتشر بين القبائل, فضلاً عن إسلام عمر بن الخطاب الذي عزز جانب المسلمين في صراعهم ضد الوثنية, حينها عقدت قريش اجتماعا في مطلع السنة السابعة من بعثة النبي صلى الله عليه وسلم, يدعوا إلى مقاطعة بني هاشم وبني عبد المطلب -الذين كان أبو طالب قد دعاهم إلى ما هو فيه من منع الرسول صلى الله عليه وسلم دون قريش- وكل من يساندهم وينتمي اليهم مسلمين ومشركين, وأن تكون هذه المقاطعة شاملة لكافة المعاملات والعلاقات الاجتماعيه والمالية.
وكانت قريش قد توعدت بمقتل النبى صلى الله علية وسلم. سراً أو علانية فعمد أبو طالب إلى الشعب بابن أخيه وبنى هاشم وبنى المطلب, وكان أمرهم واحداً, وقال: نموت من عند آخرنا قبل أن يوصل إلى رسول الله. وخرج أبو لهب إلى قريش فظاهرهم على بني المطلب, ودخل الشعب من كان من هؤلاء مؤمناً أو كافرا.
كتبت قريش صحيفة بالمقاطعة وتعاهدت على تنفيذ بنودها وعلقتها في جوف الكعبة توكيداً على أنفسهم وقد جاء فيها ”باسمك اللهم, على هاشم وبنى المطلب, على ألا ينكحوا إليهم ولا ينكحوهم, ولا يبيعوهم شيئاً ولا يبتاعوا منهم ولا يعاملوهم حتى يدفعوا إليهم محمداً فيقتلوه“.
استمرت المقاطعة سنتين وعدة أشهر , كان لا يصل للمسلمين خلالها شيء إلا سرا, يحمله إليهم مستخفياً من أراد مساعدتهم من قريش بدافع من عصبيه أو نخوة أو عطف. ولاقى المسلمون ومن بينهم الرسول صلى الله عليه وسلم خلال ذلك آلا ماً قاسية من الجوع والخوف والعزلة والحرب النفسية .
انتهاء الحصار :
طالت أيام الحصار واشتد الأذى بالمنقطعين في شعب أبي طالب, ولم يكن لأحد من قريش أن يزوجهم أو يتزوج منهم, ولا أن يبيعهم أو يبتاع منهم فعصرهم الجوع عصراً حتى مات منهم قوما, حينها بدأ بعض رجالات قريش وشبابها يتذمرون للظلم الصارخ الذي نزل ببني هاشم وبني المطلب, فسعوا إلى وقف القطيعة, وتمزيق الصحيفة الغادرة, وكان على رأس هؤلاء هشام بن عمرو, وزهير بن أبي أميه, والمطعم بن عدي, وأبو البختري بن هشام, وزمعه بن الأسود بن المطلب.
فتواعد هؤلاء الخمسة على تمزيق الصحيفة, وفي الصباح أقبل زهير وأعلن أمام الناس بأنهم سوف يمزقون الصحيفة, فاعترض عليه أبو جهل إلا أن الخمسة أجمعوا على تمزيقها, فقام المطعم إليها فمزقها, ثم لبس ورفاقه السلاح واتجهوا إلى الشعب وأمروا بني هاشم وبني المطلب بالخروج إلى مساكنهم ففعلوا. وفي رواية أخرى أنهم لما جاءوا يريدون تمزيق الصحيفة وجدوا أن الأرضة أكلتها ولم يبق منها إلا ”بسمك اللهم“.
رابعا : وفاة أبي طالب وخديجة (عام الحزن ) :
- وفاة أبي طالب :
في سنة عشر من النبوه, وبعد الخروج بستة أشهر من الشعب , مات أبو طالب وفي أغلب الروايات أنه مات على الكفر بالرغم من محاولة النبي صلى الله علية وسلم وإلحاحه عليه أن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله, إلا أنه امتنع. فحزن النبى صلى الله عليه وسلم لوفاة عمة أبو طالب حزنا شديدا , لأنه كان بمثابة والده بل أكثر من ذلك.
- وفاة خديجة رضي الله عنها :
وبعد وفاة أبي طالب بنحو شهرين أو ثلاثة توفيت أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها, ولها خمس وستون سنه, فزاد حزن النبى صلى الله عليه وسلم عليها, وكانت خديجة من نعم الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم, بقيت معه ربع قرن تحن عليه ساعة قلقه وتؤازره في أحرج أوقاته, يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” آمنت بي حين كفر بي الناس, وصدقتني حين كذبني الناس, وأشركتني في مالها حين حرمني الناس, ورزقني الله ولدها, وحرمت ولد غيرها“.
خامسا : قصة الإسراء والمعراج :
زمن وقوعها :
هناك خلاف كبير بين تحديد زمن وقوع حادثة الإسراء والمعراج, والراجح أن هذه الحادثه وقعت في الفترة مابين وفاة خديجة رضى الله عنها والهجرة إلى المدينة المنورة , أي في الفترة من 50-53 من عمر النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد روى أئمة الحديث هذه الحادثة , فهي صحيحة وثابتة بالكتاب والسنة ولا مجال للتشكيك فيها.
وخلاصتها : أن النبي صلى الله عليه وسلم حينما كان نائماً بالقرب من الكعبة وبالقرب من حجر إسماعيل أتاه جبريل فأيقظه من النوم ثم أخذه بيده ثم أركبه على البراق ثم أسرى به من المسجد الحرام الى بيت المقدس بصحبة جبريل, فنزل هناك فصلى بالأنبياء إماماً وربط البراق بحلقة باب المسجد.
ثم عرج به من بيت المقدس الى السماء الدنيا ومنها إلى السماوات السبع وقد رأى أثناء المعراج آدم عليه السلام ويحيى بن زكريا وعيسى بن مريم ويوسف وإدريس وهارون بن عمران وموسى بن عمران وإبراهيم عليهم السلام.
ثم رفع إلى سدرة المنتهى , ثم رفع إلى البيت المعمور, ثم عرج به إلى الجبار جل جلاله, فدنا منه حتى كان قاب قوسين أو أدنى ؟ ثم فرض الله عز وجل عليه خمسين صلاة , فطلب النبي صلى الله عليه وسلم تخفيفها حتى أصبحت خمس صلوات في اليوم والليلة .
كما رأى أموراً أخرى , ولما أصبح أخبر قومه بما رآه من آيات الله الكبرى فصدقة من صدقة وكذبه من كذبه.
سادساً: سعي الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ثقيف يطلب النصرة :
لما مات أبو طالب نالت قريش من رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأذى ما لم تنل منه في حياة عمه أبو طالب, فخرج رسول الله صلى الله علية وسلم الى الطائف يريد النصرة من ثقيف, والمنعة بهم من قومه, ورجاء أن يقبلوا منه ما جاءهم به من الله عز وجل فخرج إليهم وحده.
وكان ذلك في شوال سنة عشر من النبوة, سارها ماشياً على قدميه يئة وذهاباً. ولما قدم على الطائف عرض نفسه على رؤساء ثقيف إلا أنهم سخروا منه, ثم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالطائف عشرة أيام لا يدع أحدا من أشرافهم إلا جاءه وكلمه, فقالوا أخرج من بلادنا وأغروا به سفهاءهم, فلما أراد الخروج تبعه سفهاؤهم وعبيدهم يسبونه ويصيحون به حتى اجتمع عليه الناس, فجعلوا يرمونه بالحجارة حتى سال الدم من رجليه عليه الصلاة والسلام, فلجأ إلى حائط لعتبه وشيبه ابنا ربيعه وهما فيه, فعمد إلى ظل شجرة من العنب فجلس فيه , وابنا ربيعه ينظران إليه, ويريان ما لقي من سفهاء أهل الطائف ثم دعا ربه الدعاء المشهور ”اللهم إليك أشكو ضعف قوتي , وقلة حيلتي , وهواني على الناس, يا أرحم الراحمين, أنت رب المستضعفين, وأنت ربي, إلى من تكلني, إلى بعيد يتجهمني أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي, ولكن عافيتك هي أوسع لي, أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات, وصلح عليه أمر الدنيا والآخره, من أن تنزل بي غضبك, أو يحل علي سخطك, لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك “.
فلما رآه شيبة وعتبه ابنا ربيعة وما لقي , تحركت له رحمهما , فدعوا غلاماً لهما نصرانياً يقال له ”عداس“ فقالا له : خذ قطفاً من هذا العنب فضعه في هذا الطبق ثم اذهب به إلى ذلك الرجل فقل له يأكل منه. ففعل عداس, ثم أقبل به حتى وضعه بين يدي رسول الله ثم قال له كل. فلما وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده فيه قال: باسم الله, ثم أكل فنظر عداس إليه فقال له : والله إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلاد, فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ومن أي البلاد أنت وما دينك, قال: نصراني, وأنا رجل من أهل نينوى فقال رسول الله: من قرية الرجل الصالح يونس بن متى , فقال له عداس وما يدريك ما يونس بن متى ؟ قال رسول الله: ذاك أخي كان نبياً وأنا بني, فأكب عداس على رسول الله يقبل رأسه ويديه وقدميه .
إلا أنه حينما رجع إلى أبناء ربيعه ورأوه يقبل رأس النبي صلى الله علية وسلم فإنهما وبخاه وقالا له: إن دينك خير من دينه.
عرض
الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه على القبائل
واستعداد
المسلمين للهجرة إلى المدينة
أولاً: عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه على القبائل:
قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة بعد ما لقي من زعماء ثقيف وأهل الطائف ما لقي، ورأى أن قومه لم يتغيروا وظلوا على ماهم عليه من خلافه وفراق دينه. الا قليلاً ممن آمن به، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه في المواسم على قبائل العرب، يدعوهم الى الله، ويخبرهم أنه نبي مرسل، ويسألهم أن يصدقوه ويمنعوه حتى يبين لهم عن الله ما بعثه به.
ولما أراد الله عز وجل إظهار دينه وإعزاز نبيه، وإنجاز موعده له خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في الموسم الذي لقيه فيه النفر من الأنصار، فعرض نفسه على قبائل العرب، كما كان يصنع في كل موسم، فبينا هو عند العقبة لقي رهطاً من الخزرج أراد الله بهم خيرا.
ولما لقيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم: من أنتم؟ قالوا نفراً من الخزرج. قال: أمن موالي يهود؟ قالوا: نعم. قال: أفلا تجلسون أكلمكم؟ قالوا :بلى. فجلسوا معه فدعاهم إلى الله عزوجل وعرض عليهم الإسلام، وتلا عليهم القرآن.
فلما سمعوا من الرسول صلى الله عليه وسلم ما سمعوا، قال بعضهم لبعض تعلموا والله إنه للنبي الذي يتوعدنا به اليهود، فلا يسبقونا إليه. فأجابوه فيما دعاهم إليه بأن صدقوه وقبلوا منه ما عرض عليهم من الاسلام، وقالوا: إنا قد تركنا قومنا وبينهم ما بينهم من العداوة والشر، فعسى أن يجمعهم الله بك، فسنقدم عليهم وندعوهم إلى أمرك، ونعرض عليهم الذي أجبناك إليه من هذا الدين، فإن يجمعهم الله عليك فلا رجل أعز منك .
ثم انصرفوا عن رسول الله صلى صلى الله عليه وسلم راجعين إلى بلادهم وقد آمنوا وصدقوا. (و يقال بأنهم كانوا ستة نفر من الخزرج) ولما قدموا المدينة إلى قومهم ذكروا لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودعوهم إلى الإسلام حتى فشا فيهم، فلم تبق دار من دور الأنصار إلاّ وفيها ذكر من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثانياً: بيعه العقبة الأولى:
ولما جاء العام المقبل , وبالتحديد في سنه 12 من البعثة , فإنه قدم إلى الكعبة اثنا عشر رجلاً فيهم خمسة من الستة الذين كانوا قد اتصلوا برسول الله صلى الله عليه وسلم .
منهم : معاذ بن الحاث, وذكوان بن عبد القيس, وعبادة بن الصامت, ويزيد بن ثعلبة , والعباس بن عباده , وأبو الهيثم بن التيهان , وعويم بن ساعده.
ولما وصلوا إلى مكة اتصلوا برسول الله صلى الله عليه وسلم عند العقبة بمنى , فبايعوه على أن لا يشركوا بالله شيئا , ولا يسرقون , ولا يزنون , ولا يقتلوا أولادهم , ولا يأتون ببهتان يفتروه من بين أيديهم وأرجلهم , ولا يعصونه في معروف.
ولما انصرف عنه القوم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف, وأمره أن يقرئهم القرآن , ويعلمهم الإسلام ويفقههم في الدين فكان المقرئ بالمدينة.
ثالثاً: بيعة العقبة الثانية :
وفي موسم الحج من السنة الثالثة عشرة من البعثة, حضر لأداء مناسك الحج بضع وسبعون نفساً من المسلمين من أهل يثرب, جاءوا ضمن حجاج قومهم من المشركين, وقد تساءل هؤلاء المسلمون فيما بينهم - وهم لا يزالوا في يثرب أو كانوا في الطريق- حتى متى نترك رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف ويطرد في جبال مكة ؟
فلما قدموا مكة جرت بينـهم وبين النبي صلى الله علية وسلم اتصـالات سرية أدت إلى اتفاق الفريقين على أن يجتمعوا في أوسط أيام التشريق في الشعب الذي عند العقبة حيث الجمرة الأولى من منى, وأن يتم هذا الاجتماع في سرية تامة في ظلام الليل .
يقول كعب بن مالك الأنصاري رضي الله عنه: ”خرجنا إلى الحج, وواعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعقبة من أوسط أيام التشريق, وكانت الليلة التى واعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لها. معنا عبد الله بن عمرو بن حرام سيد من ساداتنا, وشريف من أشرافنا, أخذناه معنا- وكنا نكتم من معنا من قومنا من المشركين أمرنا- فكلمناه وقلنا له: يا أبا جابرإنك سيد من سادتنا وشريف من أشرافنا, وإنا نرغب بك عما أنت فيه أن تكون حطباً للنار غداً, ثم دعوناه إلى الإسلام وأخبرناه بميعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم إيانا في العقبة. قال: فأسلم وشهد معنا العقبة وكان نقيباً.“ قال كعب: ”فنمنا تلك الليلة مع قومنا في رحالنا, حتى إذا مضى ثلث الليل خرجنا من رحالنا لميعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم نتسلل تسلل القطا مستخفين, حتى اجتمعنا في الشعب عند العقبة, ونحن ثلاثة وسبعون رجلاً وامرأتان من نسائنا, نسيبة بنت كعب (أم عمارة), وأسماء بنت عمرو (أم منيع ) .
فاجتمعنا في الشعب ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم, حتى جاءنا ومعه عمه العباس بن عبد المطلب -وهو يومئذ على دين قومه- إلا أنه أحب أن يحضر أمر ابن أخيه, ليتوثق له وكان أول متكلم.
فتكلم العباس فقال: ”يا معشر الخزرج إن محمداً منا حيث قد علمتم, وقد منعناه من قومنا ممن هو على مثل رأينا فيه, فهو في عز من قومه, ومنعة في بلده, وإنه قد أبا إلا الانحياز لكم واللحاق بكم, فإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه, وما نعوه ممن خالفه فأنتم وما تحملتم من ذلك, وإن كنتم ترون أنكم مسلموه وخاذلوه بعد الخروج به إليكم فمن الآن فدعوه, فإنه في عز ومنعة من قومه وبلده“.
الرسول صلى الله عليه وسلم يتكلم :
ثم تكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلا القرآن , ودعا إلى الله ورغب في الإسلام , ثم قال: أبا يعكم على أن تمنعوني ما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم .
فأخذ البراء بن معرورة بيده ثم قال : نعم والذي بعثك بالحق نبياً لنمنعك مما نمنع منه أزرنا , فبايعنا رسول الله , فنحن والله أبناء الحروب , وأهل الحلقة ورثناها كابراً عن كابر.
ثم قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : أخرجوا إلي منكم اثني عشر نقيباً ليكونوا على قومهم بما فيهم, فأخرجوا منهم اثني عشر نقيباً , تسعة من الخزرج , وثلاثة من الأوس.
فتمت البيعة ولما علم المشركون بذلك وخاصة بعد نفور الناس من منى , فإذا هم يتبعون أهل المدينة أصحاب البيعة , فتمكنوا من الإمساك بسعد بن عبادة في مكان قريب من مكة, فربطوه وضربوه وأدخلوه في مكة , إلا أنه استجار بأحد أفراد قريش فأجاره لأنه كان يجيره إذا أتى المدينة .
شروط بيعة العقبة الأخيرة :
لقد بايع النبي صلى الله عليه وسلم الأوس والخزرج في العقبة الأخيرة على حرب الأحمر والأسود, يقول عبادة بن الصامت : بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة الحرب على السمع والطاعة في عسرنا ويسرنا ومنشطنا ومكرهنا وأثرة علينا وألا ننازع الأمر أهله وأن نقول بالحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم .
رابعاً : نزول الأمر بالقتال :
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بيعة العقبة لم يؤذن له في الحرب والقتال , إنما كان يؤمر بالدعاء إلى الله والصبر على الأذى, والصفح عن الجاهل . وكانت قريش قد اضطهدت من اتبعه من المهاجرين حتى فتنوهم عن دينهم , ونفوهم من بلادهم , فهم من بين مفتون في دينه. ومن بين معذب في أيديهم, وبين هارب في البلاد فراراً منهم, ولما عتت قريش عن أمر ربها, وكذبت نبيه عليه الصلاة والسلام, فان الله عزوجل أذن لرسوله صلى الله عليه وسلم في القتال والانتصار ممن ظلمهم وبغى عليهم, فكانت أول آية نزلت في الإذن له بالحرب وإحلال الدماء والقتال , هي قول الله عز وجل: ( أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير ) .
فأحل الله لهم القتال لأنهم ظلموا, ولم يكن لهم ذنب فيما بينهم وبين الناس وإنهم إذا ظهروا أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر.
ثم أنزل الله تبارك وتعالى عليه: ( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنه ويكون الدين لله ) أي لا يفتن مؤمن عن دينه, وحتى يعبد الله لا يعبد معه غيره.
خامساً:هجرة المسلمين إلى المدينة:
إن أول من هاجر إلى المدينة من أصحاب الرسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من قريش وهو من بني مخزوم واسمه أبو سلمه بن عبد الأسد, هاجر الى المدينة قبل بيعة أصحاب العقبة بسنة.
ثم تبعه عامر بن ربيعه, ومعه امرأته ليلى بنت أبي خيثمة, ثم عبد لله بن جحش ومعه أهله وأخيه عبد بن جحش وكان ضريراً , ثم خرج عمر بن الخطاب, وعياش بن أبي ربيعة المخزومي, حتى قدما المدينة, ثم تتابع المهاجرون.
سادساً: مؤامرة قريش في مواجهة الهجرة إلى المدينة:
لما رأى المشركون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تجهزوا وخرجوا, وساقوا معهم الذراري والأطفال والأموال إلى الأوس والخزرج , فإنها وقعت فيهم ضجة أثارت القلاقل والأحزان , وأخذ القلق يساورهم بشكل لم يسبق له مثيل , وعرفوا مدى خطورة الهجرة عليهم وعلى حياتهم السياسية والإقتصادية والإجتماعية .
فصاروا يبحثون عن أنجح الوسائل لدفع هذا الخطر , الذي مبعثه الوحيد كما يزعمون هو محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام. ففي شهر صفر من السنة الرابعة عشرة من النبوة أي بعد شهرين ونصف من بيعة العقبة , عقد أهل مكة مؤتمراً في (دار الندوة) في أوائل النهار, فتوافد إلى هذا الاجتماع جميع نواب القبائل القرشية, ليتدارسوا خطة حاسمة تكفل القضاء سريعاً على حامل لواء الدعوة الإسلامية , وتقطع تيار نورها عن الوجود نهائياً.
وكان من أهم الوجوه البارزين في هذا الاجتماع الخطير من نواب قبائل قريش هم:
1. أبو جهل عمرو بن هشام, عن بنى مخزوم.
2. جبير بن مطعم وطعيمة بن عدي والحارث بن عامر, عن بنى نوفل بن عبد
مناف.
3. شيبة وعتبة ابنا ربيعة وأبو سفيان بن حرب, عن بنى عبد شمس بن عبد
مناف.
4. النضر بن الحارث, عن بنى عبد الدار.
5. أبو البختري بن هشام وزمعة بن الأسود وحكيم
بن حزام, عن بنى أسد بن عبد العزى.
6. نبيه ومنبه ابنا الحجاج, عن بني سهم.
7. أمية بن خلف, عن بنى جمح.
ولما جاءوا إلى دار الندوة
حسب الميعاد اعترضهم ابليس في هيئة شيخ جليل , ووقف
على الباب فقالوا : من الشيخ ؟ قال : شيخ من أهل نجد سمع بالذي تواعدتم له , فحضر معكم ليسمع ما
تقولون وعسى أن لا يعدمكم منه رأياً ونصحاً. قالوا : أجل فادخل , فدخل معهم. وبعد أن تكامل الاجتماع بدأ عرض الاقتراحات والحلول , ودار النقاش طويلاً. قال أبو الأسود : نخرجه من بين أظهرنا وننفيه من بلادنا , ولا نبالي أين ذهب.
فقال الشيخ النجدي: لا والله ما هذا لكم برأي , ألم تروا حسن حديثه, وحلاوة منطقه, وغلبته على قلوب الرجال بما يأتى به؟ ولو فعلتم ذلك ما أمنتم أن يحل على حي من العرب, ثم يسير بهم إليكم بعد أن يتابعوه ثم يفعل بكم ما أراد دبروا فيه رأياً غير هذا.
قال أبو البحتري: احبسوه في الحديد, وأغلقوا عليه باباً ثم تربصوا به ما أصاب أمثاله من الشعراء الذين كانوا قبله, حتى يصيبه ما أصابهم (يعني الموت ) .
قال الشيخ النجدي : لا وما هذا لكم برأي, فلئن حبستموه كما تقولون ليخرجن أمره من وراء الباب الذي أغلقتم دونه إلى أصحابه , فلأوشكوا أن يثبوا عليكم , فينزعوه من أيديكم , ثم يكاثروكم به , حتى يطلبوكم على أمركم. وما هذا لكم برأي فانظروا غيره.
وبعد أن رفض المؤتمرون هذين الاقتراحين, فإن أبا جهل بن هشام قدّم إليهم اقتراحا ثالثاً وافق عليه جميع الحاضرين. وهو أن يؤخذ من كل قبيلة فتىً شاباً جلداً نسيباً وسيطاً, ثم نعطي كل فتى منهم سيفاً صارماً, ثم يعمدوا إليه فيضربوه, ضربة رجل واحد, فيقتلوه فنستريح منه, فإنهم إذا فعلوا ذلك تفرق دمه في القبائل جميعاً, فلم يقدر بنو عبد مناف على حرب قومهم جميعاً فرضوا منا بالعقل (أي الدية) فعقلناه لهم.
قال الشيخ النجدي: القول ما قال الرجل, هذا الرأي الذي لا أرى غيره, ووافق برلمان مكة على هذا الاقتراح الآثم بالإجماع, ورجع النواب إلى بيوتهم وقد صمموا على تنفيذ هذا القرار فوراً.
سابعاً: محاولة قتل النبي صلى الله عليه وسلم:
ذكرنا أن المؤتمرين في دار الندوة خرجوا بالإجماع على قتل النبي صلى الله عليه وسلم , وفي عتمة من الليل اجتمعوا على بابه يرصدونه حتى ينام فيثبون عليه , وكان جبريل عيه السلام قد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأمرهم, وأمره أن لا ينام في فراشه الذي كان يبيت عليه.
وبالفعل لم ينم النبي صلى الله عليه وسلم في فراشه وقال لعلي بن أبي طالب : نم على فراشي , وتسجّ ببردي هذا الحضرمي الأخضر , فنم فيه فإنه لن يخلص إليك شيء تكرهه منهم.
ولما اجتمعوا على بابه وفيهم أبو جهل بن هشام , فقال : إن محمداً يزعم إن تابعتموه كنتم ملوك العرب والعجم , ثم بعثتم من بعد موتكــم فجعلت لكــم جنان كجنان الأردن, وإن لم تفعلوا كان لكم منه ذبح, ثم بعثتم من بعد موتكم, ثم جعلت لكم نار تحرقون فيها .
وخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ حفنة من تراب في يده , ثم قال: أنا أقول ذلك وأنت أحدهم . وأخذ الله تعالى على أبصارهم فلا يرونه فجعل ينثر ذلك التراب على رؤوسهم وهو يتلو قول الله عز وجل: ” يس ,والقرآن الحكيم, إلى قوله تعالى: وجعلنا من بين أيديهم سدّاً ومن خلفهم سدّاً فأغشيناهم فهم لا يبصرون“ ولم يفرغ النبي صلى الله عليه وسلم من تلاوة هذه الآيات حتى لم يبق منهم رجل إلا وقد وضع النبي صلى الله عليه وسلم على رأسه تراباً, ثم انصرف إلى حيث أراد أن يذهب.
فأتاهم آت ممن لم يكن معهم فقال : ما تنتظرون هاهنا ؟ قالوا : محمداً. قال: خيبكم الله قد والله خرج عليكم محمداً , ثم ما ترك منكم رجلاً إلا وقد وضع على رأسه تراباً وانطلق لحاجته , أفما ترون ما بكم ؟ فوضع كل رجل منهم يده على رأسه فإذا عليه تراب , ثم جعلوا يتطلعون فإذاهم يرون علياً على الفراش متسجياً ببرد النبي صلى الله عليه وسلم فيقولون والله ان هذا لمحمد نائماً عليه بردة. فلم يبرحوا كذلك حتى أصبحوا . فقام علي رضي الله عنه عن الفراش فقالوا : والله لقد صدقنا الذي حدثنا.
هجرة
الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة وقيام الدولة الإسلامية في المدينة
أولاً : هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة :
غادر النبي صلى الله عليه وسلم بيته في ليلة 27 من شهر صفر سنة 14 من النبوة ، واتجه إلى دار أبي بكر الصديق ، وأخبره عن تآمر قريش ضده ، وأخبره بأن الله قد أذن له بالهجرة ، فقال له أبو بكر : الصحبة يا رسول الله ، فخرج الاثنان من خوخة لأبي بكر في ظهر بيته ، ثم عمد إلى غار بجبل ثور بأسفل مكة فدخلاه، وأمر أبو بكر ابنه عبد الله أن يتسمع لهما ما يقول الناس في نهار ذلك اليوم ، ثم يأتيهما إذا أمسى بما يكون في ذلك اليوم من الخبر ، وأمر عامر بن فهيرة أن يرعى غنمه نهاراً ثم يأتيهما إذا أمسى في الغار ، كذلك كانت أسماء بنت أبي بكر تأتيهما من الطعام إذا أمست بما يصلحهما .
فجلسا في الغار ثلاث ليالِ ، وكان عبد الله بن أبي بكر يبيت عندهما ، وإذا قرب السحر نزل إلى مكة وتسمع الأخبار ثم إذا جاء الليل رجع إلى الغار فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر بما يسمع ويرى من كفار قريش .
أما قريش فقد جن جنونها حينما تأكد لديها إفلات النبي صلى الله عليه وسلم ، فضربوا علياً وسحبوه إلى الكعبة ، ثم حبسوه ، بغرض معرفة مكان النبي صلى الله عليه وسلم إلا أنهم فشلوا في ذلك .
ثم اتجهوا إلى منزل أبي بكر الصديق ، فلم يجدوا إلا أسماء ، فسألوها عن أبيها فقالت لا أدري ؟ فرفع أبو جهل يده فلطم خدها لطمة طرح منها قرطها.
ثم بعد ذلك اجتمعوا فقرروا أن يجعلوا مكافأة ضخمة قدرها مائة من الإبل لمن يجد النبي صلى الله عليه وسلم و أبو بكر حيين أو ميتين . كذلك انتشروا في جميع منافذ مكة وجعلوها تحت المراقبة المسلحة الشديدة ، وقد وصل المطاردون إلى باب الغار ، ولكن الله حفظهما من أولئك الطغاة.
ولما هدأت تلك المطاردات وذلك البحث المتواصل الذي استمر ثلاثة أيام، حينها قرر النبي عليه الصلاة والسلام الانطلاق إلى المدينة وكانا قد استأجرا عبدالله بن أريقط الليثي ، وكان دليلاً ماهراً بالطريق ، وكان على دين كفار قريش ، وسلما إليه راحلتيهما وواعداه في غار ثور بعد ثلاث ليال ، ولما كانت ليلة الاثنين غرة ربيع الأول سنة 1هـ جاءهما عبد الله بن أريقط ، وأتتهما أسماء بنت أبي بكر بسفرتهما ، ونسيت أن تجعل لها رباطاً فشقت نطاقها إلى اثنين ، فعلقت السفرة بواحد ، وتمنطقت بالآخر فسميت بذات النطاقين .
ثم ارتحل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر ومعهما عامر بن فهيره فأخذ بهم الدليل عبد الله بن أريقط على الساحل.
وفي أثناء الطريق تبعهما سراقه بن مالك ، بعد أن وصله خبر الطريق الذي ذهبا منه ، وحينما قرب منهما غاصت قدما فرسه في التراب فطلب الأمان ، ثم توجه إليهم مرة ثانية فغاصت قدما فرسه في التراب مرة أخرى، فطلب الأمان وكذلك فعل في المرة الثالثة . حينها عرف أن الله مانعهم منه ، فانطلق إلى رسول الله فحدثه أن قومه جعلوا فيه الدية وأنهم يبحثون عنهما أحياء أم أمواتا , فعرض عليهم بعض الزاد إلا أنهم رفضوه ، ولكنهم قالوا له : أخف عنا , ورجع سراقة فوجد الناس في الطلب ، فجعل يقول : قد استبرأت لكم الخبر ، قد كفيتم ما ههنا , فكان في أول النهار عدواً لهما، وآخره حارساً لهما .
ثانياً :- وصول الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة :
في اليوم الثاني عشر من ربيع الأول من السنة الأولى للهجرة، وصل الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبه إلى المدينة، حيث جرى لهما استقبال حافل من قبل أولئك الذين انتظروا رسولهم طويلاً، فخرج الأنصار بأسلحتهم يستقبلون الرسول صلى الله عليه وسلم، ومعهم الأطفال والنساء .
فأقام الرسول صلى الله عليه وسلم بقباء أربعة أيام : الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس ، وأسس فيها أول مسجد بني على التقوى، ثم بعد ذلك توجه إلى المدينة، وأدركته الجمعة في بني سالم بن عوف، فجمع بهم في المسجد الذي في بطن الوادي، وكانوا مائة رجل وبعد الجمعة دخل النبي صلى الله عليه وسلم المدينة, ومنذ ذلك اليوم سميت بلدة يثرب بمدينة الرسول صلى الله عليه وسلم.
ثم نزل النبي صلى الله عليه وسلم في دار أبي أيوب الأنصاري، حتى تم الانتهاء من بناء المسجد وغرف زوجاته. وبعد أيام وصلت إلية زوجته سوده، وبنتاه فاطمة وأم كلثوم ، وأسامة بن زيد، وأم أيمن، وخرج معهم عبد الله بن أبي بكر بعيال أبي بكر ومنهم عائشه. وبقيت زينب عند أبي العاص، لم يمكنها من الخروج حتى هاجرت بعد بدر.
1.
إذن
أول عمل قام به النبي صلى الله عليه وسلم حينما قدم إلى المدينة هو بناء
المسجد وهو النواة الأساسية لبناء الدولة .
2.
كتابة
الصحيفة:
كانت خطوة الرسول صلى الله عليه وسلم الثانية في المدينة هي إصدار وثيقة تنظم العلاقات بين المجتمع المسلم الجديد نفسه, وبينه وبين الكتل البشرية التي تعايشت في المدينة وبخاصة اليهود.
ونص الصحيفة يقوم على أساس أن المسلمين أمة واحدة من دون الناس، من حيث التراحم والتعاون، والاحتفاظ برابطة الولاء وما يترتب عليها من حقوق الموالاه. ثم من حيث مراعاة حقوق القرابة والصحبة والجوار ..... إلخ من أمور تنظيمية للمجتمع الإسلامي الجديد .
كانت خطوة الرسول صلى الله عليه وسلم الثانية في المدينة هي إصدار وثيقة تنظم العلاقات بين المجتمع المسلم الجديد نفسه, وبينه وبين الكتل البشرية التي تعايشت في المدينة وبخاصة اليهود.
ونص الصحيفة يقوم على أساس أن المسلمين أمة واحدة من دون الناس، من حيث التراحم والتعاون، والاحتفاظ برابطة الولاء وما يترتب عليها من حقوق الموالاه. ثم من حيث مراعاة حقوق القرابة والصحبة والجوار ..... إلخ من أمور تنظيمية للمجتمع الإسلامي الجديد .
3.
المؤاخاة :
وهي حل مؤقت للأزمة المعاشية التي نزلت على المهاجرين بعد مغادرتهم مكة ، نظمت علاقاتهم الاجتماعية بأخوانهم الأنصار. ريثما يستعيد المهاجرون مقدرتهم المالية ويتمكنوا من بلوغ مستوى الكفاية الاجتماعية ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ( تآخوا في الله أخوين أخوين ) وكان التآخي يشمل الإرث إلا أنه بعد موقعة بدر عاد التوارث إلى صورته الطبيعية فنزل قول الله تعالى : { وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله } .
وهي حل مؤقت للأزمة المعاشية التي نزلت على المهاجرين بعد مغادرتهم مكة ، نظمت علاقاتهم الاجتماعية بأخوانهم الأنصار. ريثما يستعيد المهاجرون مقدرتهم المالية ويتمكنوا من بلوغ مستوى الكفاية الاجتماعية ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ( تآخوا في الله أخوين أخوين ) وكان التآخي يشمل الإرث إلا أنه بعد موقعة بدر عاد التوارث إلى صورته الطبيعية فنزل قول الله تعالى : { وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله } .
4.
إعداد
الجيش :
ذكرنا في المحاضرة السابقة أنه بعد بيعة العقبة أذن الله لرسوله والمؤمنين معه في مقاتلة الكفار والمشركين، فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أخذ يعد العدة وراح يحث أصحابه على تعلم فنون القتال وتدريبهم على استعمال السلاح رافعاً شعاراً واضحاً هو قول الله عز وجل { وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم } .
وراح يحث الناس على الجهاد وعلى فضله سواء بالنفس أو المال ويورد لهم الآيات التي نزلت في فضل الجهاد .
وذلك لكي تتهيأ نفوسهم للقتال والجهاد في سبيل الله الذي لا محالة قادم .
ثالثاً : اعداد السرايا :
لما جاء المسلمون إلى المدينة أخذت الآيات التي تحث على القتال تترى على المسلمين ، تحثهم على قتال المشركين والصبر والثبات عند اللقاء .
وقد بدأ النبي صلى الله عليه وسلم فور تثبيت أسس دولته الجديدة في المدينة صراعاً مرحلياً ضد الوثنية بزعامة قريش، تمثل بشن حروب صغيرة متقطعة ضد القوافل والمواقع الوثنية.
ذكرنا في المحاضرة السابقة أنه بعد بيعة العقبة أذن الله لرسوله والمؤمنين معه في مقاتلة الكفار والمشركين، فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أخذ يعد العدة وراح يحث أصحابه على تعلم فنون القتال وتدريبهم على استعمال السلاح رافعاً شعاراً واضحاً هو قول الله عز وجل { وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم } .
وراح يحث الناس على الجهاد وعلى فضله سواء بالنفس أو المال ويورد لهم الآيات التي نزلت في فضل الجهاد .
وذلك لكي تتهيأ نفوسهم للقتال والجهاد في سبيل الله الذي لا محالة قادم .
ثالثاً : اعداد السرايا :
لما جاء المسلمون إلى المدينة أخذت الآيات التي تحث على القتال تترى على المسلمين ، تحثهم على قتال المشركين والصبر والثبات عند اللقاء .
وقد بدأ النبي صلى الله عليه وسلم فور تثبيت أسس دولته الجديدة في المدينة صراعاً مرحلياً ضد الوثنية بزعامة قريش، تمثل بشن حروب صغيرة متقطعة ضد القوافل والمواقع الوثنية.
أ-
أهداف السرايا :
1. إرباك قريش وحلفائها وأضعافهم وتحطيم
معنوياتهم وضرب نشاطهم التجاري الذي يمثل عصب حياتهم وشريان وجودهم .
2. الحصول على مورد للتموين والتسليح أعقاب الأزمة المالية التي حدثت بعد الهجرة .
3. إنذار أعداء الدولة الناشئة من غير قريش وحلفائها كاليهود في الداخل وجماعات البدو في
الخارج بأن المسليمن قادرون على الرد ومستعدون للتصدي لأي عدوان يستهدف
منجزاتهم التي حققوها طيلة أربعة عشر عاماً من الجهد والعناء .
4. أنها كانت بمثابة مناورات حية, كان المقاتل
المسلم يجس عن طريقها نبض أعدائه, ويختبر إمكاناتهم الحربية
، مادياً ومعنوياً ، ويمارس مزيداً من التدريب وتنمية قدراتة وطاقته على الصمود .
ب-
أهم السرايا :
كانت المجموعة الأولى من السرايا انطلقت منذ منتصف السنة الأولى للهجرة . انطلق حمزة رضي الله عنه في رمضان من تلك السنة على رأس ثلاثين رجلاً من المهاجرين ليعترض قافلة لقريش عند ساحل البحر، إلا أنه لم يحدث قتال لأن مجدي بن عمرو الجهني كان حليفاً للفريقين جميعاً، فحجز بينهم ولم يقتتلوا.
وفي شوال انطلق عبيده بن الحارث على رأس ستين رجلاً من المهاجرين يحمل أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالمسير إلى بطن ( رابغ ) فالتقوا بمائتين من المشركين يقودهم أبو سفيان فوقعت بين الطرفين مناوشات بالسهام دون أن يدخلا في اشتباك مباشر.
وفي ذي القعدة خرج سعد بن أبي وقاص في عشرين رجلاً مشياً على الأقدام فكانوا يكمنون نهاراً ويسيرون ليلاً، يريدون قافلة لقريش إلا أنهم لم يلحقوا عليها .
في صفر من السنة الثانية خرج الرسول صلى الله عليه وسلم بنفسه على رأس عدد من أصحابه مستهدفاً قريشاً وبنى ضمرة حتى بلغ ( ودّان) فوادعه بنو ضمرة ثم قفل عائداً إلى المدينة ولم يلق كيداً .
بعد أيام معدودات من غزوة العُشيرة، قام كرز بن جابر الفهري بغارة على مواشي المدينة و إبلها التي تسرح في أطرافها. فلاحقه الرسول بنفسه حتى بلغ وادي سفوان قريباً من بدر. وفاته كرز ولم يدركه فرجع إلى المدينة وسميت هذه المطاردة باسم بدر الأولى .
وفي شهر رجب من السنة الثانية للهجرة، أرسل النبي صلى الله عليه وسلم ثمانية مقاتلين من المهاجرين بقيادة عبدالله بن جحش الى وادي نخلة بين مكة والطائف, وأمرهم أن يترصدوا لقريش ويأتوا بأخبارها. ولما مرت بهم قافلة قريش هاجموها وقتلوا أحد أفرادها وهو عمرو بن الحضرمي وأسروا اثنين آخرين وقفلوا عائدين بالبضائع والأسيرين إلى المدينة. وحينما أبلغوا النبي صلى الله عليه وسلم تفاصيل الحادث قال: ما أمرتكم بالقتال في الأشهر الحرم ، وأوقف التصرف في الأموال والأسيرين وأبى أن يأخذ منها شيئاً . فاستغلت قريش هذا الموقف ضد المسلمين وراحوا يتحدثون عنهم بأنهم انتهكوا الشهر الحرام فقتلوا وسبوا....... وما إلى ذلك من أمور تشهيرية .
إلا أن الله عز وجل حسم الموقف فحكم في هذا الأمر بقولة تعالى : { يسألونك عن الشهر الحرام قتالِ فيه, قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به, و المسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله، والفتنة أكبر من القتل، ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا } .
فهي حكمت بأن ما عمله المشركون من إخراج المسلمين من مكة ، وصدهم عن المسجد الحرام أكبر من القتل
كانت المجموعة الأولى من السرايا انطلقت منذ منتصف السنة الأولى للهجرة . انطلق حمزة رضي الله عنه في رمضان من تلك السنة على رأس ثلاثين رجلاً من المهاجرين ليعترض قافلة لقريش عند ساحل البحر، إلا أنه لم يحدث قتال لأن مجدي بن عمرو الجهني كان حليفاً للفريقين جميعاً، فحجز بينهم ولم يقتتلوا.
وفي شوال انطلق عبيده بن الحارث على رأس ستين رجلاً من المهاجرين يحمل أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالمسير إلى بطن ( رابغ ) فالتقوا بمائتين من المشركين يقودهم أبو سفيان فوقعت بين الطرفين مناوشات بالسهام دون أن يدخلا في اشتباك مباشر.
وفي ذي القعدة خرج سعد بن أبي وقاص في عشرين رجلاً مشياً على الأقدام فكانوا يكمنون نهاراً ويسيرون ليلاً، يريدون قافلة لقريش إلا أنهم لم يلحقوا عليها .
في صفر من السنة الثانية خرج الرسول صلى الله عليه وسلم بنفسه على رأس عدد من أصحابه مستهدفاً قريشاً وبنى ضمرة حتى بلغ ( ودّان) فوادعه بنو ضمرة ثم قفل عائداً إلى المدينة ولم يلق كيداً .
بعد أيام معدودات من غزوة العُشيرة، قام كرز بن جابر الفهري بغارة على مواشي المدينة و إبلها التي تسرح في أطرافها. فلاحقه الرسول بنفسه حتى بلغ وادي سفوان قريباً من بدر. وفاته كرز ولم يدركه فرجع إلى المدينة وسميت هذه المطاردة باسم بدر الأولى .
وفي شهر رجب من السنة الثانية للهجرة، أرسل النبي صلى الله عليه وسلم ثمانية مقاتلين من المهاجرين بقيادة عبدالله بن جحش الى وادي نخلة بين مكة والطائف, وأمرهم أن يترصدوا لقريش ويأتوا بأخبارها. ولما مرت بهم قافلة قريش هاجموها وقتلوا أحد أفرادها وهو عمرو بن الحضرمي وأسروا اثنين آخرين وقفلوا عائدين بالبضائع والأسيرين إلى المدينة. وحينما أبلغوا النبي صلى الله عليه وسلم تفاصيل الحادث قال: ما أمرتكم بالقتال في الأشهر الحرم ، وأوقف التصرف في الأموال والأسيرين وأبى أن يأخذ منها شيئاً . فاستغلت قريش هذا الموقف ضد المسلمين وراحوا يتحدثون عنهم بأنهم انتهكوا الشهر الحرام فقتلوا وسبوا....... وما إلى ذلك من أمور تشهيرية .
إلا أن الله عز وجل حسم الموقف فحكم في هذا الأمر بقولة تعالى : { يسألونك عن الشهر الحرام قتالِ فيه, قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به, و المسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله، والفتنة أكبر من القتل، ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا } .
فهي حكمت بأن ما عمله المشركون من إخراج المسلمين من مكة ، وصدهم عن المسجد الحرام أكبر من القتل
أهم النتائج التي حققتها تلك السرايا
:
أ-
الاستطلاع : وهو أن المسلمين استطاعوا أن يتعرفوا على الطرق المحيطة
بالمدينة والمؤدية إلى مكة, خاصة الطرق التجارية الحيوية لقريش
بين مكة والشام، كما استطاعوا التعرف على قبائل المنطقة وموادعة بعضها .
ب-
القدرة
على القتال : لقد أثبت المسلمون أنهم أقوياء ويستطيعون الدفاع عن
أنفسهم وعقيدتهم تجاه المشركين من قريش والقبائل المجاورة وأهل المدينة وكذلك
اليهود، فأراد المسلمون من ذلك أن تترك الحرية الكاملة لهم لنشر دعوتهم دون تدخل من
أعدائهم .
ج-
تحالف
المسلمين مع بعض القبائل
المجاورة : وهذا التحالف لم يحدث إلا بعد إرسال السرايا
لتلك القبائل المجاورة.
د-
الكتمان : وقد استخدام الرسول صلى الله عليه وسلم أسلوب الرسائل المكتوبة للمحافظة على
الكتمان وحرمان العدو من الحصول على المعلومات التي تفيده عن تحركات المسلمين.
فرض الحصار الاقتصادي: لقد هدد المسلمون أهم
الطرق التجارية بين مكة والشام، فأصبحت قوافل قريش غير آمنة حينما تسلك هذا الطريق مما أثر أسوا
الأثر على تجارة قريش التي تعيش عليها, وهدد مكة بالحصار الاقتصادي لمحاولة حرمانها من سلوك طريق
مكة الشام بأمان.
أهم
غزوات النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم
أولاً :غزوة بدر الكبرى
أسباب المعركة :
لقد أشرنا في ذكر غزوة العشيرة, أن عيراً لقريش أفلتت من النبي صلى الله عليه وسلم في ذهابها من مكة إلى الشام، ولما قرب رجوعها
من الشام إلى مكة بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم طلحة بن عبيد الله, و سعيد بن زيد, إلى الشمال ليقوما باكتشاف
خبرها ، فوصلا إلى الحوراء ، ومكثا بها حتى مر بهما أبو سفيان بالعير، فأسرعا إلى المدينة وأخبرا رسول الله بالخبر, حينها قال النبي صلى الله عليه
وسلم لأصحابه : (هذه عير قريش، فيها أموالهم فاخرجوا إليها لعل الله ينفلكموها ) .
ثانيا : المعركة :
ونظراً إلى أن نداء الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن أمرا ملزماً بل كان ندباً , ونظراً إلى أن أحداً لم يكن يتوقع أن لقاءً مسلحاً حاسماً سوف يتمحض من التحدي الجديد هذا ، فقد خرج بعض المسلمين برفقه النبي صلى الله عليه وسلم ولم يأخذوا أهبتهم الكاملة من السلاح وغيره.
وما أن سمع أبو سفيان بنبأ التحرك لمجابهة قافلته حتى أرسل إلى مكة على جناح السرعة ضمضم بن عمرو الغفاري , وأمره أن يأتي قريشاً فيستنفرهم إلى أموالهم, ويخبرهم أن محمداً قد تعرض لها في الطريق , وما إن وصل ضمضم إلى مكة حتى جدع بعيره ، وحول رحله ، وشق قميصه وراح يصرخ :
يا معشر قريش : اللطيمة , اللطيمة . أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها محمد في أصحابه لا أرى أن تدركوها ، الغوث الغوث . وسرعان ما استجاب الناس لندائه ، فتجمعوا عند الكعبة 950 مقاتل تصطحبهم مائة فرس , ولم يتخلف من أشرافهم أحد عدا أبو لهب الذي يبدو أن مرضه وكبره أقعده عن اللحاق بالمستنفرين.
أما أبو سفيان فإنه استطاع أن يفلت من قبضة المسلمين بإسراعه وتجنبه الطريق الداخلي صوب الساحل , وما أن اطمأن على قافلته حتى أرسل إلى رفاقه في مكة إنكم إنما خرجتم لتمنعوا عيركم وأموالكم ورجالكم فقد نجاها الله فارجعوا. إلاّ أن أبا جهل بن هشام أصر على الخروج والنزول في بدر (حيث كان للعرب هناك سوق يجتمعون فيه ثلاثة أيام من كل عام ) وقال :
" نذهب إلى بدر وننحر الجزر ونطعم الطعام ونسقي الخمر وتعزف علينا القيان وتسمع بنا العرب وبمسيرنا وجمعنا فلا يزالون يهابوننا أبداً بعدها ".
أما المسلمين : -
فإن الرسول صلى الله عليه وسلم انطلق بأصحابه البالغ عددهم ثلاثمائة وأربعة عشر رجلاً ( 314 رجلاً )مستخلفاً على المدينة أبا لبابه ومقيماً عليها (عمرو بن أم مكتوم) إماماً على الصلاة بالناس ، ودفع اللواء الأبيض إلى مصعب بن عمير الداعية الشاب ، وأما الرايتان السوداوتان فقد حمل علي احداهما, أما الأخرى فقد حملها بعض الأنصار. وكان بحوزة المسلمين 70 بعيراً وخيلين فقط.
وحينما وصلوا قريباً من بدر أرسل النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه يتحسسون خبر القافلة ، فتمكنوا من إلقاء القبض على رجلين من قريش معتقدين أنهما من أتباع أبي سفيان. إلا أنهما أكدا انتماءهما للجيش القرشي الذي يعسكر قريباً من المسلمين تحجبهم بعض التلال والكثبان ، فسألهما الرسول عن الجيش فقالا: هو بالقرب من العدوة القصوى.
ثم سألهم عن عددهم ؟ فقالا : لا ندري فسألهم كم تنحرون ؟ قالا : يوماً تسعاً ويوماً عشراً. فقال النبي صلى الله عليه وسلم القوم بين التسعمائة والألف، ثم سألهما : فمن منها من أشراف قريش ؟ فعدا عليه جملة من قادة قريش منهم : عتبة وشيبة أبناء ربيعة ، وأبو جهل عمرو بن هشام وأخيه أبي بن خلف وسهيل بن عمرو وعمرو بن عبد ود غيرهم.
ثم أقبل النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه فقال: هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها.
ثم استشـار أصحابه في قتالهم فالجميع أشاروا عليه بقتالهم بالرغم من قلة عدد المسلمين وعتادهم. فسُرّ النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال لأصحابه: سيروا و أبشروا فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم.
خريطة توضيحية لموقعة بدر
ثانيا : المعركة :
ونظراً إلى أن نداء الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن أمرا ملزماً بل كان ندباً , ونظراً إلى أن أحداً لم يكن يتوقع أن لقاءً مسلحاً حاسماً سوف يتمحض من التحدي الجديد هذا ، فقد خرج بعض المسلمين برفقه النبي صلى الله عليه وسلم ولم يأخذوا أهبتهم الكاملة من السلاح وغيره.
وما أن سمع أبو سفيان بنبأ التحرك لمجابهة قافلته حتى أرسل إلى مكة على جناح السرعة ضمضم بن عمرو الغفاري , وأمره أن يأتي قريشاً فيستنفرهم إلى أموالهم, ويخبرهم أن محمداً قد تعرض لها في الطريق , وما إن وصل ضمضم إلى مكة حتى جدع بعيره ، وحول رحله ، وشق قميصه وراح يصرخ :
يا معشر قريش : اللطيمة , اللطيمة . أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها محمد في أصحابه لا أرى أن تدركوها ، الغوث الغوث . وسرعان ما استجاب الناس لندائه ، فتجمعوا عند الكعبة 950 مقاتل تصطحبهم مائة فرس , ولم يتخلف من أشرافهم أحد عدا أبو لهب الذي يبدو أن مرضه وكبره أقعده عن اللحاق بالمستنفرين.
أما أبو سفيان فإنه استطاع أن يفلت من قبضة المسلمين بإسراعه وتجنبه الطريق الداخلي صوب الساحل , وما أن اطمأن على قافلته حتى أرسل إلى رفاقه في مكة إنكم إنما خرجتم لتمنعوا عيركم وأموالكم ورجالكم فقد نجاها الله فارجعوا. إلاّ أن أبا جهل بن هشام أصر على الخروج والنزول في بدر (حيث كان للعرب هناك سوق يجتمعون فيه ثلاثة أيام من كل عام ) وقال :
" نذهب إلى بدر وننحر الجزر ونطعم الطعام ونسقي الخمر وتعزف علينا القيان وتسمع بنا العرب وبمسيرنا وجمعنا فلا يزالون يهابوننا أبداً بعدها ".
أما المسلمين : -
فإن الرسول صلى الله عليه وسلم انطلق بأصحابه البالغ عددهم ثلاثمائة وأربعة عشر رجلاً ( 314 رجلاً )مستخلفاً على المدينة أبا لبابه ومقيماً عليها (عمرو بن أم مكتوم) إماماً على الصلاة بالناس ، ودفع اللواء الأبيض إلى مصعب بن عمير الداعية الشاب ، وأما الرايتان السوداوتان فقد حمل علي احداهما, أما الأخرى فقد حملها بعض الأنصار. وكان بحوزة المسلمين 70 بعيراً وخيلين فقط.
وحينما وصلوا قريباً من بدر أرسل النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه يتحسسون خبر القافلة ، فتمكنوا من إلقاء القبض على رجلين من قريش معتقدين أنهما من أتباع أبي سفيان. إلا أنهما أكدا انتماءهما للجيش القرشي الذي يعسكر قريباً من المسلمين تحجبهم بعض التلال والكثبان ، فسألهما الرسول عن الجيش فقالا: هو بالقرب من العدوة القصوى.
ثم سألهم عن عددهم ؟ فقالا : لا ندري فسألهم كم تنحرون ؟ قالا : يوماً تسعاً ويوماً عشراً. فقال النبي صلى الله عليه وسلم القوم بين التسعمائة والألف، ثم سألهما : فمن منها من أشراف قريش ؟ فعدا عليه جملة من قادة قريش منهم : عتبة وشيبة أبناء ربيعة ، وأبو جهل عمرو بن هشام وأخيه أبي بن خلف وسهيل بن عمرو وعمرو بن عبد ود غيرهم.
ثم أقبل النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه فقال: هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها.
ثم استشـار أصحابه في قتالهم فالجميع أشاروا عليه بقتالهم بالرغم من قلة عدد المسلمين وعتادهم. فسُرّ النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال لأصحابه: سيروا و أبشروا فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم.
خريطة توضيحية لموقعة بدر
بداية المعركة :
وفي صبيحة يوم الجمعة السابع عشر من رمضان، التقى الجيشان وحدثت مناوشات بين الفريقين ومبارزات فردية كان النصر فيها حليفاً للمسلمين. وقد استفزت هذه البداية كلا المعسكرين فزحفا نحو بعضهما وأصدر الرسول أوامره إلى أصحابه ألا يهاجموا حتى يأذن لهم وأن يبعدوا مهاجميهم القرشيين بالنبال، وسوى صفوفهم، ورجع إلى العريش الذي أقامه بمشورة بن سعد بن معاذ وراح يناشد ربه ما وعده من النصر ويقول: ( اللهم إن تهلك هذه العصابة اليوم لا تعبد ، اللهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم أبداً ) وما لبث الرسول صلى الله عليه وسلم أن التفت فجأة وقال والبشر يكسو وجهه : ( أبشر يا أبا بكر، أتاك نصر الله, هذا جبريل آخذاً بعنان فرسه يقوده على ثنايا النقع ) .
وانطلق الرسول يحض أصحابه على القتال، ثم انطلق بنفسه عليه الصلاة والسلام يجالد الكفار بنفسه ويتقدم الصفوف، ثم ما لبث أن أخذ حفنة من الحصباء واستقبل قريشاً بها وصاح : شاهت الوجوه وضربها بوجوههم ونادى أصحابه شدوا، فحمل المسلمون حملة صادقة ورغبة عميقة في الاستشهاد ، وراحوا يحصدون صناديد قريش ويأسرون أبطالها، ثم ما لبثت الهزيمة أن حلت بالمشركين الذين فروا من ساحة القتال لا يلوون على شيء مخلفين وراءهم سبعين قتيلاً و مثلهم من الأسرى.
ومن أبرز الذين قتلوا من المشركين: أبو جهل ، وعتبة وشيبة ابنا ربيعة , وأمية بن خلف ، أما خسائر المسلمين فقد بلغت أربعة عشر شهيداً ستة من المهاجرين وثمانية من الأنصار, والتمس الرسول صلى الله عليه وسلم رأس أبي جهل فجاءه بها عبد الله بن مسعود, فحمد الله ثم أمر أن يطرح قتلى المشركين في قليب قريب. ثم بعد ذلك رجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ثم وزع الغنائم والأسرى على المسلمين ، ثم ما لبثت قريش أن بعثت في فداء الأسرى ففدى كل أسير بين الألف والأربعة آلاف درهم , ومن لم يكن منهم يملك شيئاً منّ عليه الرسول صلى الله عليه وسلم بالعتق.
هكذا انتهت الحرب وبقي السؤال المهم وهو: ما هي الأسباب الحقيقة وراء انتصار القلة على الكثرة ؟
من الممكن أن نجيب على السؤال بما يلي: -
من المؤكد أن السبب الرئيس وراء انتصارهم هو توفيق الله عز وجل بعد أن بذلوا ما في وسعهم في الأخذ بالأسباب التي تؤدي إلى الانتصار ( فتحقق بذلك ناموس الكون الذي يؤكد انتصار الحق على الباطل ), وتأتي بعده الأسباب المساعدة التي بذلت في تحقيق ذلك النصر ومن الممكن ايجازها فيما يلي:
وفي صبيحة يوم الجمعة السابع عشر من رمضان، التقى الجيشان وحدثت مناوشات بين الفريقين ومبارزات فردية كان النصر فيها حليفاً للمسلمين. وقد استفزت هذه البداية كلا المعسكرين فزحفا نحو بعضهما وأصدر الرسول أوامره إلى أصحابه ألا يهاجموا حتى يأذن لهم وأن يبعدوا مهاجميهم القرشيين بالنبال، وسوى صفوفهم، ورجع إلى العريش الذي أقامه بمشورة بن سعد بن معاذ وراح يناشد ربه ما وعده من النصر ويقول: ( اللهم إن تهلك هذه العصابة اليوم لا تعبد ، اللهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم أبداً ) وما لبث الرسول صلى الله عليه وسلم أن التفت فجأة وقال والبشر يكسو وجهه : ( أبشر يا أبا بكر، أتاك نصر الله, هذا جبريل آخذاً بعنان فرسه يقوده على ثنايا النقع ) .
وانطلق الرسول يحض أصحابه على القتال، ثم انطلق بنفسه عليه الصلاة والسلام يجالد الكفار بنفسه ويتقدم الصفوف، ثم ما لبث أن أخذ حفنة من الحصباء واستقبل قريشاً بها وصاح : شاهت الوجوه وضربها بوجوههم ونادى أصحابه شدوا، فحمل المسلمون حملة صادقة ورغبة عميقة في الاستشهاد ، وراحوا يحصدون صناديد قريش ويأسرون أبطالها، ثم ما لبثت الهزيمة أن حلت بالمشركين الذين فروا من ساحة القتال لا يلوون على شيء مخلفين وراءهم سبعين قتيلاً و مثلهم من الأسرى.
ومن أبرز الذين قتلوا من المشركين: أبو جهل ، وعتبة وشيبة ابنا ربيعة , وأمية بن خلف ، أما خسائر المسلمين فقد بلغت أربعة عشر شهيداً ستة من المهاجرين وثمانية من الأنصار, والتمس الرسول صلى الله عليه وسلم رأس أبي جهل فجاءه بها عبد الله بن مسعود, فحمد الله ثم أمر أن يطرح قتلى المشركين في قليب قريب. ثم بعد ذلك رجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ثم وزع الغنائم والأسرى على المسلمين ، ثم ما لبثت قريش أن بعثت في فداء الأسرى ففدى كل أسير بين الألف والأربعة آلاف درهم , ومن لم يكن منهم يملك شيئاً منّ عليه الرسول صلى الله عليه وسلم بالعتق.
هكذا انتهت الحرب وبقي السؤال المهم وهو: ما هي الأسباب الحقيقة وراء انتصار القلة على الكثرة ؟
من الممكن أن نجيب على السؤال بما يلي: -
من المؤكد أن السبب الرئيس وراء انتصارهم هو توفيق الله عز وجل بعد أن بذلوا ما في وسعهم في الأخذ بالأسباب التي تؤدي إلى الانتصار ( فتحقق بذلك ناموس الكون الذي يؤكد انتصار الحق على الباطل ), وتأتي بعده الأسباب المساعدة التي بذلت في تحقيق ذلك النصر ومن الممكن ايجازها فيما يلي:
1. القيادة الموحدة: -
كان الرسول صلى الله عليه وسلم هو القائد العام للمسلمين في معركة بدر وكان المسلمون يعملون كيد واحده تحت قيادته, يوجههم في الوقت الحاسم للقيام بعمل حاسم، وقد انضبط المسلمون في تنفيذ أوامر قائدهم، فكانوا مثالاً رائعاً للضبط الحقيقي الذي هو أساس متين للبنية المثالية.
كان الرسول صلى الله عليه وسلم هو القائد العام للمسلمين في معركة بدر وكان المسلمون يعملون كيد واحده تحت قيادته, يوجههم في الوقت الحاسم للقيام بعمل حاسم، وقد انضبط المسلمون في تنفيذ أوامر قائدهم، فكانوا مثالاً رائعاً للضبط الحقيقي الذي هو أساس متين للبنية المثالية.
ونتج عن هذه القيادة الآتي :
§
انضباط الأعصاب .
§
الشجاعة النادرة في المواقف.
§
المساواة بين القائد والجنود.
§
الاستشارة في كل عمل حاسم.
2. التعبئة الجيدة :
طبق الرسول صلى الله عليه وسلم في (مسير الاقتراب) من المدينة إلى بدر تشكيله لا تختلف بتاتاً عن التعبئة الحديثة في حرب الصحراء، فكان لهم مقدمة وقسم أكبر ومؤخرة. واستفاد من دوريات الاستطلاع للحصول على المعلومات ( وهذا هو الأسلوب الأمثل في حرب الصحراء حتى الوقت الحاضر ) أما في المعركة فقد قاتل المسلمون بأسلوب الصفوف بينما قاتل المشركون بأسلوب الكر والفر وهو أسلوب قديم لا يلائم الأوضاع المستجدة.
طبق الرسول صلى الله عليه وسلم في (مسير الاقتراب) من المدينة إلى بدر تشكيله لا تختلف بتاتاً عن التعبئة الحديثة في حرب الصحراء، فكان لهم مقدمة وقسم أكبر ومؤخرة. واستفاد من دوريات الاستطلاع للحصول على المعلومات ( وهذا هو الأسلوب الأمثل في حرب الصحراء حتى الوقت الحاضر ) أما في المعركة فقد قاتل المسلمون بأسلوب الصفوف بينما قاتل المشركون بأسلوب الكر والفر وهو أسلوب قديم لا يلائم الأوضاع المستجدة.
3. العقيدة الراسخة :
وقد رأينا ذلك في جواب المهاجرين والأنصار حينما استشارهم الرسول صلى الله عليه وسلم في قتال قريش، وقد كان للمسلمين أهداف معينة يعرفونها ويؤمنون بها وهي أن تترك الحرية الكاملة لهم لبث دعوتهم حتى تكون كلمة الله هي العليا. أما أهداف قريش من حربها فما هي إلا أن تنحر الجُزُر ويطعم الطعام وتشرب الخمور وتعزف القيان وتسمع العرب بمسيرها ( وشتان بين الهدفين الهدف السامي النبيل, والهدف الدنيء والحقير ) .
وقد رأينا ذلك في جواب المهاجرين والأنصار حينما استشارهم الرسول صلى الله عليه وسلم في قتال قريش، وقد كان للمسلمين أهداف معينة يعرفونها ويؤمنون بها وهي أن تترك الحرية الكاملة لهم لبث دعوتهم حتى تكون كلمة الله هي العليا. أما أهداف قريش من حربها فما هي إلا أن تنحر الجُزُر ويطعم الطعام وتشرب الخمور وتعزف القيان وتسمع العرب بمسيرها ( وشتان بين الهدفين الهدف السامي النبيل, والهدف الدنيء والحقير ) .
4. المعنويات العالية :
شجع الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه قبل القتال وقوى معنوياتهم حتى لا يكترثوا بتفوق قريش عليهم عدداً، ولم تكن معنويات الذين مارسوا الحرب وعرفوها من المسلمين عاليه فحسب إنما كانت معنويات الأحداث الصغار الذين لم يمارسوا حرباً ولا قتالاً عالية أيضاً، وقد أثبتت كافة الحروب في كافة أدوار التاريخ أن التسليح والتنظيم الجيدين والقوة العددية غير كافية لنيل النصر ما لم يتحل المقاتلون بالمعنويات العالية.
شجع الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه قبل القتال وقوى معنوياتهم حتى لا يكترثوا بتفوق قريش عليهم عدداً، ولم تكن معنويات الذين مارسوا الحرب وعرفوها من المسلمين عاليه فحسب إنما كانت معنويات الأحداث الصغار الذين لم يمارسوا حرباً ولا قتالاً عالية أيضاً، وقد أثبتت كافة الحروب في كافة أدوار التاريخ أن التسليح والتنظيم الجيدين والقوة العددية غير كافية لنيل النصر ما لم يتحل المقاتلون بالمعنويات العالية.
أهم نتائج المعركة :
أ-
التهديد الحقيقي لطرق مكة التجارية.
ب-
اضعاف هيبة مكة ونفوذها على العرب.
ج-
نماء قوة الإسلام وتعزيز دولته الجيدة في المدينة.
د-
انفساح المجال لنشر الدعوة.
ه-
ازدياد التضامن بين المهاجرين والأنصار.
ثانياً :غزوة أحـــد
أسبابها :
بعد الهزيمة النكراء التي لحقت بالمشركين في معركة بدر فإن قريش راحت تعد العدة لكي تثأر من المسلمين . وأقسم أبو سفيان ألا يمس رأسه ماء من جنابة حتى يغزو محمداً .
وقد اتفقت قريش على أن تقوم بحرب شامله ضد المسلمين , تشفي غيظها وتروي غليل حقدها ، وأخذت في الاستعداد للخوض في مثل هذه المعركة.
وكان عكرمة بن أبي جهل ، وصفوان بن أميه، وأبو سفيان بن حرب، وعبد الله بن أبي ربيعة أكثر زعماء قريش نشاطاً وتحمساً لخوض المعركة .
الاستعداد للمعركة :
إن أول ما فعله كفار قريش بهذا الصدد أنهم احتجزوا العير التى كان قد نجا بها أبو سفيان والتي كانت سبباً لمعركة بدر, فبيعت تلك العير بخمسين ألف دينار, والى ذلك أشار الله عز و جل بقوله ( إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون )
ثم استنفرت قريش كل قادر على حمل السلاح من أبنائها ، ودعت الأحابيش وحلفاءها من قبائل كنانة ، وأهل تهامة وثقيف للانضمام إليها فبلغوا ثلاثة آلاف رجل ومعهم سبعمائة درع ومائتا فرس وثلاثة آلاف بعير، واستدعيت النساء للخروج لكي يثرن الحمية في نفوس المقاتلين ويمنعهم من الفرار. وتولى القيادة أبو سفيان ، فسـار بهم طاوياً الصحــراء حتـى نزل قريباً من جبل أحـد شمـال المدينة. ولما وصل الأمر للمسلمين، أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بتشديد الحراسة على المدينة، وأرسل بعض أصحابة يتحسسون الأخبار ثم أمر أصحابة أن يظلوا في المدينة ويتركوا قريشاً حيث نزلت فإن أقاموا أقاموا بشر مقام ، وإن هم دخلوا قاتلوهم فيها.
وهذا هو رأي النبي صلى الله عليه وسلم ولكن بعض الصحابة رأوا غير ذلك وهو الخروج إلى الكفار ومحاربتهم فألحوا بذلك على الرسول صلى الله عليه وسلم ، فاستجاب لهم ثم غادر المدينة على رأس ألف مقاتل ، بعد أن وضع نساءها وصبيانها في الحصون والآطام حتى إذا قطعوا شوطاً من الطريق إلى أحد انسحب عبد الله بن أُبي بن أبي سلول بثلث الناس وقال مبرراً ذلك : أطاعهم وعصاني ، ما ندري علام نقتل أنفسنا هاهنا أيها الناس ؟.
خريطة توضيحية لغزوة أحد
بداية المعركة :
عسكر الرسول صلى الله عليه وسلم بأصحابه السبعمائة قريباً من أحد جاعلاً ظهورهم إليه وسوى صفوف المسلمين، وطلب منهم أن لا يقاتلوا حتى يأمرهم بذلك، واختار خمسين رجلاً وضعهم على الجبل وأمَّر عليهم عبد الله بن جبير وقال له انضح الخيل عنا بالنبال لا يأتونا من خلفنا، إن كانت لنا أو علينا. فاثبت لا نؤتين من قبلك. ولبس النبي صلى الله عليه وسلم درعين زيادة في الحيطة ودفع اللواء إلى مصعب بن عمير.
أما قريش فعبأت رجالها بمواجهة المسلمين وقسمت فرسانها الذين بلغوا مائتي رجل إلى قسمين، أحد هما في الميمنة، بقيادة خالد بن الوليد والآخر في الميسرة بقيادة عكرمـة بن أبــي جهل، وسلم اللواء إلـى بنـي عبد الدار وراح أبو سفيان
يحرضهم على القتال. التقى الطرفان في يوم السبت الموافق 15 شوال من السنة الثالثة للهجرة, وكان النصر في بداية المعركة حليفاً للمسلمين إلا أن الرماة خالفوا رأي النبي صلى الله عليه وسلم فنزلوا عن جبل الرماة وظنوا أن المعركة قد انتهت فنزلوا يريدون الغنائم، فاستغل خالد بن الوليد هذه الفرصة فالتف على المسلمين من جهة جبل الرماة فقتل من بقى من الخمسين على الجبل, ثم التقوا بالمسلمين وتراجع المسلمون وأشيع أن النبي صلى الله عليه وسلم قد مات, ولكنه لم يمت بل أصيب وكسرت رباعيته، دافع صلى الله عليه وسلم دفاع الأبطال وكذلك صحابته رضوان الله عليهم.
بعدها رأى النبي صلى الله عليه وسلم أن يتخذ من مكان قيادته مركزاً يتجمع المسلمون فيه ثانية لكي لا يتبعثروا وينفرد المشركون بهم ويحيلوا نصرهم إلى عملية إبادة شاملة, فاتجه صوب الشعب بصحبة أبو بكر وعمر وعلي وطلحة والزبير وجماعة من المسلمين بلغوا ثلاثين رجلاً، بينما كان الآخرون قد تشتتوا في الميدان، وعاد بعضهم إلى المدينة ولما علم المسلمون بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمت تجمعوا حوله، وطلب منهم أن يتراجعوا إلى جبل أحد وأن يحصبوا المشركين بالحجارة، وأن لا يسمحوا لهم بأن يلتفوا عليهم من فوقهم. وحاول الكفار إبادة ما بقي من المسلمين إلا أنهم لم يستطيعوا وحاولوا مرات عديدة الصعود إلى جبل أحد لمحاصرة المسلمين إلا أنهم لم يستطيعوا لأن المسلمين تصدوا لهم، حينها أدرك المشركون أنهم عاجزون عن إبادة المسلمين والوصول إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فآثروا الانسحاب مكتفين بهذا القدر من النصر على المسلمين. وأشرف أبو سفيان على مرتفع عال ونادى بأعلى صوته: إن الحرب سجال يوم بيوم بدر أعل هبل ، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم لعمر: قم فأجبه وقل : الله أعلى وأجل، لا سواء قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار. ثم انصرف أبو سفيان ومن معه وهو ينادى إن موعدكم بدر للعام القادم فقال صلى الله عليه وسلم لعمر: قل نعم هو بيننا وبينكم موعد وتوقف القتال.
خسائر المسلمين والمشركين :
خسر المسلمون في هذه المعركة بضعة وسبعين قتيلاً، وقيل خمسة وستين، من أبرزهم حمزة بن عبد المطلب وحنظله بن أبي عامر بن صيفي ( غسيل الملائكة ) ومصعب بن عمير وغيرهم . أما المشركون فبلغ عدد قتلاهم ثلاثة وعشرون رجلاً وقيل سبعة وثلاثون .
عسكر الرسول صلى الله عليه وسلم بأصحابه السبعمائة قريباً من أحد جاعلاً ظهورهم إليه وسوى صفوف المسلمين، وطلب منهم أن لا يقاتلوا حتى يأمرهم بذلك، واختار خمسين رجلاً وضعهم على الجبل وأمَّر عليهم عبد الله بن جبير وقال له انضح الخيل عنا بالنبال لا يأتونا من خلفنا، إن كانت لنا أو علينا. فاثبت لا نؤتين من قبلك. ولبس النبي صلى الله عليه وسلم درعين زيادة في الحيطة ودفع اللواء إلى مصعب بن عمير.
أما قريش فعبأت رجالها بمواجهة المسلمين وقسمت فرسانها الذين بلغوا مائتي رجل إلى قسمين، أحد هما في الميمنة، بقيادة خالد بن الوليد والآخر في الميسرة بقيادة عكرمـة بن أبــي جهل، وسلم اللواء إلـى بنـي عبد الدار وراح أبو سفيان
يحرضهم على القتال. التقى الطرفان في يوم السبت الموافق 15 شوال من السنة الثالثة للهجرة, وكان النصر في بداية المعركة حليفاً للمسلمين إلا أن الرماة خالفوا رأي النبي صلى الله عليه وسلم فنزلوا عن جبل الرماة وظنوا أن المعركة قد انتهت فنزلوا يريدون الغنائم، فاستغل خالد بن الوليد هذه الفرصة فالتف على المسلمين من جهة جبل الرماة فقتل من بقى من الخمسين على الجبل, ثم التقوا بالمسلمين وتراجع المسلمون وأشيع أن النبي صلى الله عليه وسلم قد مات, ولكنه لم يمت بل أصيب وكسرت رباعيته، دافع صلى الله عليه وسلم دفاع الأبطال وكذلك صحابته رضوان الله عليهم.
بعدها رأى النبي صلى الله عليه وسلم أن يتخذ من مكان قيادته مركزاً يتجمع المسلمون فيه ثانية لكي لا يتبعثروا وينفرد المشركون بهم ويحيلوا نصرهم إلى عملية إبادة شاملة, فاتجه صوب الشعب بصحبة أبو بكر وعمر وعلي وطلحة والزبير وجماعة من المسلمين بلغوا ثلاثين رجلاً، بينما كان الآخرون قد تشتتوا في الميدان، وعاد بعضهم إلى المدينة ولما علم المسلمون بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمت تجمعوا حوله، وطلب منهم أن يتراجعوا إلى جبل أحد وأن يحصبوا المشركين بالحجارة، وأن لا يسمحوا لهم بأن يلتفوا عليهم من فوقهم. وحاول الكفار إبادة ما بقي من المسلمين إلا أنهم لم يستطيعوا وحاولوا مرات عديدة الصعود إلى جبل أحد لمحاصرة المسلمين إلا أنهم لم يستطيعوا لأن المسلمين تصدوا لهم، حينها أدرك المشركون أنهم عاجزون عن إبادة المسلمين والوصول إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فآثروا الانسحاب مكتفين بهذا القدر من النصر على المسلمين. وأشرف أبو سفيان على مرتفع عال ونادى بأعلى صوته: إن الحرب سجال يوم بيوم بدر أعل هبل ، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم لعمر: قم فأجبه وقل : الله أعلى وأجل، لا سواء قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار. ثم انصرف أبو سفيان ومن معه وهو ينادى إن موعدكم بدر للعام القادم فقال صلى الله عليه وسلم لعمر: قل نعم هو بيننا وبينكم موعد وتوقف القتال.
خسائر المسلمين والمشركين :
خسر المسلمون في هذه المعركة بضعة وسبعين قتيلاً، وقيل خمسة وستين، من أبرزهم حمزة بن عبد المطلب وحنظله بن أبي عامر بن صيفي ( غسيل الملائكة ) ومصعب بن عمير وغيرهم . أما المشركون فبلغ عدد قتلاهم ثلاثة وعشرون رجلاً وقيل سبعة وثلاثون .